الفرص المتاحة في سوق استخبارات المَخاطر [رأي]
خريطة للبلدان التي تواجه أكبر مخاطر الإرهاب. (الصورة من "ذا تيليجراف" The Telegraph)
يفرض أحد قوانين الاقتصاد الأساسية علاقةً مباشرة بين عائدات الاستثمار والمخاطر المترتبة عليه.
يُعتبَر شراء سندات الخزانة الأمريكية مثلاً إلى حدٍّ كبير من أكثر الاستثمارات أماناً على الإطلاق، وبذلك فإنّ سعر الفائدة الناجم عنها هو أحد أدنى الأسعار في السوق. من جهةٍ أخرى، يُعتبَر تمويل الشركات الناشئة مغامرةً أكثر خطورة نسبياً، ولذلك يَتوقّع المستثمرون في هذا المجال عائداتٍ أعلى بكثيرٍ في العادة.
المقصود هنا أنّ المَخاطر تترافق مع الاستثمار، ولذلك تُعدّ المعلومات المتعلّقة بالمَخاطر بالغة الأهمّية لاتّخاذ القرارات الملائمة، ويُشار إلى توفير مثل هذه المعلومات بمجال "استخبارات المَخاطر" Risk Intelligence. ونظراً إلى الاهتمام الدائم بالاستثمار في المناطق التي تكتنف مستوياتٍ عاليةً من المخاطر السياسية، تشكّل استخبارات المَخاطر السياسية سوقاً كبيرة ومتناميةً تقدّم عدداً من الفرص لروّاد الأعمال؛ وذلك ينطبق بشكلٍ خاص على الشركات الناشئة التي تعمل في مناطق "خطرة" مثل بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
المعلومات العملية تسهّل عملية تقييم المخاطر. (الصورة من Greattechpros.com)
يمكن لاستخبارات المَخاطر أن تتضمّن تقييم مخاطر الأفراد من خلال سجلّ الائتمان credit scoring (باستخدام خدمات "إكوي فاكس" Equifax أو "إكسبيريان" Experian أو "ترانس يونيون" TransUnion)، أو مراجعة التحاليل التكنولوجية والقيام بالدراسات الإعدادية للتعرّف إلى احتمالات نجاح الابتكارات قيد التنفيذ، كما وتحليل المَخاطر السياسية المرتبطة بالبيئة الجيوسياسية التي يتمّ فيها الاستثمار.
وليس من المفاجئ أنّ الأحداث السياسية العالمية التي تحصل منذ فترة، مثل أحداث 11 أيلول والهجمات الإرهابية في بلدان كثيرة وتغيّر الأنظمة في الشرق الأوسط، قد جعلَت استخبارات المخاطر السياسية أكثر ضرورة بعد.
وبالنظر إلى البلدان النامية وحدها، يُتوقّع أن تتعرّض نفقاتٌ رأسمالية تفوق قيمتها 300 مليار دولار لمخاطر سياسية من الآن وحتى عام 2025. وبما أنّ هذه البلدان تحظى باهتمامٍ متزايدٍ من قِبل المستثمرين، فإنّ هذا يُنشئ سوقاً متناميةً لاستخبارات المخاطر ذات الصّلة.
جدول بالبلدان التي تحظى بالقيمة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. (الصورة من "ذا جارديان" The Guardian)
تضع الظروف المتقلّبة عدداً من الجهات أمام فرصةٍ لتقدّم خدماتٍ مرتبطةً بالمَخاطر، ومنها شركات الاستشارات التي تقدّم المشورة لعملائها حول استقرار الحكومة أو شروط السفر الآمن (مثل "كونترول ريسكس" ControlRisks أو "كرول" Kroll أو "ستراتفور" Stratfor أو "فيريسك" Verisk).
كما يشمل ذلك شركات خدمات المعلومات ("آي إتش أس" IHS و"بلاتس" Platts و"إي أي يو" EIU و"أكسفورد إكونوميكس" Oxford Economics) التي تلبّي احتياجات التخطيط الاستراتيجي للأعمال، للشركات العالمية من حيث مَخاطر الاستثمار في البنية التحتية أو احتساب أقساط التأمين.
ويضمّ أيضاً شركات البرمجيات التي توفر وسائل لتوليد البيانات المتعلّقة بالمخاطر أو معالجتها أو تحليلها أو تصويرها.
بتعبيرٍ أبسط، تتعلّق استخبارات المخاطر بجمع المعلومات ومعالجتها. بينما كانت الطرق التقليدية تقضي بجمع فرَقٍ من الخبراء سواء في الشركات الخاصّة أو في الهيئات الحكومية، يتمّ الآن الاستفادة من ازدياد توافر حلول البرمجيات التي تستهدف هذا القطاع لاستكمال هذا المفهوم إن لم يكن استبداله. ومع ذلك، لمّا يطرأ بعد أيّ تعديلٍ على سلسلة القيمة: فبعد أن يتمّ جمع البيانات، يجب تصفيتها، والتأكّد منها، وتصنيفها، وتحليلها، وبالتالي الحصول على معلوماتٍ عمليةٍ يُمكن للجمهور المستهدَف أن يتصرّف بها.
ولكن، من الأمور الملفتة أنّ البلدان النامية، مثل بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، باتت تشكّل ميزةً تنافسية للشركات الناشئة في هذا الجزء من العالم والتي تهدف إلى تلبية احتياجات قطاع استخبارات المخاطر. وذلك لأنّ تقييم المخاطر مرتبطٌ إلى حدٍّ كبيرٍ بالخبرات المحلية.
إلى جانب المهارات البشرية اللازمة والحلول البرمجية التي يمكن الاستفادة منها لجمع المعلومات وتحليلها، فإنّ التواجد في المناطق التي تجري التحاليل فيها يزيد من تفصيل التحاليل وسرعة التحقّق من البيانات ودقّتها، بما يتجاوز ما يمكن تحقيقه بالتواجد بعيداً عن المناطق المستهدَفة. وإذا تتعلّق هذه النقطة (اللغة والمعرفة الثقافية والقرب المادّي من الأحداث الجارية) بتوليد البيانات، فهي لا شكّ ترتبط بتحليل المعلومات ومعالجتها.
يجب أن يتمّ جمع بيانات المَخاطر والتحقق منها وتصنيفها وتحليلها، قبل أن يتمّ اتّخاذ أيّ خطوات. والشركات الناشئة المعنية باستخبارات المخاطر والقريبة من موقع الأحداث تتمتّع بميزة تنافسية. (الصورة من "بروجكشن بوينت")
يمكن للشركات الناشئة التكنولوجية المحلّية التي تسعى إلى دخول هذه السوق أن تنمّي عدداً من المزايا التنافسية التي تخصّ منطقة معينة.
فالإلمام باللغة المعنية يشكّل هنا كنزاً كبيراً يعزّز قيمة ما تقدّمه في هذا المجال، خصوصاً لأنّه لا يمكن تمييز فروق المعاني الصغيرة والدقيقة سوى من قبَل المتحدّثين الأصليين باللغة، بغضّ النظر عمّا إذا كان العمل يتمّ على الورق أو باستخدام برمجيات تحليل البيانات.
والمعرفة الجغرافية غالباً ما تساوي اللغة أهمية، حيث يمكن لفِرَق العمل المحلّية أن تستحوذ على تفاصيل لا يمكن للشركات البعيدة الحصول عليها. ففي هذه الحالة، تكون المرحلة الأخيرة من تشريح المعلومات وتقطيعها لعرضها على جماهير متنوّعة بأفضل حالاتها، إذا كان المستخدمون النهائيون هم عملاء متواجدون في المنطقة عينها التي تعمل فيها الشركة الناشئة. وذلك بكلّ بساطةٍ، لأنّه يمكن عندئذٍ تصميم العرض بما يتلاءم مع الاعتبارات الثقافية والممارسات والمصالح التجارية وغيرها من الجوانب المحلّية ذات الصِّلة بهؤلاء العملاء.
ما يمكن استنتاجه من كلّ ذلك، أنّ ثمّة سوقاً كبيرة موجودة أصلاً وهي الآن تتوسّع بطريقةٍ غير مسبوقة، ما يُنشئ فرصاً لا تعدّ ولا تُحصى لروّاد الأعمال.
كثيرةٌ هي الشركات الناشئة في المنطقة التي تحصر نفسها حتّى الآن بخدمات إنشاء المحتوى نسبياً الموجّهة إلى الأسواق المحلية، كما ذكرتُ في مقال سابق. وبعيداً عن تأييد إنشاء "شبكات التجسس"، يكمن الهدف هنا في لفت الانتباه إلى فرص الاستفادة من التواجد المحلّي إلى جانب التقنيات المستخدَمة، لتلبية احتياجات شرائح مستهلكي المحتوى الدولية، وبخاصّةٍ في أوروبا وأمريكا الشمالية.
عندما يتعلّق الأمر باستخبارات المَخاطر، يبقى هناك فجوةٌ هامة إن لم يكن لسببٍ آخر غير جَمع البيانات ومعالجتها وتحليلها، وتصوير المعلومات، ووَصل عالم استخبارات المخاطر بغيره من المجالات مثل إدارة سلاسل التوريد وأدوات التحاليل المالية والأخبار والإعلام وحلول تقنية المعلومات المرتبطة بالتأمين.