كيف وصل هؤلاء الطلاب الأردنيون ليقيموا مشروعاً مع 'ناسا'؟
الطلّاب: سند حداد، زيد قعوار، تشاد (مرشدهم في "ناسا")، محمد الزرقان، فراس مستريحي. (الصورة من زيد قعوار)
يعاني الأردن من ظاهرة العنف الجامعي التي أودَت بحياة حوالي سبعة طلاب ما بين عامي 2010 و2013، وفق دراسةٍ أجرتها "الجمعية الأردنية للعلوم السياسية". إلّا أنّ هذه الظاهرة لا تمنع من وجود إبداعاتٍ طلّابيّة رفيعة المستوى في البلاد، وهذا ما نجح في إثباته ولي العهد، الأمير حسين بن عبدالله، بإيصاله بعدما أطلق العام الماضي مبادرةً تتيح أمام طلّاب الهندسة الأردنيين فرصة التدرّب مع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" NASA.
وإثر إطلاق وليّ العهد هذه المبادرة للتصدّي للصورة النمطية عن الجامعات الأردنية بأنّ العنف الطلّابي فيها عالٍ جدّاً، تمّ ترشيح أربعة طلاب من أربع جامعاتٍ في محافظاتٍ مختلفة، للمشاركة في الدورة الأولى التي انعقدَت لمدّة شهرَين خلال الصيف الماضي، فكان أن أثبت هؤلاء جداراتهم وإمكانيّاتهم.
تمّ اختيار الطلبة على مرحلتَين؛ اعتمدَت الأولى على اختيار الجامعات للطلبة المتميّزين ليقدّموا مشاريعهم إلى بيت واردن Pete Worden، مدير مركز أبحاث "آيمز" Ames أحد مراكز "ناسا" الميدانية العشرة. أمّا المرحلة الثانية فاعتمدَت على اختيار "ناسا" لأفضل المشاريع بنفسها. وهكذا ترّشح سند حداد من "جامعة مؤتة" في الكرك، وفراس المستريحي من "جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية" في إربد، وزيد قعوار من "جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا" في عمّان، ومحمد الزرقان من "الجامعة التقنية" في الطفيلة.
إلى المشتري
تدرّب الطلّاب في مركز أبحاث "آيمز" الواقع في وادي السيلكون في كاليفورنيا، وساهموا في تصميم مهمّةٍ استكشافيةٍ لـ"يوروبا" Europa، أحد أقمار كوكب المشتري، وهو قمرٌ جليديٌّ مغلّفٌ بطبقةٍ جليديةٍ سميكة. أمّا المهمة الّتي عُيّنت للطلبة فكانت التّحقّق من أيّ تواجدٍ للحياة في المحيط المائي لـ"يوروبا"، من خلال تصميم نظام اّتصالات لاسلكيٍّ تحت الماء يقوم بإرسال إشاراتٍ إلى الكرة الأرضيّة، معتمدين بذلك على تقنيات "كيوبسات" Cubesat. وفيما نجح الطلّاب بتصميم نماذج على شكل غوّاصاتٍ أثبتَت نظريّاتهم، ستطبّق "ناسا" هذا الأمر بعد حوالي خمس سنوات.
في غضون ذلك، أوضخ زيد قعوار، الطالب في هندسة الكهرباء والطاقة في "جامعة الأميرة سميّة"، أنّ زيارته إلى "ناسا" علّمَته الكثير عن طبيعة البحث العلميّ وتنظيم العمل. وقال في حديثٍ مع "ومضة": "لقد أبهرَتني بيئة العمل المُحفّزة وأبهرني إخلاص الموّظفين لعملهم. فمنهم من كان يعمل عشر ساعاتٍ في اليوم ليكمل بحثه... والمميّز أنّهم لا يحتكرون المعلومات والخبرات التي لديهم لدوافع شخصية، بل يشاركونها لإفادة الفريق بأكمله." بالإضافة إلى ذلك، نصح قعوار المهندسين الأردنيين أن يسافروا ويتحدّوا أنفسهم بالخروج من منطقة راحتهم ليستطيعوا مقارنة الأردن بدولٍ أخرى، فهذا سيساعدهم على انتقاد بلدهم بطريقةٍ بنّاءةٍ تحفّزهم على تطويرها.
أمّا سند حدّاد، طالب هندسة الاتصالات في "جامعة مؤتة"، فشدّد على أنّ أهمّ عنصرٍ لإنجاز مشروعٍ علميٍّ كهذا هو العمل الجماعيّ والاستفادة من العلماء ذوي الخبرة بأكبر قدرٍ ممكن.
وبدورها، عبّرَت عميدة كليّة الهندسة في جامعة الأميرة سميّة، الدكتورة وجدان أبو الهيجاء، عن امتنانها لهذه المبادرات إذ تحفّز الطلّاب على تحقيق طموحاتهم وترفع المستوى العلميّ لدى الشباب الأردني. ولدى سؤالها عن كيفية دمج الهندسة مع الريادة، قالت "إنّ الطلّاب، وللأسف، يشكّون بقدراتهم ولا يثقون بنجاح أفكارهم، ممّا يُحبطهم ويقلّل من عزيمتهم. ولذلك تمّ إنشاء‘ مركز الملكة رانيا للريادة‘ كمؤسَّسةٍ غير ربحيةٍ تابعةٍ لـ‘جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا‘، تعمل كحاضنةٍ محفزّةٍ لأعمال الطلّاب الرياديين." كما وأوضحَت أنّ هنالك جهات داعمة أخرى، مثل "مركز الملك عبد الله الثاني للتصميم والتطوير".
واعتبرَت أبو الهيجاء أيضاً أنّ التكنولوجيا الحديثة فتحَت آفاقاً كثيرةً أمام المدرّسين والطلّاب كي يتنافسوا على الصعيد العالمي، وأنّ الإنترنت رفع مستوى الأبحاث لدى الطلّاب إذ أصبح بإمكانهم مراجعة أفكارهم وتطويرها وفق الكمّ الهائل من المعلومات المتاحة. وأملَت الدكتورة أن يتمّ إنشاء مراكز أبحاث متعددة التخصّصات تضّم كلّ الجامعات الأردنيّة، حيث يكون التنسيق منظّماً لتحقيق أهدافٍ علميّةٍ ضمن منظومةٍ وطنيّةٍ تخدم الجميع.
اختبار النموذج الأوّلي.
في سياق ذلك، سيستمرّ التعاون مع "ناسا" بشكلٍ سنويٍّ حيث سيتمّ اختيار طلّابٍ آخرين ليمثّلوا الأردن في الصيف المقبل ضمن الدورة الثانية.