شاري Chari: الخطوة التالية في رقمنة البقالة
في أي مدينة من مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تجد عند كل ناصية أو بناية بقالة أو متجر بقالة صغير مستقل يقدم للمناطق المجاورة مجموعة من الفواكه والخضروات الأساسية وبعض المنتجات المنزلية الأخرى. هذه البقالات هي بمثابة الركيزة الأساسية لتجارة السلع الاستهلاكية سريعة التداول FMCG في المنطقة والتي يزيد عددها على سلاسل الهايبر ماركت والمتاجر الكبرى. وعلى الرغم من مكانتها البارزة، فإن إجراءات توريد المنتجات تمثل كابوسًا من الناحية اللوجستية لهؤلاء البائعين الصغار بسبب سلسلة التوريد المفككة والبنية التحتية التي تنقصها الخدمات. فعدم وجود البنية التحتية يؤدي أيضًا إلى ظهور مشكلات لموردي السلع الاستهلاكية سريعة التداول والمصنعين الذين يعانون في توزيع بضائعهم على هذه البقالات.
ظهرت الموجة الأولى من الابتكارات والتغيرات الجذرية في مجال البقالة في صورة البقالة الإلكترونية. منحت الشركات الناشئة مثل جت بقالة GetBaqala في البحرين والجروسر Elgrocer في الإمارات هذه البقالات فرصة ليكون لها وجود على الإنترنت، وساعدت في تجميعها على منصة واحدة والسماح للمستهلكين بشراء البضائع بواسطة تطبيق أو موقع إلكتروني. أما الآن، نحن نشهد موجة ثانية من الابتكار تنتشر في مجال البقالة الإلكترونية تعتمد على رقمنة إجراءات التوريد والتوزيع في متاجر البقالة.
تسعى شركة شاري Chari الموجودة في دولة المغرب وهي إحدى الشركات الناشئة إلى رقمنة هذه المرحلة في رحلة البقالة؛ تهدف الشركة إلى تبسيط إجراءات التوزيع وشراء المنتجات وتبسيطها بالربط بين متاجر البقالة وتجار التجزئة الصغار ومورديهم على منصة واحدة. أسس الشركة إسماعيل بالخياط وصوفيا علي في 2020، وتقدم شاري Chari لهؤلاء التجار الصغار مركز متعدد الخدمات يمكنهم من إيجاد كل المنتجات التي يحتاجونها وشراؤها وتوصيلها في أقل من 24 ساعة بفضل سلسلة من المخازن بنتها الشركة بالقرب من تجار التجزئة.
من بين الشركات الناشئة الأخرى التي تعتمد على نماذج مشابهة في المنطقة: كابيتر Capiter ومكسب Maxab في مصر وساري Sary وريتيلو Retailo في السعودية ودكسباي DXBUY وسبايلر جلوبال Spylr Global في الإمارات. هذا القطاع من الشركات الناشئة المتخصصة في التجارة الإلكترونية فيما بين المؤسسات B2B والتي تركز على إجراءات التوريد الخاصة بتجار التجزئة الصغار نجحت هذا العام وإلى الآن في الحصول على تمويل يزيد على 141.5 مليون دولار موزع على 18 صفقة (8 صفقات منهم في مصر). حصلت مكسب MaxAb على تمويل بقيمة 55 مليون هذا العام ويمثل هذا التمويل قرابة 40% من إجمالي التمويل في المنطقة واستحوذت على الشركة المغربية المنافسة ويستوكاب Waystocap.
كابوس اللوجستيات
في الشهر الماضي، حصلت شاري Chari على تمويل بقيمة 5 مليون دولار عقب الانتهاء من برنامج احتضان تابع ل Y Combinator الأمريكية وبدأت في تقديم خدماتها إلى قرابة 200 ألف بقالة في المغرب وفي الوقت نفسه تيسر للموردين والموزعين إمكانية الموصول إليهم.
يقول بالخياط: "يعيش (الموردون) في كابوس لتوزيع منتجاتهم على كل هذه المتاجر الصغيرة؛ فهم يضطرون إلى التعامل مع الكثير من الوسطاء ممن نطلق عليهم مصطلح تجار الجملة الموجودين في أماكن متفرقة."
يوجد قرابة 10 آلاف تاجر جملة صغير وهم أفراد يستخدمون السيارات في إنجاز عملهم ويشترون المنتجات ويوزعوها على عملائهم الذين قد يبلغ عددهم 20 عميلاً؛ طريقتهم في تنفيذ أعمالهم تشبه "سوبر ماركت متنقل" وفقًا لما وصفه بالخياط. ورغم مرور السنوات، لم تتغير طريقتهم في البيع كثيرًا وتختلف الأسعار من تاجر إلى آخر؛ هؤلاء التجار لا يمارسون أي أعمال دعاية أو إعلان وطريقة تعاملهم مع اللوجستيات قد تكون عشوائية إضافةً إلى أن إصدار الفواتير أمر نادر الحدوث.
يعتمد الحل الذي تقدمه شاري Chari على الاستغناء عن تجار الجملة ومحاولة تيسير التحديات التي تواجها جميع الأطراف. أما تجار التجزئة، فيمكنهم الحصول على مخزون السلع بفاتورة مع إمكانية تتبع التوصيل. أما موردو السلع الاستهلاكية سريعة التداول FMCG، فيحصلون على رؤى عملية فيما يخص أنماط عملائهم الشرائية مثل السلع التي يشترونها وأيام الشراء وفي أي منطقة. تخدم شاري حاليًا أكثر من 6 آلاف تاجر تجزئة صغير وتعمل مع 50 مورد.
تستطيع الشركة الناشئة باستخدام تقنيات مثل برامج تحديد المسار الأمثل وإدارة المخازن المساعدة في خفض التكاليف اللوجستية. يقول بالخياط: "عادةً ما يحصل الموزع على هامش ربح 20% لأن الأعمال اللوجستية تصل تكلفتها إلى 15% وهي نسبة كبيرة. يجب عليهم دفع تكاليف السيارات والسائقين لأن المسار ليس هو المسار الأمثل؛ وينفذون عدة نقلات في اليوم الواحد (و) يخدمون ما بين 10 و15 عميل في اليوم الواحد. أما في حالة الاستعانة بخدماتنا، فالأعمال اللوجستية تتكلف أقل من 5%."
ومع زيادة الطلب على خدمات التخزين والتوزيع، فإن التحدي الحالي الذي يواجه شاري Chari هو مواكبة هذا المستوى من الطلب.
ويضيف: "لدينا 10 آلاف متجر في قائمة الانتظار ونجتهد حاليًا لتوسيع مخازننا لنتمكن من تغطية مناطق أكبر."
تجدر الإشارة إلى صعوبة تغيير عادات تجار التجزئة على الرغم من معدل النمو السريع وأعمال الرقمنة التي تتم في هذا القطاع،.
يقول بالخياط: "يستعمل الكثير من مستخدمينا التطبيق باعتباره كتالوج؛ يطلعون عليه لمعرفة الأسعار ويقررون السلع التي يرغبون في شرائها وبدلاً من الشراء من خلال التطبيق، يفتحون تطبيق واتس آب ويرسلون إلينا رسالة صوتية يشرحون فيها ما يريدون."
تخصص شاري Chari 60 موظفًا مهمتهم الاستماع إلى هذه الرسائل الصوتية على واتس آب وإجراء المكالمات وتنفيذ الطلبات على التطبيق نيابةً عن متاجر البقالة. تحرص الشركة أيضًا على إرسال مندوبين مبيعات ميدانيين بانتظام بغرض تعليم البائعين الصغار كيفية استخدام التطبيق. هذا التحدي تحديدًا هو من التحديات الأقل انتشارًا في تونس التي تمارس فيها شاري Chari أعمالها حيث يوجد وعي رقمي أكبر بالحلول التقنية الشبيهة.
تيسير استخدام التقنيات المالية
الانتشار المستمر للدفع عند الاستلام بين تجار التجزئة الصغار يُعد من التحديات الكبرى التي تتعامل معها شاري Chari، ومن ثم تظل مسألة تشجيع استخدام التقنيات المالية جزء كبير من تركيز شاري Chari الأساسي وفقًا لما ذكره بالخياط.
ويضيف: "في البداية كنا نعتمد على الدفع عند الاستلام ثم فكرنا في إمكانية تشجيع هؤلاء العملاء على استخدام المحافظ الرقمية ومنحهم خصم 1% في كل مرة يستخدمون المحفظة، إلا أن شحن المحافظ الإلكترونية كان يتطلب من شاري Chari إرسال مندوب لتحصيل النقود يدويًا. في حين كان تجار التجزئة يستفيدون من المحفظة والخصم، كان على شاري Chari الاستمرار في التعامل مع النقود – خطوة واحدة مبكرة في إجراءات الشراء.
وفي شهر يوليو من العام الحالي، استحوذت شاري Chari على تطبيق التقنية المالية والائتمان كارني Karni المغربي الذي يمكن أصحاب المتاجر من متابعة وتقييم أوضاعهم المالية بدلاً من استخدام الدفاتر الورقية. تخدم كارني Karni حاليًا 40 ألف تاجر تجزئة في المغرب من خلال تقنياتها وشبكتها. وتسعى شاري Chari إلى تيسير القروض الصغيرة لتجار التجزئة بواسطة خاصية اشترِ الآن وادفع لاحقًا BNPL.
التمويل
المشهد الخاص بالشركات الناشئة في المغرب يشهد ظهور علامات تقدم واعدة مع زيادة الدعم الذي يقدمه المستثمرون للشركات الناشئة. على مدار عام 2021 وحتى الآن، نجحت الشركات الناشئة في شمال إفريقيا في الحصول على تمويل يتعدى 16 مليون دولار موزعين على 18 صفقة. شركة شاري Chari التي انتهت من 3 جولات حتى الآن خلال العام الحالي تخطط للحصول على تمويل بقيمة تصل إلى 20 مليون دولار لجولتها التمويلية القادمة من السلسلة أ.
كانت تجربة شاري Chari في الحصول على تمويل مليئة بالعثرات ويوضح بالخياط صعوبة إقناع شركات الرأس المال المخاطر المحلية والدولية بالاستثمار في الشركة في المراحل المبكرة من تأسيسها؛ وذلك لأن قطاع التعاملات فيما بين المؤسسات B2B في المغرب لم ينل شهرة كبيرة في مجتمع التقنية قبل كوفيد 19.
ويضيف: "نحن ننمو مع نمو حجم السوق. شركات رأس المال المخاطر التي استثمرت في شركتنا في بداية الرحلة حصلت على 10 أضعاف قيمة استثماراتها في أقل من عام. لم يلجأ هؤلاء المستثمرون إلى التخارج أو أي من ذلك، لكن على الأقل وفقًا للحسابات فإن قيمة استثمارهم ارتفعت 15 ضعفًا في 18 شهرًا."