رواد أعمال Travel Tech بمصر يواجهون تداعيات كورونا بعروض جديدة وخطط مبتكرة
تأثر قطاع تكنولوجيا السفر والسياحة بمعظم الدول حول العالم بشكل كبير نتيجة جائحة كورونا، التي بدأت خلال العام الماضي ومازالت تداعياتها واضحة حتى الآن، خاصة بالدول التي تعتمد بشكل واسع على السياحة كمصدر للدخل القومي، ومصر واحدة من تلك الدول التي يعتبر ذلك القطاع مصدر أساسي لها للحصول على الإيرادات والعملة الأجنبية، حتى أنها تساهم بنسبة 11.3% من إجمالي الدخل القومي للبلاد، وتوفر نسبة 19.3% من إجمالي العملة الصعبة، كما تبلغ نسبة العاملين فى قطاع السياحة والسفر 12.6% من إجمالي قوة العمل. منذ عدة سنوات بدأت منصات وتطبيقات السفر والسياحة بمصر تنتشر، وخلال ذلك الوقت بدأ الوضع يتغير وتتطور معه العديد من العروض والفرص والخدمات المقدمة لمختلف العملاء في الداخل والخارج، إلا أن جاءت الجائحة وتغيرت الأحوال عن ذي قبل، خاصة مع أصحاب تلك التطبيقات والمنصات، ويعتبر معظمهم من الشباب الذين يخطون أولى خطواتهم في عالم ريادة الأعمال، مما دفع بعضهم لإيقاف جزئي للنشاط، والبعض الآخر قام بالبحث عن حلول مبتكرة، بالتوازي مع خلق استراتيجيات جديدة، تتيح لهم الفرصة للخروج من تلك الأزمة بأقل خسائر ممكنة، بل منهم من أشار إلى أنها فرصة لتطوير وتنشيط طرق العمل التي كانت تُتبع من قبل، لتسمح بإدخال تطويرات وعروض جديدة لجذب مزيد من العملاء.
مواجهة التداعيات
بالرغم من حداثة نشاط تكنولوجيا السفر والسياحة بمصر إلا إنها استطاعت أن تثبت نفسها بشكل كبير خلال السنوات الثلاثة الماضية بالسوق المصري، حيث ظهر خلال تلك الفترة عشرات التطبيقات والمنصات التي تتيح مختلف خدمات التنقل والسفر عن بُعد مثل حجوزات الطيران والفنادق والسيارات وأماكن الاقامة، فضلا عن المساعدة في اختيار مناطق الرحلات والسفاري، وايضا التخطيط وإنشاء جدول لزيارة المناطق السياحية المختلفة, إلا أنه مع تفشي جائحة كورونا خلال أوائل عام 2020، وما فرضته من إجراءات وتدابير احترازية وحظر على الحركة ورحلات الطيران المختلفة بمصر ومعظم دول العالم أصبح الأمر يمثل معضلة لعدد من تلك التطبيقات، فمعظمهم العاملين بها شباب لا يمتلكون رؤوس الأموال الكافية التي تسمح بتخطي تلك الفترة بهدوء، بل العديد منهم يعتمد على التعاون مع الشركات العالمية والمساعدة في تسيير رحلاتها وأنشطتها بمصر من أجل تحقيق أرباح بسيطة تمكنهم من الاستمرار والنمو، حتى إن مؤسس إحدى تلك التطبيقات قد أوضح أن هناك عدد من الموظفين الذي يعملون معه لم يتلقوا رواتبهم لما يقرب من عدة شهور كاملة، إلا أنه بعد تحسن الأمور بدأت دفة العمل تعود من جديد لما كانت عليه من قبل.
قامت "ومضة" بجولة افتراضية عبر شبكة الإنترنت تصفحنا خلالها عدد من المنصات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة ببعض من التطبيقات، ووجدنا أن البعض منها قد توقفت عن تحديث صفحات أنشطتهم المهنية عبر السوشيال ميديا منذ عدة أشهر، وبالحديث مع أحد العاملين بإحدى تلك التطبيقات أكد أن هناك بالفعل خسائر حدثت لهم نتيجة توقف حركة السياحة في أول فترة انتشار الفيروس حول العالم، وهناك بالفعل عدد من التطبيقات قد أنهت عملها وقامت بتسريح العالمين بها، إلا أن هناك أيضا البعض الآخر فضل الاستمرار حتى بداية فتح أجواء السفر والتنقل من جديد، وانتظار ما سوف تسفر عنه تطورات تلك الجائحة، مع القيام بتطوير عروضهم الإلكترونية وتخفيض معظم أسعار خدماتهم لجذب مزيد من العملاء، إلا أنه خلال الشهور القليلة الأخيرة بالفعل بدأت الأمور تتحسن، على أمل العودة لما كانت عليه الأمور من قبل كورونا الذي أثر على العالم أجمع.
وكما يقول "شهاب أحمد" مؤسس تطبيق Visit Guide، المتخصص في تقديم خدمات السفر والعروض السياحية: "فقدان الدعم من مجتمع ريادة الأعمال كان له تأثير سلبي كبير، وبالطبع توقف السياحة فترة طويلة بسبب التخوف من الفيروس كان سبب أخر للتأثير على عملنا ولكن ... تكاتف فريق العمل وتطوعه لاستكمال المشروع بدون راتب لمدة 6 شهور أعطاني دفعة للأمام، ولم نتوقف بل بدأنا التركيز على جذب السياحة الداخلية، وقمنا باستغلال الوقت لتطوير النظام والانتشار في محركات البحث، كما أننا نعمل على زيادة قاعدة بيانات تطبيقنا ومنصتنا من رحلات وفنادق، باستخدام تعاقدات مباشرة بدون وسيط، فضلا عن خططنا لزيادة خدماتنا لتقديم باقة كاملة للشركات السياحية مثل تطوير بوابة حجز طيران ونظام حجز الرحلات والفنادق، بالتوازي مع توفير حلول مبتكرة لشركات السياحة."
وعن وضع منصتهم وتطبيقهم الآن يقول "شهاب":" بدأنا نجني الأرباح منذ فترة قريبة من خلال أستخدام B2C موديل، حيث نقوم بتوفير الرحلات والفنادق بأسعار مخفضة، بهدف زيادة عدد الرحلات والفنادق، ومن ثم توفير قنوات بيع لشركات السياحة،حيث أنها تفضل الحصول على موقع يحمل علامتها التجارية عن البيع من خلال Marketplace حسب الدراسة التي قمنا بإجرائها أثناء أزمة كورونا."
جدير بالذكر أنه قد أشار تقرير حديث أصدره المركز المصري للدراسات الاقتصادية خلال شهر نوفمبر الماضي، حمل عنوان "متابعة أثار كوفيد- 19 على الاقتصاد المصري (قطاع السياحة)" إلى أن هناك معدل تغير موجب في أعداد السائحين في بداية عام 2020، بالتحديد خلال شهري يناير وفبراير مقارنة بعام 2019، وهو ما كان ينبئ بعام مزدهر لقطاع السياحة في مصر ولكن ... مع ظهور كوفيد- 19، وانتشاره في مصر أسوة بدول العالم الأخرى، سجلت أعداد السائحين الوافدين إلى البلاد انخفاضا حتى أغسطس الماضي، حيث شهدت أكثر الشهور تدني مقارنة بالشهور المناظرة لها هي شهور أبريل ومايو ويونيو، ثم بدأ يظهر شيئا من التحسن في شهري يوليو وأغسطس لعام 2020 .
كما أوضح التقرير أنه قد تناقصت الإيرادات السياحية في النصف الأول (يناير- يونيو) من عام 2020 بنحو ٥٥ % مقارنة بالفترة المناظرة لها في عام 2019، حيث قد شهد الربع الأول من ذات العام انخفاضًا طفيفًا مقارنة بنفس الربع من العام السابق بمعدل يقدر بنحو 11 %، وهو ما يرجع إلى عدم الانتشار الملموس للفيروس في مصر إلا في منتصف مارس 2020.
اتجاهات جديدة
وبدوره يستكمل "محمد أحمد" مؤسس تطبيق VISGO، الذي يوفر جولات صوتية باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي "GPS"، الحديث قائلًا:"أطلقنا تطبيقنا في 2020 ولكن .. للأسف بعدها اجتاح فيروس كورونا العالم، وتأثرت صناعة السفر والسياحة، لذلك أوقفنا عملنا ورجعنا خطوة إلى الوراء لمراقبة الموقف، أما في الوقت الحالي لا نحقق أي إيرادات ولكننا لا نتحمل أيضًا خسائر فادحة، وذلك من خلال خفض التكاليف عن طريق جعل مؤسسينا الأربعة يديرون معظم جوانب العمل لتوفير النفقات والاستمرار.
وعن التغيرات التي أحدثتها الجائحة في مجال Travel Tech أوضح "محمد": " لقد وجدنا مؤخرًا أن فيروس كورونا قد غيّر سلوك العملاء، كما ظهرت اتجاهات جديدة مثل السفر بدون لمس، المقصد الاجتماعي، السفر الافتراضي، وانخفاض في عدد محبي السفر الجماعي، وهو ما سيجبر بعض الشركات القديمة على التغيير أو الهبوط."
وحول خططهم للخروج من ذلك المأزق، أضاف: " نعمل على تطوير أنشطتنا من خلال إجراء مقابلات مع العملاء والخبراء، حيث تمكنا من إنشاء إصدارات أفضل لكل من موقعنا والتطبيق، مع إضافة لغات جديدة، ومميزات لم تكن متاحة من قبل، كما أننا بصدد إنشاء محتوى متطور لتحميل أدلة الصوت الخاصة بالمطورين إلى الموقع، مما يسمح لهم بتوليد الدخل مع كل عملية شراء دليلهم الصوتي."
يشار إلى أن المركز المصري للدراسات الاقتصادية قد توقع ظهور بوادر للتعافي من أثار تلك الجائحة خلال منتصف العام الحالي، حيث أنه من المحتمل قدوم نحو 2.2 مليون سائح إلى مصر، مع تحقيق إيراد سياحي بنحو ٣٦0 مليون دولار، لتزداد تلك الإيرادات لتصل لما يقرب من 900 مليون دولار خلال نهاية عام 2021، ولكن مع عدم التمكن من العودة إلى مستويات 2019 إلا قبل عام 202٣، إلا أنه في نفس الوقت من المرجح أن يمثل عام 202٤ ازدهارًا كبيرًا لقطاع السياحة في مصر، حيث سيكون قد تم استخدام لقاح كورونا لنحو ثلاث سنوات، وبالتالي ظهور نتائجه الإيجابية، والتمكن من السيطرة على الفيروس، وهو ما يشير لتعافي الاقتصاد، وعودة الدخول إلى مستوياتها المعتادة إلى حد كبير.
أما "هيثم أبو العطا" مؤسس تطبيق "مسافر" لعروض السياحة والطيران استكمال الحديث قائلا: "تضرر عملنا بشكل كبير، وتسببت لنا تلك الجائحة في حدوث بعض الخسائر. في مطلع عام 2020 وقبل انتشار الفيروس كان يتخطى عدد الحجوزات اليومية القادمة من التطبيق والموقع 50 حجز، أما بعد توقف الطيران أصبح لا يتخطى عددها 50 حجز شهريًا، وفى بعض الشهور لا يوجد أي حجوزات على الإطلاق.. لكننا لم نستسلم أو نتوقف أمام تلك التداعيات التي ضربت العالم أجمع .. بل قمنا بزيادة الحملات الإعلانية، والتركيز على الدول التي لا يوجد بها إغلاق للطيران أو الفنادق، وتسمح باستقبال السائحين، كما سيتم الإعتماد على الترويج للسياحة ورحلات الطيران الداخلية، مع كبرى الشركات المحلية والعالمية."
تستمر صناعة تكنولوجيا السفر والسياحة في التطور، حتى أنها لم تتوقف كثيرًا حتى بعد تفشي الجائحة ولكنها فقط غيرت بوصلتها لتتعايش بشكل مبتكر مع التطورات الجديدة، فلا ننسى أنه قد أكد خبراء في معرض "سوق السفر العربي" الذي أقيم في دبي خلال عام 2019 – قبل تفشي كورونا- أن تطبيق التكنولوجيا في صناعة السياحة والتنقل سيساهم في تحقيق وفورات هائلة تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار خلال السنوات الخمس عشرة القادمة، وأن المستقبل سيكون مفتوح أمام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء ليلعبون دور أكبر خلال الفترة المقبلة في تقديم خدمات السفر والسياحة المختلفة حول العالم.