هل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مستعدة للتكنولوجيا النسائية؟
في خضم الطفرة التي شهدتها التكنولوجيا الصحية خلال العام الماضي، أصبح قطاع التكنولوجيا النسائية أحد القطاعات التي تحظى الآن باهتمام أكبر. ويُركِّز هذا القطاع على صحة المرأة دون غيرها، ابتداءً بالتطبيقات المتعلقة بالإنجاب وتتبُّع الدورة الشهرية، وصولاً إلى رعاية الحمل والصحة الجنسية. وقد ظهرت عدة شركات ناشئة مدعومة بالتكنولوجيا وتُركِّز على المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحرص تلك الشركات على إمداد النساء بالمنتجات والخدمات المتعلقة بصحتهن. ولكن رغم أن هذا الاهتمام يزداد يوماً بعد يوم، لا تزال توجد فجوة كبيرة من حيث التمويل المُخصَّص للشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا النسائية.
ومن المتوقع أن تبلغ قيمة سوق التكنولوجيا النسائية على مستوى العالم 50 مليار دولار بحلول عام 2025 وفقاً لشركة «فروست آند سوليفان» للبحوث التي وصفت التكنولوجيا النسائية بأنها "الظاهرة الكبيرة التالية" في سوق صحة المرأة. وشهد العام الماضي استثمار 1.3 مليار دولار في هذا المجال، وهو مبلغ يبدو كبيراً للوهلة الأولى، لكنه ضئيل إذا قُورن بمبلغ 300 مليار دولار استثمرتها شركات رأس المال الاستثماري في الشركات الناشئة عموماً.
وأما على الصعيد الإقليمي، فقد نما الاستثمار في التكنولوجيا الصحية بنسبة 280% في عام 2020 ليصل إلى 72 مليون دولار، ولكن لم يُوجَّه شيء من تلك الاستثمارات إلى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا النسائية، بل استأثرت شركتا «أوكادوك» و«فيزيتا» بالنصيب الأكبر منها.
كما أن "مصطلح التكنولوجيا النسائية غريب على المنطقة"، على حد تعبير فارس مسمار، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة «هاتش آند بوست» الإماراتية المتخصصة في إقامة الشركات الناشئة، التي أطلقت مؤخراً «ماي ليلي بوكس»، وهي خدمة اشتراكات تقدم فوطاً صحية. ولأن الغالبية العظمى من المستثمرين في المنطقة من الرجال، فإن عدم إلمامهم بالرعاية الصحية للمرأة يجعلهم مترددين في الاستثمار فيها.
أضف إلى ذلك أن غالبية الشركات الناشئة العاملة في التكنولوجيا النسائية تؤسسها وترأسها سيدات يحصلن على تمويل أقل مقارنةً بنظرائهن من الرجال. يقول فارس مسمار: "علينا أن نعترف بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تُعامِل النساء المؤسِّسات للشركات بنفس الحماس الذي تُعامِلهن به المناطق أو البلدان الأخرى التي تشجع رائدات الأعمال وتدعمهن".
ومن الشركات الناشئة التي تعمل ببطء على تذليل العقبات شركة «نبتة هيلث» الإماراتية، وهي منصة تُقدِّم معلومات صحية وخدمات تشخيصية بشأن أمور تتعلق بالإنجاب والحمل والصحة العامة. وتخطط الشركة للتوسع في المملكة العربية السعودية، وتهدف إلى الحصول على تمويل أولي في وقت لاحق من هذا العام.
تقول صوفي سميث، المؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية لشركة «نبتة هيلث»: "قال لنا مستثمرون وأشخاص عدة مرات إنكم لن تجدوا هنا الدعم والاهتمام للاستثمار وبناء شركة متخصصة في التكنولوجيا الصحية للمرأة. فقلنا إنه يوجد بالتأكيد احتياج، ويوجد بالتأكيد طلب، وتوجد فجوة في هذه السوق. وفي نهاية المطاف، سيُفضِّل المستثمر مَنْ يستطيع سد الفجوات في السوق".
ويتمثل أحد جوانب المشكلة في تدني مستوى الشفافية الثقافية ومستوى الاهتمام بالأمور المتعلقة بصحة المرأة. فعادةً ما يُنظَر إلى الرجال في جميع أنحاء العالم على أنهم الأصل، إذ غالباً ما تعتمد التجارب السريرية على متطوعين من الذكور. كما أن البحوث التي تُركِّز على قضايا صحة المرأة دون غيرها تتلقى تمويلاً أقل، على الرغم من أن النساء يمثلن نصف سكان العالم. ويُسفر ذلك عن فهم منحرف ومحدود لصحة المرأة في العالم الطبي.
تقول صوفي سميث: "توجد فجوة كبيرة في السوق ليس فيما يتعلق بالرعاية الصحية للنساء بوجه عام، ولكن أيضاً من حيث الرعاية الصحية للنساء التي تُركِّز على سكان الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا. فلا يزال النساء يُستبعدن إلى حد بعيد من التجارب السريرية". وتشير صوفي إلى أن أحد الأهداف الرئيسية لشركة «نبتة» في هذا العام هو "جعل التكنولوجيا الصحية الموجهة إلى المرأة هنا مثار حديث الناس، وجعلها أولوية، ليجعلنا ذلك نفكر في المعنى الواقعي لتقديم أفضل رعاية صحية إلى النساء في جميع أنحاء العالم".
وتُعدّ المتطلبات التنظيمية الصارمة أحد الأمور التي تفرض على نطاق أوسع تحديدات على الشركات الناشئة العاملة في مجال الصحة والتكنولوجيا النسائية، ويرجع ذلك إلى الطابع الحساس لهذا المجال، ولكن يستطيع قطاع النظافة الشخصية التحايل على هذه المتطلبات. وقد ظهرت في المنطقة عدة شركات ناشئة تقدم خدمات الاشتراكات الشهرية للفوط الصحية وغيرها من المنتجات المتعلقة بالدورة الشهرية. وربما تكون هذه هي الموجة الأولى من التكنولوجيا النسائية – ألا وهي منصات التجارة الإلكترونية التي تُركِّز على احتياجات الرعاية الصحية للمرأة.
صناديق الاشتراكات
توجد معظم شركات صناديق الاشتراكات التي تخدم المنطقة خارج الإمارات العربية المتحدة، أكبر سوق للتجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط، ومنها شركة "ماي ليلي بوكس"، التي ترأسها مشاعل وقار، وهي رائدة أعمال مقيمة تقود حالياً قطاع التكنولوجيا النسائية في شركة Hatch & Boost وWomooi وOrgabliss وLiZZOM Care وPectiv.
وحينما ظهرت "بكتيف" كعلامة تجارية للفوط الصحية في عام 2014، كان التركيز الأولي للشركة ينصب على تنشيط نموذجها التجاري القائم على التجارة فيما بين الشركات (B2B). وكانت الشركة تصنع فوطها الصحية بتقنية النانو المتقدمة في مصنع واحد في الصين قبل عرضها على الموزعين في إسبانيا. ولكن المشكلات المتعلقة بالموزعين والخدمات اللوجستية دفعت مؤسسها ومديرها التنفيذي، إلياس عبود، إلى اعتماد نموذج البيع المباشر للعملاء (D2C) من أجل توسعه مؤخراً في سوق دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي آب/ أغسطس 2020، بدأت "بكتيف" تقدم منتجاتها مباشرةً إلى عملاء في دولة الإمارات التي تُعتبر الآن سوقها الرئيسية. يقول إلياس: "بدأنا نشاط التجارة الإلكترونية بسبب فكرة صناديق الاشتراكات. والمنتج الوحيد الذي يمكن أن يتناسب مع نموذج الاشتراكات على أكمل وجه هو الفوط الصحية".
ويستشهد إلياس بالتجارب الناجحة لشركات مشابهة في الولايات المتحدة الأمريكية تقدم خدمات قائمة على الاشتراكات، مثل شركة LOLA التي حصلت حتى الآن على تمويل قدره 35.2 مليون دولار، وشركة Cora التي حصلت على 26.6 مليون دولار، فيقول: "هذا النموذج التجاري هو المستقبل".
ويشير مختبر ومضة للأبحاث إلى أن 22% من الشركات التي تخطط لتقديم خدمات قائمة على الاشتراكات في النصف الأول من العام الحالي تعمل في قطاع الرعاية الصحية، وهو القطاع الذي جاء على رأس القطاعات المُفضَّلة متفوقاً على قطاع الترفيه (17%) والتجارة الإلكترونية (13%).
أما إقبال الشركات الناشئة مثل My Lily Box وPectiv على صناديق الاشتراكات فيرتبط في المقام الأول بالحاجة إلى توفير الراحة مع الخصوصية للنساء في دول مجلس التعاون الخليجي عندما يتعلق الأمر بصحتهن ونظافتهن الشخصية.
تقول مشاعل وقار: "عندما يتعلق الأمر بصناديق الاشتراكات عموماً، نجدها تسير في اتجاه متزايد في المنطقة، لذلك رأينا قدراً كبيراً من التركيز على أشياء مثل «صندوق جلام» وصناديق الاشتراكات التي تركز على الجمال. ويوجد الآن مزيد من الوعي. ولا شك أن الخدمات القائمة على الاشتراكات تتمتع بإمكانات هائلة، وأعتقد أنها ستستمر في النمو من الآن فصاعداً".
ويرى فارس مسمار ومشاعل وقار أن "ماي ليلي بوكس" تقوم على ثلاث ركائز، هي: سهولة الحصول على المنتجات، والتوعية، والمشاركة الاجتماعية للعملاء، وهي الأركان التي تعتبرها أيضاً صوفي سميث ضروريةً للتكنولوجيا النسائية، لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي.
تقول صوفي: "المهم هو القدرة على الحفاظ على الخصوصية والاستقلال والراحة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمحظورات اجتماعية تتعلق بصحتك. وهو ما نحاول إتقانه على أكمل وجه في السوق السعودية".
موجة تثقيفية
يُعدّ اكتساب ولاء العملاء أمراً بالغ الأهمية لصناديق الاشتراكات وغيرها من منتجات التكنولوجيا النسائية، وتتمثل إحدى طرق تحقيق ذلك في تكوين مجتمع إلكتروني لتوفير مساحة تثقيفية آمنة تسمح بتناول موضوعات صحة المرأة بعيداً عن القيود الثقافية. ولأن الصحة النسائية والنظافة الشخصية للمرأة لا يلتفت إليها معظم الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يتوقف نجاح الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا النسائية على تغيير هذه المحظورات الثقافية.
تقول مشاعل وقار: "نريد أولاً تغيير المحظورات الاجتماعية المتعلقة بالرعاية الصحية للمرأة. ونريد بعد ذلك تغيير الثقافة والسلوكيات المتعلقة بمدى جدية تعاملنا مع صحة المرأة ومدى جدية تعاملنا مع النساء".
وتأمل شركة "ماي ليلي بوكس" أن تحقق ذلك من خلال تطبيق الهواتف المحمولة الذي تخطط لإطلاقه العام المقبل بعد حصولها على تمويل. ويرى فارس مسمار أن التطبيق سيكون بمثابة منصة لإنشاء مجتمع تثقيفي على الإنترنت بهدف "محو وصمة العار والشعور بالخجل" عند البحث عن معلومات تتعلق بالنظافة الشخصية النسائية، فيقول: "سيكون لدينا قسم تثقيفي داخل التطبيق نعرض فيه مناقشات تخلو من إصدار الأحكام على الغير، ويشرف عليها متخصصون محل ثقة، مثل مدربي التنمية البشرية والأطباء. ويمكنك الاطلاع على هذه المناقشات التثقيفية، أو البدء في التدوين مع زملائك، أو طرح الأسئلة باللغتين العربية والإنجليزية".
وترى مشاعل وقار أن وجود منصة من هذا القبيل سيساعد على اكتساب ولاء العملاء وسيجعلهم يشعرون بالانتماء، فتقول: "يحب الناس الشعور بالانتماء، كما أن تجربة العميل هي أهم ما في الأمر. وهذا أمر يُقدِّره الناس في المنطقة حقّ قدره، ولا شك أنهم مستعدون لإنفاق المال في سبيل الحصول عليه."
وتخطط أيضاً شركة "بكتيف" لإطلاق تطبيق الهواتف المحمولة في وقت لاحق من هذا العام لبناء مجتمعها الإلكتروني الخاص. كما أن شركة "إتش بي إنفيستمينتس"، وهي الذراع الاستثمارية لشركة "هدى بيوتي"، تخطط لدخول قطاع الرعاية الصحية للمرأة هذا العام بشركة ناشئة تُركِّز على تمكين المرأة "لاستكشاف أنوثتها، بشروطها الخاصة"، حسبما جاء على موقعها الإلكتروني.
تحوُّل المواقف
تتمثل إحدى تبعات جائحة كوفيد-19 في زيادة اهتمام المستهلكين بصحتهم عموماً. أما في مجال التكنولوجيا النسائية، فقد أصبح هذا التأثير محسوساً بالفعل، فقد زاد اهتمام النساء بصحتهن وعنايتهم بها.
تقول صوفي سميث: "زاد اهتمام الناس بالرعاية الصحية. ولذلك نرى الآن صناديق استثمارية تُركِّز على التكنولوجيا الصحية تظهر في المنطقة لأول مرة. ونرى بعض الصناديق الاستثمارية العامة الكبرى في المملكة العربية السعودية تُعرب بوضوح عن رغبتها في التركيز على التكنولوجيا الصحية. ويمثل كل ذلك حركة عامة تمد لنا يد العون. وتوجد فرص حقيقية أمام الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لتصبح مركزاً للابتكار في مجال الرعاية الصحية للمرأة."
ويشعر فارس مسمار أيضاً بالتفاؤل لأن تردد المستثمرين في المنطقة سيزول الآن بعد أن برز إلى المقدمة مستثمرون أصغر سناً من الجيل الذي اعتاد منذ الصغر على التفاعل مع التكنولوجيا الرقمية. يقول فارس: "إننا نتحدث عن مستثمرين من جيل الألفية، وسوف يكون هؤلاء المستثمرون مُشجِّعين وداعمين، وسوف يستثمرون بكثافة في الأعمال التجارية التي تقودها النساء ورائدات الأعمال. ونعلم أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مستعدة، وتتوفر فيها الخصائص السكانية المناسبة والمزيج المناسب من المجتمعات المختلفة والدخل المتاح. وهذا المزيج لا يجذب المستثمرين فحسب، بل يجذب أيضا رواد الأعمال".