صعيد مصر يواجه التحديات الاقتصادية بمزيد من الفرص أمام رواد الأعمال والمشاريع الناشئة
تعتبر منطقة جنوب مصر أو كما يُطلق عليها الصعيد واحدة من أهم المناطق الاستثمارية بالدولة، وأكثرها تاثيرًا في الحياة الاقتصادية، حيث تضم 11 محافظة مصرية، يقطنها ما يزيد عن40 مليون نسمة - أي ما يمثل حوالي 30% من عدد السكان بالبلاد-، وتعتبر المصدر الأول للعديد من الأنشطة الزراعية والصناعية والاستخراجية بالدولة، لذلك تعتبر هي قاطرة الاستثمار والتنمية الأولى بمصر، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الريادية والشركات الناشئة التي وجدت طفرة لها هناك خلال السنوات الخمس الماضية، وبدأت تشهد توسع بل نمو بشكل كبير، حيث انتشرت مسرعات الأعمال، والمراكز المتخصصة في تنمية قدرات رواد الأعمال، فضلًا عن إنشاء المبادرات المجتمعية الهادفة لنشر ثقافة العمل الحر وتفعيل دور القطاع الخاص بين الشباب، إلا أنها أيضا تواجه عدد من التحديات الرئيسية مثل غياب الكفاءات الريادية المدربة، ونقص التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى تركز معظم الأنشطة والمؤسسات الاستثمارية والريادية بشمال البلاد، وهو ما أدى إلى أن تستحوذ تلك المنطقة على 9% فقط من اجمالى الاستثمارات بالدولة بالرغم من أنها تمتلك من الإمكانيات والفرص ما يؤهلها لمزيد من الفرص الواعدة.
مجتمع ريادة الأعمال
تحركت الدولة المصرية خلال الخمس سنوات الماضية بشكل كبير لجذب المشاريع الناشئة وتفعيل دور رواد الأعمال بمنطقة الصعيد، حيث أنفقت ما يقرب من 345 مليار جنيه في ضخ رؤوس الأموال، وتنمية البنية التحتية والتكنولوجية لتخدم الفرص الاستثمارية بمحافظات الجنوب، وهنا بدأت أنظار رواد الأعمال تتوجه لتلك المنطقة وظهرت عدد من المراكز الخاصة بالمستثمرين الملائكيين مثل "Nile Angels"، وحاضنات ومسرعات الأعمال التي ركزت جهودها على تلك المنطقة مثل "أثر" الذي يعتبر من أوائل تلك المسرعات التي عملت على دعم رواد الأعمال في صعيد مصر من خلال التمويل وجلسات النصح والارشاد، والتي استضافت مؤخرًا ندوة "استثمر في الصعيد" التي تدعو رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الناشئة لتوسيع نطاق عملهم بجنوب مصر.
وعن المشاريع الناشئة بمحافظات الجنوب يقول "شعيب القاضي" من "كلود" -التي تعد أول مجتمع لريادة الأعمال بالصعيد- خلال تلك الندوة: "أنا من الصعيد، وأسمع أنه مهمش، وذلك حقيقي ولكننا لن ننتظر الحل ليأتي إلينا من خارج الصعيد .. بل يجب أن نبدأ العمل الجاد ونحل مشاكلنا بأنفسنا، وذلك سيكون عبر رواد الأعمال الذين يساهمون في إحداث نمو وتوسع استثماري حقيقي. هناك الكثير من الشركات الناشئة في الصعيد التي تحتاج للدعم والتمويل، وهنا يأتي دورنا."
يستكمل "عادل بوصيلي" مؤسس "بيف لوك" -التي تعمل على تقليل الفجوة بين رواد الأعمال والمستثمرين بالصعيد- الحديث قائلًا :"فوجئنا عندما دخلنا الصعيد بوجود رائدات ورواد أعمال لديهم أفكار جديدة ومبتكرة قد تساهم في حل العديد من المشاكل بالمجتمع، فبالرغم من جائحة كورونا والتحديات التي مروا بها وجدنا أن لديهم الكثير من العزم والإصرار على النجاح. فتلك المنطقة تمتاز بمناخ يسمح بجذب العديد من الاستثمارات والشركات الناشئة."
ولم تقف المبادرات الشابة الهادفة لتوسيع نشاط رواد الاعمال بصعيد مصر إلى هنا .. بل أطلق مجموعة من الشباب الصعيدي مبادرة "صعيدي جيكس" التي تعمل على نشر التكنولوجيا والإنترنت في محافظات الجنوب، مع العمل على توزيع جهود الشباب المصري لإقامة مجتمع جديد لرواد الأعمال، كما أطلقت المبادرة بالفعل عدد من الدورات التدريبية المتخصصة لأبناء جنود مصر لتشجيعهم على دمج عملهم بالتقنيات الحديثة، بالتوازي مع تنظيم جلسات إرشاد وتوجيه لتكوين حلقة وصل بين الرياديين والمستثمرين.
كما ظهرت خلال الفترة الأخيرة العديد من المشاريع والأصوات التي تطالب بتشجيع توجيه الطاقات الاستثمارية والبشرية والتنموية للصعيد، وكان أحدها مبادرة "عويلاتنا واحدة"، وهو مشروع التخرج الرئيسي لطلبة الفرقة الرابعة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، الذي يهدف إلى تحسين الصورة الذهنية عن الصعيد، وتمكين الشباب الصعيدي، وتشجيعهم على بناء مشاريعهم الخاصة، وجذب الاستثمار لجنوب مصر والعمل على تطوير بيئته الاقتصادية بشكل موسع، بالتوازي مع إتاحة الفرص أمام الشباب لنشر فكر العمل الريادي والحر من خلال تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وعن تلك الحملة تقول "د. حياة بدر" المدرس بقسم العلاقات العامة بكلية إعلام جامعة القاهرة، والمشرف على حملة "عويلاتنا واحدة": "الصعيد يمتلك العديد من الكنوز الطبيعية وايضا البشرية، وشبابها يحتاجون لمزيد من فرص العمل والمشروعات التنموية، لذلك كان هدف حملتنا تسليط الضوء على الموارد البشرية والمشاريع التي تمتلكها تلك المنطقة، مع تشجيع إقامة أنشطة المشاريع الصغيرة هناك، حيث نقوم بتنظيم الندوات والمؤتمرات، كما نشجع المعارض المهنية وغيرها من الفعاليات التي تهدف لتقريب المسافات بين الصعيد وكبرى مدن مصر."
وفي ذات السياق تؤكد "منة هشام"، المنسق العام لعويلاتنا واحدة، أن الحملة نجحت بالفعل في تحقيق 60% من أهدافها، حيث دشنا العديد من المسابقات لتشجيع الشباب هناك على اقامة المشاريع الصغيرة وتمكين المراة، بالاضافة إلى تنظيم معارض وظيفية ومهنية ودورات تدريبية متنوعة وكورسات مجانية، كما أضافت:"الصعيد يعاني بالفعل من بعض التحديات مثل الحاجة لمزيد من توطين الاستثمارات والصناعات بتلك المنطقة، وايضا الترويج بشكل اكثر تنظيما للمشاريع هناك."
اهتمام دولي
ولم تقف المحاولات لتشجيع ريادة الأعمال بالصعيد خلال السنوات الأخيرة على الجانب المحلي فقط بل امتدت لتشمل المؤسسات الدولية العاملة في مصر، مثل برنامج "YEP" الذي تنفذه مؤسسة ""Amideast من أجل تشجيع وتدريب رواد الأعمال الشباب بصعيد مصر على بناء أفكارهم الخاصة بالمشاريع الريادية مع توفير برامج التدريب والتوجيه والوصول إلى الموارد، بما في ذلك مساحة لحضانة الأعمال، ولا ننسى برنامجي (إمكان - ابدأ شركتك)، و(إمكان - كبر شركتك) اللتان أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) بالشراكة مع وزارة التجارة والصناعة المصرية ومحافظة الأقصر، لتشغيل الشباب ودعم ريادة الأعمال فى الصعيد، وتنمية وتوسيع إطار الشركات الناشئة والمتناهية الصغر التي تعمل في مجالات التصنيع الزراعى والغذائى والطاقة المتجددة وإدارة المخلفات، كما أطلقت السفارة الهولندية بمصر مؤخرًا مبادرة حاضنة الأعمال الابتكارية لريادة الأعمال بمحافظة أسيوط ""Orange Corners، والتي تعمل على توفير بيئة إبداعية لرواد الأعمال للتواصل مع الأفراد المتشابهين في التفكير وبدء أعمالهم وتنميتها من خلال منشأة حديثة ومساحة عمل مشتركة، فضلا عن رفع مهارات رواد الأعمال ببرامج وتدريبات مهنية متقدمة.
تحديات
بالرغم من كم الفرص المتعددة التي يمتلكها الصعيد إلا أنه بالفعل يواجه بعض التحديات والعقبات أمام نمو الشركات الناشئة وتوسيع رقعة عمل رواد الأعمال مثل تركز أنشطة ريادة الأعمال والمشاريع الناشئة بالقاهرة الكبرى والمحافظات المحيطة بها، وهو ما أوضحه تقرير "الشبكة الأورومتوسطية للدراسات الاقتصادية EMNES" لعام 2019، تحت عنوان " التحديات والفرص التي تقابل الشركات الناشئة بمصر"، حيث أشار إلى أن 70٪ من الاستثمارات الناشئة تتركز في القاهرة الكبرى، أما صعيد البلاد فيأخذ نسبة 19.4٪ فقط من تلك المشاريع، وهو ما يبين الفجوة العميقة بين نصيب شمال وجنوب البلاد من حجم الاستثمار في المشاريع الناشئة، ويرجع ذلك لتوافر التكنولوجيا الحديثة وتركز معظم الخدمات والمؤسسات الحيوية وحاضنات ومسرعات الأعمال في العاصمة والمدن الكبرى، وهو ما دعا هيئة الاستثمار المصرية مؤخرًا إلى افتتاح 4 مراكز متكاملة لخدمات المستثمرين مجهزة بتقنيات متطورة بأربع محافظات في صعيد مصر، في قنا، وسوهاج، وأسيوط، والمنيا،، من أجل تقديم مختلف الخدمات للمستثمرين ورواد الأعمال مثل تأسيس الشركات، وإنشاء فروعها، واعتماد محاضر مجالس الإدارة والجمعيات العامة، وزيادة رأس المال، وغيرها من الخدمات الاستثمارية.
وعن التحديات التي تواجه الصعيد تقول النائبة بمجلس النواب المصري عن محافظة قنا "نجلاء باخوم" - خلال حضورها مبادرة "عويلاتنا واحدة"-: "يمثل الصعيد ما يقارب من ثلث سكان مصر، بمعدل نمو سكاني يبلغ 2.5% سنويًا، وهو معدل مرتفع لا يجعل أهل الصعيد يشعرون بالتنمية التي تحدث، كما أن هناك مشكلة أمية حيث بلغت 24.6% بمصر ليكون للصعيد نصيب من تلك النسبة، كما ان الفقر يعتبر عقبة أيضا هناك، لذلك فالتنمية هامة جدًا، وهناك بالفعل مبادرات ومشروعات متعددة تقوم بها الدولة لتوجيه العديد من الفرص الاستثمارية لجنوب مصر، من أجل رفع مستوى دخل الأسرة وجذب مزيد من المشروعات التنموية لتلك المنطقة الهامة بالبلاد."
وفي ذات السياق، يشير تقرير Enpact، والذي صدر خلال عام 2019،عن بيئة عمل الشركات الناشئة بمصر، أن ريادة الأعمال وفتح المجال للمستثمرين بصعيد مصر شهد تحسن خلال الفترات الأخيرة بخاصة محافظتي أسيوط وسوهاج ... ولكن في نفس الوقت احتلت محافظتي الصعيد مرتبة متدنية في رأس المال البشري ورعاية المواهب على النطاقي المحلي والإقليمي – طبقا للتقرير-، كما يواجه الصعيد تحديا آخر يتمثل في هجرة العقول والكفاءات الشابة للمدن الكبرى مما يستنزف طاقاته البشرية ويؤثر على نمو الشركات الناشئة بتلك المنطقة، كما هناك أيضا عقبة عدم توافر البرامج التدريبية المتطورة والموارد العلمية لريادة الأعمال بشكل موسع لتحتل محافظتي الجنوب أسيوط وسوهاج المرتبتان 32 و26 على التوالى فى الترتيب الإقليمي في مدى توافر النظم التعليمية الريادية المناسبة، وهى تعتبر من أدنى الترتيبات، كما يشير التقرير ايضًا لافتقار حوالي 78% من شركات الصعيد المتركزة في كلا المحافظتين للمهارات اللازمة لأداء أعمالها بكفاءة، كما نوه التقرير إلى أن المراة مازالت تواجه عوائق خلال مشاركتها في نمو وعمل الشركات الريادية، حيث أن حوالي 54% من الشركات المتركزة بجنوب البلاد تضع عوائق أمام مشاركتها الاقتصادية.
كما نوه التقرير إلى نقطة هامة للغاية، فبالرغم من تأسيس Nile Angels"" التي تعمل على توفير التمويل الملائكي للشركات الناشئة بصعيد مصر، إلا أنه لا تزال تحتل أسيوط وسوهاج أدنى المراتب في الحصول على التمويل عالميًا 24 و 26، وأرجع التقرير ذلك لنقص التواصل الفعال بين المستثمرين ورواد الأعمال بصعيد مصر، وايضًا ضعف مهارات التسويق والترويج للعلامات التجارية بين أصحاب المشاريع الناشئة هناك، وأوضح التقرير أن 29% من الشركات بكلا المدينتان تكافحان من أجل الوصول للتمويل اللازم لها إلا أنه في نفس الوقت لا يمثل تحدي رئيسي أمام نمو المشاريع الناشئة بالصعيد بصفة عامة، كما سلط التقرير الضوء على معاناة أصحاب المشاريع الناشئة هناك من رفض طلبات القروض لشركاتهم بنسبة 57%، ودعا التقرير لإنشاء مساحات عمل وحاضنات ومسرعات أعمال بمحافظات الصعيد لافتقارها لتلك الموارد الريادية الهامة لتلبية احتياجات رواد الأعمال هناك، إلا أن التقرير أيضا أوضح أن أسيوط وسوهاج شهدتا تحسن ملحوظ في جودة خدمات المياه، والكهرباء، والخدمات الأساسية خلال السنوات الاخيرة، وهو ما يعتبر عامل جذب استثماري هام خلال الفترة المقبلة.
بالرغم من التحديات التي واجهها الصعيد من قبل إلا أنه بدأ يسير على الطريق الصحيح لجذب الشركات الناشئة، وفتح الباب أمام رواد الأعمال لإنشاء مشاريعهم المختلفة، خاصة أن جنوب مصر يمتلك المقومات المادية والبشرية التي تؤهله أن يتصدر أعلى مراتب الاستثمار المحلية والإقليمية.