كومفي: الشركة الناشئة لتوفير باقات البرمجيات كخدمة وفق نموذج اشتري الآن وادفع لاحقاً
أراد أمل عبد اللهيف، رائد الأعمال المُقيم في دولة الإمارات، تأسيس شركة ناشئة يتمحور عملها حول تعزيز فرص التعاون والتنسيق بين الشركات ومشاهير التواصل الاجتماعي، لكن العائق الأكبر أمام تحقيق طموحه تمثّل في ارتفاع تكاليف منتجات البرمجيات كخدمة (SaaS) التي احتاجها للعمل، مما أرهق ميزانيته بشكلٍ كبير. ويُعد هذا التحدي عائقاً مشتركاً بين الشركات الناشئة التي يعتمد عملها ونموها على البرمجيات كخدمة.
وتتوفر حلول البرمجيات كخدمة بأسعارٍ متفاوتة ضمن برامج اشتراك شهرية أو سنوية، لكن هذا الاشتراك قد يُكبّد الميزانية العامة للشركة تكاليفَ كبيرة. وبالتالي، قرر عبد اللهيف الحصول على هذه البرمجيات ضمن باقات شهرية تجنباً لتسديد مبالغٍ كبيرة دفعةً واحدة، لكنه اكتشف في النهاية أنه يسدد مبالغَ أكبر من التي أراد تجنبها.
وقال عبد اللهيف بهذا الشأن: "لم تكفي ميزانية الشركة المحدودة [آنذاك] للعمل لفترةٍ طويلة، وسرعان ما نضبت. وتمثّلت إحدى أكبر النفقات التي تكبدّتها الشركة في تكاليف البرمجيات كخدمة، لا سيما أننا اخترنا الحصول عليها ضمن باقاتٍ شهرية، والتي تترافق في طبيعتها مع زيادة في نسبة الأقساط تتراوح بين 10% و50%. أما لو أردنا سداد سعر هذه الخدمات مقدماً، فلن نستطيع توفير التكاليف اللازمة لمواصلة تشغيل الشركة".
وبعد إدراك هذه المشكلة العميقة، تعاون عبد اللهيف مع أليشر أكبروف وأليكساندر موشتا على تأسيس شركة "كومفي" الناشئة COMFI لمساعدة الشركات على إدارة تكاليف البرمجيات كخدمة بكفاءةٍ أكبر. وتوفر الشركة خدماتها للشركات الراغبة بالحصول على منتجات البرمجيات كخدمة ضمن باقات ووفق نموذج "اشتري الآن وادفع لاحقاً"، مما يتيح لها تقسيم رسوم الاشتراك السنوي وسدادها بشكل مريح على مدار 12 شهراً.
وتحمل "كومفي" آفاقاً كبيرة للنجاح والنمو، إذ تعالج أحد أبرز تحديات الشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو افتقارها إلى السيولة النقدية الكافية واعتماد عملها على توفير الحلول البرمجية. وفي الوقت نفسه، تتيح "كومفي" لشركائها من مزوديّ البرمجيات كخدمة تأمين العائدات مقدماً، بما يساعدهم على وضع توقعاتٍ أفضل لمُنحنى مبيعاتهم ومسار نموهم.
ومن جانبه، قال أكبروف: "يتمثل عمل الشركات المتخصصة بتقديم الخدمات إلى المستهلكين مباشرةً وفق نموذج اشتري الآن وادفع لاحقاً، في توفير قيمةٍ جاذبةٍ تسهم في زيادة متوسط قيمة الطلب [لدى شركائهم من التجار] بنسبة 45%، والذي بدوره يزيد إقبال العملاء للشراء عن طريق هذه الشركات بنسبة 30%. أما القيمة التي توفرها شركتنا [بصفتها متخصصة بتوفير الخدمات للشركات]، فمن شأنها تعزيز سرعة المبيعات أو سرعة دورة الصفقات التجارية، وهي الفترة اللازمة للتاجر لاستكمال صفقةٍ ما أو لإقناع تاجرٍ ما بتوقيع العقد، وهذا هو المعيار الرئيسي الذي نسعى إلى تحسينه لدى الشركات".
الخدمات المقدمة للشركات (B2B) مقابل الخدمات المقدمة للمستهلكين (B2C)
أسهمت أزمة "كوفيد-19" في تسريع رقمنة الصفقات الخاصة بتقديم الخدمات للشركات، وبالتالي تعزيز نمو الشركات المتخصصة بهذا المجال في العديد من القطاعات. كما أخذ قطاع الخدمات المُقدمة للشركات وفق نموذج اشتري الآن وادفع لاحقاً (B2B BNPL) يكتسب زخماً متزايداً خلال العامين الماضيين، إذ يركز على مواكبة متطلبات العملاء وسد الفجوة في توفير حلول التمويل قصيرة الأجل لأصحاب الشركات الصغيرة. ومن المتوقع أن يشهد هذا القطاع نمواً ملموساً في ظل تراجع الاقتصاد الكلي، الذي عادةً ما يترافق مع ارتفاع الطلب على السيولة النقدية المستدامة وبرامج التمويل المخصصة. ويشير أكبروف إلى أن ضعف أعمال تمويل الشركات وفق نموذج اشتري الآن وادفع لاحقاً يعود إلى كون سوق الخدمات المقدمة إلى المستهلكين مباشرةً ما تزال غير ناضجة.
ومع ذلك، تتأثر هذه المعادلة بالعديد من العوامل الأخرى النقدية وغير النقدية، فعلى سبيل المثال، تتمحور صفقات الخدمات المقدمة للشركات وفق النموذج المذكور حول توفير مبالغ كبيرة موزعة على فترات سداد أطول، مما ينطوي على مخاطر مباشرة للشركات الناشئة التي تقدم هذه الخدمات في حال تأخر عملائها بالسداد. وتشكّل عملية تقييم المخاطر أبرز تحدي يواجه "كومفي" ونظيراتها، وذلك في ظل افتقار القطاع للشفافية والبيانات اللازمة لتقدير درجة الملاءة المالية لدى العملاء المحتملين، مما يدفع التجار إلى التردد في التعامل مع هذه الشركات نظراً "لضعف ثقافة العمل هذه في المنطقة" حسب تعبير "كومفي".
وأضاف أكبروف قائلاً: "يُعد تقييم المخاطر عند تقديم الخدمات إلى المستهلكين أمراً سهلاً، حيث يمكننا الاستعانة ببيانات المكاتب الائتمانية لمعرفة سلوكيات السداد لدى العميل وتقليل مخاطر التعامل، إذ يتيح هذا المجال معرفة المعلومات المرجعية للعملاء بتكاليف منخفضة. أما التعامل مع الشركات، فينطوي على صعوبةٍ أكبر في إيجاد مصدر موثوق للبيانات يضمن تقييم الملاءة الائتمانية للشركة بشكل مناسب. ويشكّل هذا الجانب جوهر عملنا من خلال تقييم العملاء ومعرفة أيّهم أفضل للتعامل، بما يضمن استدامة نموذج عملنا خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة. فلا يستطيع جميع مزودي البيانات في السوق تقديم المعلومات والبيانات التي تضمن اتخاذ القرار الصحيح عند اختيار العملاء.
ويتطلب كسب ثقة هذه الشركات بعض الوقت، فما نزال نعمل على ترسيخ مكانتنا وسمعتنا في السوق، إضافة إلى تحسين أسلوبنا في التعامل والتواصل لإقناع الشركات بتجربة نموذج العمل الجديد والمزايا التي يحملها".
كما يعتبر انخفاض ربحية المنتجات -نظراً لارتفاع تكلفة جمع البيانات مع الفترات الطويلة لبرامج السداد- أحد أبرز تحديات الأعمال التجارية وفق نموذج اشتري الآن وادفع لاحقاً، والسبب الرئيسي وراء ضعف انتشار هذا المجال في السوق.
التوسع
تعمل "كومفي" حالياً بموجب رخصة لتوفير البرمجيات كخدمة في دولة الإمارات، وتخطط للتوسع إلى السوق السعودية والاستفادة من الفرص التي يقدمها مشهد التكنولوجيا المالية المتنامي في المملكة.
وقال أكبروف بهذا الصدد: "تزايدت الاستثمارات في سوق التكنولوجيا المالية بنسبة 70% خلال عام 2023، لكنها تراجعت في الإمارات بنسبة 20%، مما يعني أن مشهد التكنولوجيا المالية الإماراتي المتنامي قد تحول إلى سوقٍ متكاملة، ويحتضن عدداً كافياً من الشركات القادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية محلياً. أما في السعودية، فما تزال الفرص سانحةً لتحقيق النمو وإطلاق منتجات جديدة".
كما تطمح "كومفي" لتوسيع أعمالها إلى أسواقٍ أكبر على مستوى العالم، شأنها في ذلك شأن معظم الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
واختتم أكبروف حديثه بالقول: "لا بد من التوسع عند العمل في مجال تقديم الخدمات للشركات، لا سيما أننا نقدم خدماتنا وفق نموذج اشتري الآن وادفع لاحقاً، الذي يتطلب تكاليفَ عالية، وبالتالي لا يسعنا الاكتفاء بالعمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل يتوجب علينا توسيع أعمالنا على مستوى العالم".