الشركات الناشئة السودانية تتجه لتحويل أعمالها أو الهجرة بعد الأحداث الأخيرة
أطلق فريق منصة البحث والبيانات داتك (DataQ) في اليوم الثالث من الحرب الأهلية في السودان نداء، المنصة المصممة لاستقبال طلبات الأهالي على اختلافها، بما في ذلك تأمين الغذاء أو المساعدات المالية أو خدمات النقل لإخلاء مواقعهم إلى مدن أخرى خارج العاصمة الخرطوم حيث اندلعت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وتهدف المنصة إلى إنشاء قنوات تواصل بين الأشخاص المحتاجين وأولئك القادرين على تقديم المساعدة.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال سامر محمد، مؤسس داتك، الذي غادر الخرطوم: "أقمنا جلسة عصف ذهني بعد الأحداث الأخيرة لإيجاد بعض الأفكار التي يمكننا من خلالها استخدام مهاراتنا في تقديم المساعدة. وقام أكثر من 100 خبير في المجال بتسجيل أسماءهم للتطوع وتقديم الدعم".
ويعمل فريق داتك حالياً على تحليل مجموعة من المزايا وترجمتها على أرض الواقع لتسهيل مهام عمال الخدمة ومساعدتهم على الاستجابة لمتطلبات الشعب السوداني.
وبدورها، قامت ترحال، شركة النقل الناشئة المدعومة برأس المال المخاطر، بتقليل عمولاتها على الخدمات التي تقدمها إلى الصفر، بما يتيح للسائقين تحقيق كسب إضافي والاستجابة السريعة لمطالب الأفراد المحتاجين لخدمات النقل الآمنة إلى المدن الأخرى. كما استخدمت الشركة، بهدف تسهيل عمل السائقين، خريطة تفاعلية تم تطويرها مؤخراً من قبل علماء سودانيين توضح الطرق الآمنة ومراكز الموارد ومحطات الحافلات الرئيسية، حيث ساعد ذلك على إخلاء آلاف المواطنين الذين كانوا يبحثون عن طريق لمغادرة الدولة.
وتنضم داتك وترحال إلى قائمة متنامية من الشركات الناشئة التي هبت لمساعدة الأهالي في ظل الوضع المضطرب في البلاد، حيث اضطرت داتك إلى إيقاف أعمالها الأساسية حتى تهدأ الأوضاع، كما فعلت العديد من الشركات الناشئة والتقنية في السودان.
وبدوره، أوضح محمد الفضل، مؤسس سوقني معاك، التطبيق المخصص لحلول النقل التشاركي الذكي، بأنه يبحث إمكانية نقل شركته الناشئة إلى مصر بعد توقف أعمالها مع بداية الحرب الدائرة، حيث قال: "أطلقنا عملياتنا كجزء من مرحلة تجريبية قبل ستة أشهر، إلا أننا اضطررنا إلى إيقافها فجأة مع تفاقم خطورة الطرقات وتحول تجربة الانتقال إلى مدينة أخرى إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر. بين ليلة وضحاها، أصبحت الخرطوم مدينة أشباح بسبب صعوبة تأمين الوقود وأسعاره المرتفعة جداً في حال توفره".
وساهم الوضع الأمني المتردي والقيود المتزايدة على التجول وإيقاف عمليات تحويل الأموال الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى بطء أو انقطاع خدمة الإنترنت، في تصعيب عمل الشركات. كما يواجه الشعب السوادني صعوبات كبيرة في سحب الأموال من المصارف، حيث تأثرت الحالة المادية للجميع دون استثناء بشكل أو بآخر. ولمساعدة السكان المحليين على البقاء على تواصل مع العالم الخارجي، قامت شركة أيرلو (Airalo)، مزود شرائح السيم الإلكترونية العالمي، مؤخراً بالسماح للنازحين السودانيين بشراء شرائح إلكترونية بالنيابة عن الأشخاص الموجودين داخل السودان، حيث يمكنهم إرسال المعلومات لهم لاحقاً لضبط الشريحة على هاتفهم.
ومن جهته، قال أواب حبيب الله، مؤسس نظام إدارة الأساطيل توليفري الذي يخطط لمغادرة البلاد خلال الأيام القليلة القادمة، أن شركته تأثرت بانقطاع الإنترنت، مما جعل منتجاتها من البرمجيات كخدمة بلا جدوى، حيث أضاف: "أصبحت كامل آلية التسعير في جميع مفاصل الاقتصاد خارجة عن السيطرة، إذ لا يمكنك وضع تسعيرة على منتج حالياً. وبذلك فقد انهارت الأعمدة التي يقوم عليها أي عمل، خاصة مع اختلاف أولويات الجميع، مما يجعل تأسيس أي عمل غير ممكناً في الوقت الحالي. يحاول الجميع النجاة الآن وقد يطول الوضع على هذه الحال. بدأت الأحداث منذ 10 أو 11 يوماً ]وقت إجراء المقابلة[ التي شعرنا كأنها وقت طويل ولكن إذا فكرت بذلك حقاً فالفترة لم تتجاوز الأسبوعين منذ بداية الأحداث".
وأثرت الحرب على الشركات الناشئة التي كانت في بداية انتعاشها، حيث رفعت العديد من هذه الشركات قيمة الاستثمار العام الماضي، لا سيما بلوم، شركة التقنية المالية التي قادت حملة جمع الأموال من خلال جولة وصلت قيمتها إلى 6 مليون دولار حصدتها بشكل أساسي من مستثمرين دوليين مثل شركات واي كومبناتور (Y-Combinator) وجلوبال فاوندرز كابيتال (Global Founders Capital) وغود ووتر كابيتال (Goodwater Capital)، التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقراً لها، وفينتشر سوق (VentureSouq)، التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً لها. وحصلت طريقي (Tareegi)، منصة الشحن وعربات النقل، على تمويل رأس مال مخاطر خلال جولة تمويل ما قبل التأسيس مع تأمين الموافقات والتراخيص الحكومية لبدء عملها، بالإضافة إلى بناء فريق لإطلاق أعمالها خلال شهرين، إلا أن الشركة لم تبصر النور وهي غير موجودة في السودان فعلياً. وتأمل رندا البربري، مؤسسة الشركة، بالانتقال إلى دبي وإطلاق منصتها من هناك.
وعلقت على ذلك بالقول: "كان من الصعب جداً تأسيس الشركة بعد أن فعلت المستحيل، إذ أردت أن نكون إحدى هذه الشركات الناشئة التي تستقطب الاستثمار الأجنبي إلى السودان. وكنا متفائلون جداً، خاصةً عندما أوشكنا على تحقيق ذلك".
ومن المتوقع في النهاية أن تشهد السودان هجرة ذوي الكفاءات، مما سيؤثر بشكلٍ كبير على الشركات الناشئة على الرغم من المرونة وحس التفاؤل الذي يتسم به بعض مؤسسي هذه الشركات ممن التقتهم ومضة.
وأضاف حبيب الله: "أعتقد أن الخدمات ستعود كما كانت خلال شهر، فعلى الناس متابعة أعمالها. ونخطط حينها للعودة من جديد بدعم من مستثمر أجنبي مع اعتبار السودان موقعاً إضافياً لممارسة الأعمال بدلاً من كونها المقر الأساسي بسبب التقلبات الحاصلة. ويغلب القصور العام والمعاناة على المشهد السوداني الآن، إلا أن ذلك أيضاً هو جوهر الحل. يفتقد السودانيون لكل شيء حالياً، مما يعني أن السوق جاهز لاستقبال جميع الخدمات".