ما دور الديزل الحيوي في منطقة غنية بالنفط؟
كارل فيلدر الذي يرى أنّه صمّم نظام وقود الديزل الحيوي الأوّل في العالم والذي يعمل فعلاً، لا مانع لديه بتاتاً في أن يشرح لنا بالتفصيل كيف فعل الأمر.
انطلقت شركته "نيوترل فيولز" Neutral Fuels في دبي عام 2009، وهي تشهد ازدهاراً منذ ذلك الحين، حيث يقول فيلدر إنّها تسجّل نسبة نموٍّ تبلغ 40% كلّ سنةٍ، منذ ثلاث سنوات.
وفي مقابلةٍ له مع "ومضة"، أخبرنا أنّ أساس نجاحه كان إعادة هندسة النظام التقليدي لإنتاج وقود الديزل للتركيز على العرض والطلب على مستوى المدينة، وذلك عبر استخدام زيت الطهي المُستعمَل كمادة خام.
سلسلة "نيوترل فيولز". (الصور من "نيوترل فيولز")
"لقد قمنا بتفكيك قطاع إنتاج الوقود الحيويّ بالكامل بهدف دراسته،" يقول فيلدر مضيفاً أنّ "ما يجدر بنا فعله هو إنتاج كمّياتٍ أصغر نسبياً من الوقود الحيوي حيث نستمدّ مواد الإنتاج محليّاً فيكون كلّاً من الإنتاج والاستهلاك محلّيَّين".
ينتقد فيلدر بشدّةٍ كلّ ما يؤخر إنتاج الوقود الحيويّ، سواء حول العالم بشكلٍ عام أو في المنطقة بشكلٍ خاص. ووفقاً له، فإنّ ذلك لا يتمثّل بالدعم الحكومي وحسب، بل بنقص الثقافة العامّة ووفرة الوقود التقليدي.
فعلى الصعيد العالمي، يأتي معظم الوقود الحيويّ من محاصيل مثل الذرة أو بذور اللفت، والدول الثلاثة الأكثر إنتاجاً لهذا النوع من الوقود هي الولايات المتحدة والبرازيل والصين. ومع أنّه من المتوَقّع لهذا القطاع أن ينموَ نموّاً سريعاً على مرّ العقد الآتي، إلاّ أنّ الأمر ليس سياناً للتجارة الدولية بالوقود الحيويّ، وذلك بسبب عوامل مثل استهلاكه المتزايد داخل الدول المنتِجة له وسياسات مكافحة الإغراق السلعي anti-dumping policies ومسائل أخلاقية متعلّقة باستخراج زيت النخيل.
ويقول فيلدر إنّ قطاع الوقود الحيوي العالمي "معطّل"، لأنّ صناعته في مناطق مثل الولايات المتحدة وأوروبا تعتمد إلى درجةٍ كبيرةٍ على الدعم الحكوميّ للحفاظ على معدّلات إنتاجٍ عالية، كما يزعم "أنّنا نحن الوحيدين الذين أجدنا تشغيل هذا القطاع بالشكل الصحيح".
"ومضة": ماذا تعني بانّ القطاع "معطَّل"؟
كارل فيلدر: على قطاع الوقود الحيوي أن يعيد النظر بالكامل بنموذج عمله التجاري.
النموذج الذي يتمّ العمل به منذ ثلاثين سنة يقضي بتقليد قطاع صناعة النفط الخام: لا يهمّ من أين يأتي النفط طالما أمكن شحنه في سفينةٍ كبيرةٍ ونقله إلى أيّ مكانٍ في العالم. كما أنّه يمكنك بناء مصافيك على أيّ ساحلٍ وتحميل المنتَج النهائيّ في ناقلات نفطٍ كبيرةٍ تقوم بعدئذٍ بتوزيعه في كلّ أنحاء بلدك.
وفي الواقع، يقوم قطاع وقود الديزل الحيويّ بتقليد هذا النموذج بلا جدوى، لأنّه بحلول الوقت الذي تكون قد نقلتَ فيه النفط إلى جزءٍ آخر من العالم، تكون كلفتُه كمادّةٍ خام قد ارتفعَت جداً – فيصبح أغلى بكثيرٍ من النفط الخام العادي.
كما أنّ عملية تكرير وقود الديزل الحيويّ لا تستفيد كثيراً من الإنتاج بكمّياتٍ كبيرةٍ، وإذا كان لديك مصافٍ ضخمةً لن تتمكّن من بيع الوقود سوى بكمّيات أحجام ناقلات الوقود الضخمة التي تتّسع لـ33 ألف ليتر. وعندئذٍ لا يعود بإمكانك أن تبيع إنتاجك سوى لشركات النفط التي ستشتريه منك بأسعارٍ متدنّيةٍ جدّاً، لتمزجه بعدئذٍ بوقود الديزل المعدني mineral diesel وتبيعه في الأسواق المفتوحة، لأنّ المواطن العادي الذي لديه إما مركبة خاصة أو قافلةً صغيرة من المركبات لا مكان لديه لتخزين 33 ألف ليتر.
"ومضة": إذاً، لا يستهدف النموذج الحالي سوى المؤسَّسات الكبرى. وأنت كصاحب شركة صغيرة، ما هو نموذج عملك؟ وبِمَ يختلف؟
فيلدر: هذا ما نسميه إنتاج وقود حيويّ على مستوى المدينة.
ما يجب فعله هو استمداد مصادر موادٍ خامٍ أرخص، والطريقة الأسهل لفعل ذلك هي أنْ نستمدّ مصادرنا من المخلّفات والفضلات. كما عليك فعله هو وضع مصافيك بالقرب من المطاعم. فأيّ مدينةٍ يزيد عدد سكّانها عن بضعة ملايين نسمةٍ قادرةٌ على إنتاج ما يكفي من المخلّفات ومعالجتها محلّياً وبيعها إلى سيارات البلدية وإلى أيّ جهةٍ تهمّها البيئة.
ويمكن إتمام ذلك كلّه بشكلٍ مربح، وهو لا يتطلّب أيّ تدخّلٍ حكوميٍّ ولا يستوجب أن تفرض الحكومة استخدام أيّ مزيجٍ معيّنٍ أو أن يتلقّى المزارعون أيّ رعاية.
"ومضة": ما الذي يؤخّر إذاً تَقدُّم وقود الديزل الحيوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
فيلدر: التحدّي الأوّل الذي نواجهه هو نقص الثقافة العامة؛ فعندما نتوجّه إلى الجهات التي تبيع الشاحنات والحافلات والمولّدات الكهربائية في المنطقة، نجد أنّ لا فهم لديهم لماهيّة وقود الديزل الحيوي بتاتاً.
ثانياً، من الآن وحتى 50 عاماً، لن يكون عليك سوى حفر حفرةٍ في الأرض في الكثير من دول الشرق الأوسط لتجد النفط يخرج من الأرض. وهم يعتبرون أنّ وضع هذا النفط في محركّك بعد تصفيته أمرٌ طبيعيٌّ للغاية، وأنّ أخذ مواد مخلّفات المطابخ في المقابل ومعالجتها بتغييراتٍ كيماوية لتصبح وقوداً اصطناعياً هو أمرٌ غريبٌ جداً ولا يفهمونه. يقولون إنّ هذه المخلّفات هي ما نطهو البطاطاس به، فكيف لنا أن نضعه في محرّكاتنا؟ فهو سيسبب لهذه الأخيرة مشاكل جمّة من دون شكّ. ويبدو لهم الأمر برمّته غريباً.
"ومضة": لِمَ أطلقت شركتك في دبي؟
فيلدر: إنّ سعر وقود الديزل في دبي هو الأعلى بين جميع بلدان الشرق الأوسط، والديزل (على عكس حالة البترول) ليس مدعوماً من الحكومة، وهذا أمرٌ يلعب لمصلحتنا.
عمّال في المصنع في دبي يفرغون الزيت المجمّع من الحاويات إلى الأجهزة الهاضمة digesters.
"ومضة": كم يكلّف إنتاج وقود الديزل الحيويّ لديك؟
فيلدر: يكلّف في العادة حوالى 20 سنتاً لليتر الواحد، موزّعاً بين مواد كيماويةٍ وطاقةٍ لمعالجة الزيت المستعمَل عالي الجودة وتحويله إلى وقود ديزل حيويٍّ عالي الجودة. وذلك لا يختلف كثيراً مع زيادة كمية الزيت المعالَج.
يصبّ ما بين 40 و60% من سعر ليتر وقود الديزل الحيويّ الواحد في سعر الزيت الذي نستخدمه للإنتاج.
لذا إذا سارت الأمور بشكلٍ ممتاز، وتمكّنتَ من الحصول على الزيت المستعمَل مجاناً، يمكنك إنتاج وقود الديزل الحيوي ّبسعر 40 سنتاً تقريباً لليتر الواحد.
"ومضة": كيف تستمد "نيوترل فيولز" موادها وكيف تقدّم منتجها النهائي؟
فيلدر: عندما تقوم الشاحنات بتوصيل المأكولات الطازجة إلى الفنادق والمطاعم، تجمع الزيت المخلَّف في الوقت عينه. ويكون الزيت موضّباً بإحكامٍ في حاوياتٍ سبق أن اختبرناها ميكانيكياً وبيولوجياً لنتأكّد من أنها آمنةٌ لنقل الزيت وإبقائه مفصولاً عن المأكولات.
تمرّ هذه الشاحنات بمصنعنا في طريق عودتها إلى المستودعات ليُعاد ملأها بالمأكولات. وعندما تصل إلى مصنعنا، يتمّ تفريغها من الزيت المستعمَل الذي أتت به من الفنادق والمطاعم، وتحميلها بحاوياتٍ جديدةٍ نظيفة، كما وإعادة تزويدها بالوقود لتكمل طريقها.
في دبي، تكمن الفائدة في أنّ مصنعنا قادرٌ على إعادة تزويد هذه الشاحنات بالوقود بسرعةٍ كبيرة. تنتظر الشاحنة عادةً 15 دقيقةً بالمعدّل في المحطّات العادية ليُعاد تزويدها بالوقود، ويمكن أن تزيد فترة انتظارها هذه أحياناً عن الساعة. أمّا نحن، فبإمكاننا أن نعيد تزويدها بالوقود في غضون أربع دقائق.
"ومضة": ما هي خططك المستقبلية؟
فيلدر: نودّ أن نوسّع شبكة توزيعنا في دبي. ونحن نعمل مع الهيئات المعنية بوضع المعايير الاتّحادية لدولة الإمارات العربية المتّحدة، لحثّها على فرض أن يتضمّن كلّ النفط نسبةً مئويةً معيّنةً من وقود الديزل الحيوي. ونحن نسعى لأن تُحدَّد هذه النسبة المئوية بـ5% من وقود الديزل الحيوي في الديزل بشكلٍ عام [كما هي الحال في أوروبا].