الرياضة الإلكترونية في العالم العربي بين الفرص المتنوعة والعقبات التي تهدد استثماراتها
تعتبر الرياضة الإلكترونية واحدة من أسرع الاستثمارات التقنية نموًا بل توسعًا في العالم بصفة عامة، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خاصة، فهى تنمو بمعدل 25% سنويًا، ومن المتوقع أن يبلغ حجم توسعها بالمنطقة ما يقرب من 6 مليار دولار في نهاية العالم الحالي، فقد انتقلت تلك الرياضة من مجرد هواية ممارسة الألعاب الإلكترونية لتصبح صناعة استثمارية ضخمة، ترتبط بالعديد من العلامات التجارية الكبرى باستثمارات مباشرة. لم تقتصر تلك الأرباح المتحققة على الشركات فقط بل امتدت لتشمل اللاعبين والأفراد على حد سواء، ولا ننسى أن تلك الفرص يقابلها عدد من التحديات الجدية التي تهدد نموها المستقبلي بشكل كبير؛ مثل ضعف المحتوى المقدم للجماهير، بالإضافة إلى تقديم وعود غير صحيحة بعض الأحيان للشباب من عدد من المستثمرين بتلك الألعاب مما يفقد عدد من العلامات التجارية مصداقيتها، وازدادت الأمور تعقيدًا مع عدم وجود بيانات شفافة واضحة لتلك الصناعة المتصاعدة بالمنطقة أو حجم الاستثمارات بها، وهو ما زاد المخاوف خلال الفترة الأخيرة، وقد يمثل تهديد لتلك الصناعة الناشئة.
أزمات تهدد مستقبل اللعبة
تشهد الرياضة الإلكترونية مجموعة من الأزمات التي قد تهدد مستقبلها وتلقي بتلك الفرص الاستثمارية الهائلة عرض الحائط، أو على الأقل من الممكن أن تبطىء نموها وتحد من توسعها خلال الفترة المقبلة، وهو ما أثار مخاوف كلا من "إدوارد كوندرات"، المدير التنفيذي للرياضات الإلكترونية في Empire Play من دبي، الإمارات العربية المتحدة، و "محمد المجالي"، الشريك المؤسس في FATE Esports، اللذان أوضحا في تقرير Esports Insider، أنه مع القليل من الإشراف أو التنظيم، بدأت بداية مشهد الرياضات الإلكترونية المحترفة في الشرق الأوسط تسير بشكل خاطئ، واستشهد "المجالي" عن ذلك بدورة Dota 2، حين استضاف منظم البطولة حفلاً آخر، مما أدى في النهاية إلى أعمال شغب، حيث أعطت هذه الأخبار العديد من البوادر السلبية العامة للرياضات الإلكترونية في المنطقة، ولم ترغب العديد من الشركات في فعل أي شيء مع فرق الرياضات الإلكترونية أو منظمي الأحداث، وهو ما تسبب في ضربة كبرى لتلك الألعاب وما يتصل بها من استثمارات وقتها.
كما تعتبر الوعود الزائفة لبعض الشركات، وفقدان المصداقية في التعامل مع الجماهير، ورداءة المحتوى المقدم لهم أيضا من أبرز العقبات التي تهدد تلك الصناعة وتقلل من إقبال الجماهير عليها، وهو ما يقود في النهاية لخفض معدل الاستثمار بها، كما أن اختلاف اللهجات العربية وتعددها تجعل من الصعب على منظمي البطولة والمذيعين إيجاد الصيغة المناسبة لجذب أعلى نسبة مشاهدة، فمثلا طريقة اللهجة وطريقة نطق الكلمات العربية في مجلس التعاون الخليجي تختلف عن دول شمال إفريقيا، وهو ما يقلل من تفاعل الجماهير ومشاركتهم لأن تلك الألعاب تعتمد في المقام الأول على الإثارة وجذب انتباه اللاعبين والمتفرجين، كما أن نقص البيانات والإحصائيات الخاصة بحجم الاستثمار بالرياضة الإلكترونية بالمنطقة، وعدم مشاركة بعض منصات البث ومزودي خدمات الإنترنت وحتى الناشرين بياناتهم التحليلية عن السوق يجعل من الصعب التواصل بين الشركات، والرعاة، ويضعف من عمل الأنشطة التسويقية بصورة كبيرة.
وعن ذلك يقول مجدي اللولو، مؤسس منصة وتطبيق " Grintafy"، وهي تعمل على اكتشاف المواهب بمجال كرة القدم وتقديم المساندة المهنية اللازمة للاعبيها بطريقة إلكترونية، ومقرها المملكة العربية السعودية، لـ "ومضة": "للأسف ثقافة الرياضة الإلكترونية غير متوفرة بشكل كافي، فبناء بروفايل إلكتروني للاعب ورفع تقييمه من أهم الأمور التي كان يجب أن تؤخذ في الإعتبار من قبل، لذلك نعمل منذ عامان لتدعيم تلك الثقافة ونشرها في المنطقة، في البداية ظن الجمهور إننا تطبيق مخصص لحجز ملاعب كرة القدم ولكن مع الوقت وصلنا إلى 500 ألف بروفيل إلكتروني على المنصة، وهو ما يعتبر إنجاز كبير تم تحقيقه، مما مكننا من إنجاز جولتين استثماريتين من "واعد"، وايضا مجموعة من المستثمرين الملائكيين، والثالثة قادمة خلال 3 شهور في الطريق".
وطالب "اللولو" الاجهزة الرياضية المختلفة بالدول العربية بدعم تطبيقات الألعاب الإلكترونية وتشجيع الاستثمار بها ومساندة الشركات الناشئة بذلك المجال لتنمية حجم استثمارتها، مع تقديم المساندة المالية واللوجستية والتكنولوجية، وهو ما يمكن أن يغير من تلك الصناعة ويجذب الأنظار إليها من مختلف أنحاء العالم."
أرباح هائلة
بالرغم من التحديات التي تواجه تلك الصناعة، إلا أننا لا يجب أن نغفل أنها تنمو حاليًا بمعدل غير مقلق بل ربما ينطلق بقوة خلال السنوات المقبلة إذا تضافرت الجهود للتغلب على تلك العقبات، حيث أنه وفقًا للبحث الذي أجراه "داميان رادكليف"، الباحث بجامعة أوريغون، في فبراير 2021، حول الشعبية المتزايدة للرياضة الإلكترونية في الشرق الأوسط، ظهر أن المنطقة تعد واحدة من أكبر أسواق الألعاب نموًا حول العالم، حيث تتطور ألعاب الواقع الافتراضي والرياضات التنافسية بالتوازي مع تزايد مجتمع اللاعبين النشطين وانتشار الإنترنت، من المرجح أن تشهد صناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا طفرة في المستقبل القريب، فعلى سبيل المثال في أكتوبر 2019، أعلنت شركة W Ventures، التي تتخذ من دبي مقراً لها، أنها ستنفق 50 مليون دولار لتطوير نظام محلي للرياضات الإلكترونية والألعاب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي الوقت نفسه، في تركيا، تم افتتاح أكبر موقع للرياضات الإلكترونية في أوروبا أبوابه، كما قد أطلقت شركة الاتصالات الكويتية مجموعة زين - التي لديها 50 مليون عميل في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – خلال الفترة الماضية علامة تجارية جديدة للرياضات الإلكترونية، وهي "Zain Esports"، بهدف إنشاء تقويم للبطولات الإقليمية للرياضات الإلكترونية على الإنترنت.
لم تقتصر أرباح الرياضة الإلكترونية على الشركات الكبرى أو الناشئة فقط .. بل أصبح بإمكان الأفراد واللاعبين صغار السن ممارستها وتحقيق أرباح هائلة منها، ويمكن للاعبيها الآن الاشتراك في بطولات دولية أو الحصول على رعاة من شركات كبرى، وأبرز مثال على ذلك هو حصول "أنوبيس جيمنج"، وهو فريق مصري للرياضات الإلكترونية، على 460 ألف دولار في جولتين من التمويل الأولي العام الماضي، وهي أموال يعتزمون استخدامها لتجنيد المزيد من اللاعبين والمدربين، وذلك بالإضافة إلى الشاب المصري "على بركات" الذي احترف لعبة " Overwatch" وتمكن من الدخول في منافسات وبطولات دولية حتى حقق 60 ألف دولار أرباح خلال عام واحد فقط، ونرى ايضا الألماني ذو الأصول اللبنانية "محمد حرقوص" الذي حقق أرباح 250 ألف دولار خلال عام 2019 من خلال فوزه ببطولة العالم للألعاب الإلكترونية "فيفا"، ليؤكد أن تحقيق أموال من تلك الرياضة لا يقتصر على المستثمرين وأصحاب الشركات فقط بل تعداه للأفراد الممارسين لها.
صناعات مرتبطة
لم يقتصر عالم الرياضة الإلكترونية على تلك الفرص فقط بل ارتبط بها مجموعة واسعة من الرعاة وأصحاب المصلحة المختلفين، مثل مشروبات الطاقة؛ والماركات العالمية الشهيرة المتنوعة التي استغلت إقبال الشباب على تلك الرياضة ونمو جمهورها لتدخل هي ايضا في تلك الاستثمارات كراعية أو ممولة لاشهر الفرق الرياضية الإلكترونية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وصل الأمر لتقوم بعض الشركات بعمل ملاعب واستديوهات خاصة لتلك الرياضات الإلكترونية، مثل شركة Power League Gaming (PLG)، المتخصصة في الألعاب الإلكترونية، في الإمارات، التي أعلنت مؤخرًا عن إطلاق استوديو إنتاج في المنطقة مجهز بالكامل بمساحة 10000 قدم مربع، مصمم خصيصًا لتقديم محتوى متميز للرياضات الإلكترونية، مزود بأحدث أجهزة البث والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، وقد قامت الشركة باستثمار تهافت الجماهير على تلك الرياضات من خلال أنشاء مقهى كبير يحوي بث مباشر للمسابقات والفرق المتنافسة. وهو ما أكده "ماثيو بيكرينغ"، الرئيس التنفيذي للشركة بأنه شركته تسعى إلى دمج الألعاب في استراتيجياتها التسويقية مما يسمح بزيادة قاعدة الجمهور، مع تحقيق عائد استثماري ملموس من خلال إنتاج آليات مبتكرة تربط العلامات التجارية العالمية بجمهور الرياضة الإلكترونية العريض بالمنطقة.
وهو ما يؤكد أنه إذا تم الاهتمام بصورة أكبر بمستقبل الاستثمار في تلك الرياضات والألعاب بالمنطقة، وإزالة المعوقات التي تعترض طريق نموها وتوسعها، فأنه يمكن أن يرتبط بها العديد من الصناعات والعلامات التجارية العالمية الكبرى، التي ستعمل على الاستفادة من الإقبال الجماهيري الكبير عليها - خاصة بين فئة الشباب - لترويج منتجاتها وزيادة قدراتها التسويقية والترويجية.
جمهور واسع
مع طفرة استخدام الإنترنت في المنطقة يزداد جمهورها والتوسع في حجم الاستثمار بها حتى أن حجم انتشار تلك الصناعة قد تخطى أوروبا واسيا، ووفقا لدراسة أعلنتها YouGov، في 2020، وجد أن غالبية اللاعبين في المنطقة يلعبون على هواتفهم الذكية أو الأجهزة اللوحية. في مصر، 58٪ يلعبون على الأجهزة المحمولة مقارنة بـ 57٪ في الإمارات، و 52٪ في المملكة السعودية، و51٪ في العراق، وهي نسب تنافس نظيرتها في الدول مرتفعة الدخل خارج المنطقة، حيث تمتلك مصر أكبر عدد من اللاعبين بنسبة 68٪ ، تليها الإمارات العربية المتحدة (65٪) والمملكة العربية السعودية (61٪) والعراق (57٪).
وعن ذلك أشار "سعيد شرف"، الرئيس التنفيذي لمنظمة "ايسبورتس ميدل ايست" المتخصصة في بطولات الرياضة الإلكترونية في تصريحات خاصة لـ "ومضة": "أنه من الصعب معرفة حجم السوق العربي بسبب تطور القطاع عالمياً بشكل متسارع، ولكننا نستهدف 6 ملايين عاشق لهذه المنافسات من أصل 70 مليون لاعب، حيث تكمن أكبر الفرص في اللاعبين أنفسهم وإدارة الفرق وصناعة المحتوى المرافق بالإضافة إلى الكادر التنظيمي للنشاطات."
توقع "شرف" مستقبل مزدهر للرياضة الإلكترونية خلال 3 سنوات القادمة، خصوصاً مع استثمار العديد من الشركات العالمية في المنطقة وخلق فرص عمل وفرص تنافسية للاعبين، كما تنمو الاستثمارات من حيث الشراكات أو الاستحواذ على الفرق ولكنه ... عاد وأكد أن هناك عدد من التحديات التي يجب مواجهتها والتغلب عليها مثل البنية التحتية التكنولوجية التي تحتاج لتطوير كبير، وايضا بالنسبة للاعبين، الصورة السلبية الخاطئة لدى أولياء الأمور هي العائق الأول حيث يعتبر احتراف ألعاب الفيديو بالنسبة لهم مزيداً من الوقت الضائع في صناعة مستقبل أولادهم وتعلمهم، أما بالنسبة للنشاطات، وتعتبر عدم دراية مسؤولي التسويق وأصحاب القرار بتفاصيل العمل أهو العقبات التي تجعل استثمارهم فيها ضئيل.
استطاعت الرياضة الإلكترونية أن تصبح صناعة مستقلة جذبت إليها العديد من الاستثمارات بالمنطقة خلال العقد الأخير ولكن ... مع زيادة العقبات التي تعترض طريقها يجعلنا ذلك نتساءل عن مستقبل الاستثمار في تلك الصناعة خلال السنوات المقبلة خاصة أنها تشهد منافسة حادة من جانب الشركات الكبرى المتمركزة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية!.