الوجه الآخر للتمويل السريع في عالم الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

مقال بواسطة ماثيو سبريجل، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة Atiom المتخصصة في تقديم حلول تكنولوجية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تهدف إلى تحسين أداء فرق العمل في قطاع الضيافة.
غالبًا ما تركض الشركات الناشئة خلف جولات تمويل مبكرة وكبيرة، معتقدةً أن زيادة رأس المال تعني تحقيق النجاح الفوري. لكن في كثير من الأحيان، يكون التوجه نحو استثمارات مستقرة ومستدامة خيارًا أكثر حكمة، لأنه يتيح للشركات النمو بشكل مدروس، بعيدًا عن ضغط التوقعات المبالغ فيها. فالنجاح المبكر بحاجة إلى إدارة حذرة لضمان الاستقرار طويل الأمد، مع ضرورة التنبّه إلى المؤشرات الحقيقية التي تدل على استعداد السوق للتوسع، وهي خطوة أساسية لتحقيق نمو مستدام. كما أن التعامل مع الإخفاق بعقلانية لا يقل أهمية، فالتحديات حتمية في عالم ريادة الأعمال، ولابد من مواجهتها بثبات.
يُعدّ الركود الحاد في قطاع البرمجيات عام 2022 تذكيرًا بمخاطر التركيز المفرط على النمو على حساب باقي الأهداف. فقد واجهت العديد من الشركات الناشئة التي اندفعت نحو التوسع السريع صعوبات كبيرة، اضطُرّت معها إلى إجراء تخفيضات قاسية في الميزانية، أو البحث عن تمويل إضافي لضمان الاستمرار فقط. وبينما تواصل المبادرات الحكومية دعم تمويل الشركات التكنولوجية الناشئة، تشير الإحصاءات إلى أن 80% من هذه الشركات في دولة الإمارات لا تصمد في السوق لأكثر من عامين، وهي نسبة تسلط الضوء على أهمية التخطيط المتأني والمدروس. ورغم ما توفره الإمارات من فرص واعدة لرواد الأعمال في قطاع التكنولوجيا، يبقى النجاح مرهونًا بقدرة المؤسسين على الموازنة بين الطموح والاستثمار الذكي وتحقيق الاستدامة طويلة الأمد.
لا وصفة جاهزة: اختر خطة النمو التي تناسب شركتك
وضع استراتيجية نمو فعّالة تتماشى مع خصوصية شركتك هو مسار طويل لا يمكن اختصاره أو استعجاله. فلا توجد وصفة جاهزة أو جدول زمني واحد يناسب جميع الشركات، لا سيما في ظل التطورات المتسارعة في قطاع التكنولوجيا في الإمارات. لكل شركة مسار نموها الخاص، ويجب عليها تحديده وفقًا لإمكاناتها وسوقها وأهدافها. يظهر في هذا السياق نموذجان مختلفان: Klaviyo و Uber، وقد اتبعت كل منهما استراتيجية نمو مختلفة تمامًا.
فقد تبنّت Uber، التي تأسست عام 2009، نهجًا طموحًا وسريعًا في جمع التمويل، حيث حصلت على تمويل تأسيسي قدره 1.3 مليون دولار في عامها الأول، ثم واصلت جمع تمويلات تجاوزت 20 مليار دولار من القروض والأسهم، وذلك قبل طرحها العام الأولي في البورصة عام 2019، والذي سُجّل كأكبر خسارة مالية في اليوم الأول لطرح عام في تاريخ الولايات المتحدة. ولم تتمكن الشركة من تحقيق الربحية مجددًا إلا في عام 2023.
في المقابل، اتبعت Klaviyo، التي تأسست عام 2012، نهجًا أكثر تروّيًا واستهدافًا، حيث اعتمدت على التمويل الذاتي لإدارة عملياتها خلال أول ثلاث سنوات، قبل أن تحصل على تمويل تأسيسي بقيمة 1.5 مليون دولار في عام 2015. وبفضل استراتيجيتها التوسعية المدروسة ونهجها المرتكز على العملاء، نجحت الشركة في تحقيق الربحية والوصول إلى السوق العامة في عام 2023.
النجاح في المراحل الأولى لا يكفي
قد يكون من الصعب أحيانًا التمييز بين الزخم المؤقت واستعداد المشروع الفعلي للحصول على تمويل، لا سيما بعد تحقيق بعض النجاحات المبكرة. يعتقد كثيرون أن وجود اهتمام أولي من العملاء يُعد بمثابة ضوء أخضر للبدء في جمع التمويل، خصوصًا في قطاع التكنولوجيا التنافسي في الإمارات. لكن جذب عدد محدود من العملاء مع تجاهل مؤشرات مثل معدلات فقدانهم (churn) قد يؤدي إلى تعثّر حقيقي، خاصة في غياب تفاعل فعلي ومستقر مع السوق. وهنا يصبح وجود توافق حقيقي بين المنتج والسوق ضروري وأساسي.
من المهم كذلك أن يكون المؤسسون قادرين على رصد العلامات المبكرة التي تدل على أن المنتج بدأ يلقى رواجًا طبيعيًا بين المستخدمين. فعندما يبدأ العملاء الراضون بمشاركة تجربتهم الإيجابية بشكل تلقائي، ويعبّرون بوضوح عن فائدة المنتج، فذلك يعد مؤشرًا قويًا على تحقق التوافق بين المنتج والسوق، وفاعلية الرسالة التسويقية. يساعد تحليل هذه الأنماط من النمو في تحديد ما إذا كانت الشركة مؤهلة فعلًا للحصول على استثمار، أم أنها ما تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت لتقوية بنيتها الأساسية.
ليست كل الشراكات فرصًا
اختيار المستثمر المناسب يُعد واحدًا من أهم القرارات التي يتخذها المؤسِّس. واختيار الشريك الخطأ، سواء كان مستثمرًا محتملاً أو عضوًا مستقبليًا في مجلس الإدارة، قد يؤدي إلى تحديات حقيقية على المدى البعيد. الحصول على تمويل من دون دراسة كافية قد يقود إلى أخطاء مكلفة، إذ يخلط كثير من المؤسسين بين التمويل المبكر وتحقيق النجاح الفعلي، مما يؤدي أحيانًا إلى الدخول في شراكات مع مستثمرين غير مناسبين، وهو ما يترك الشركات الناشئة في نهاية المطاف مع تمويل قد تندم عليه لاحقًا. فاللجوء إلى التمويل المبكر بدلًا من خيار التمويل الذاتي (Bootstrapping) لا يمنع الأخطاء، بل يجعلها أكثر كُلفة وأصعب في المعالجة.
ومن المهم التذكير بأن عملية جمع رأس المال ليست طريقًا باتجاه واحد، فكما ينبغي أن يرى المستثمر في شركتك فرصة واعدة للاستثمار، عليك أنت أيضًا أن تختار الشريك الذي يضيف قيمة حقيقية إلى مشروعك. إنها خطوة حاسمة ترسم ملامح مستقبل شركتك الناشئة.
حين تصنع الأخطاء الفرص
الفشل جزء لا مفر منه في رحلة ريادة الأعمال، وتعلّم كيفية التعامل معه مهارة أساسية ينبغي على مؤسسي الشركات تطويرها. وينطبق ذلك بشكل خاص على بيئة الشركات الناشئة في الإمارات، حيث تُعد تقلبات السوق والمنافسة من شركات عالمية واقعًا مستمرًا، يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعثر العديد من المشاريع. من المهم أن يتقبل رواد الأعمال الفشل كفرصة لاكتشاف إمكانات جديدة، ليس فقط من أجل نمو أعمالهم، بل أيضًا من أجل تطورهم الشخصي. فالأخطاء حتمية على هذا الطريق، لكن النجاح غالبًا ما يولد من رحم هذه التجارب.
الفرصة محلية.. والآفاق عالمية
بالنسبة لرواد الأعمال في مجال التكنولوجيا داخل دولة الإمارات، فإن متابعة التوجهات والفرص المحلية تمثل عنصرًا حاسمًا لتحقيق نمو فعّال ومستدام. وتشير التقديرات إلى أن سوق رأس المال المغامر في الإمارات سيصل إلى نحو 2.46 مليار درهم إماراتي بحلول نهاية عام 2025، مدفوعًا بجملة من المبادرات، من أبرزها صندوق MGX الذي جمع أكثر من 367 مليار درهم من خلال الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ودعم شركات رائدة مثل G42. كما تحظى قطاعات مثل التكنولوجيا المالية (Fintech) والصحية (Healthtech) والزراعية (Agritech) باهتمام استثماري متزايد، مدعوم بمبادرات حكومية ومصادر تمويل إقليمية. وتوفر المناطق الحرة في الدولة، مثل مدينة دبي للإنترنت ومنصة Hub71 في أبوظبي، بنية تحتية متكاملة، بالإضافة إلى فرص تمويل وشبكات تواصل تدعم نمو شركات التكنولوجيا على المستوى العالمي.
في الختام، على الشركات الناشئة في الإمارات أن تتعامل مع عملية جمع التمويل بكثير من التروّي والوعي، من خلال اختيار المستثمر المناسب في الوقت المناسب من مسار تطوّرها. ويُعد تقييم ظروف السوق بدقة خطوة أساسية لتقليل المخاطر، مع الإقرار بأن شيئًا من عدم اليقين والفشل يظل جزءًا لا يمكن تجنبه من الرحلة. ورغم التحديات، فإنها كثيرًا ما تحمل في طيّاتها دروسًا ثمينة للنمو والتطور. ومن الواضح أن القرارات المتسرعة نادرًا ما تقود إلى نجاح طويل الأمد، أما الاستراتيجية الأكثر فاعلية فهي تلك التي تعتمد على تحقيق نمو استثماري ثابت ومتدرج على المدى البعيد.