اتجاهات متوقعة في عام 2021
تناولنا في العام الماضي عدة اتجاهات توقعنا حدوثها في عام 2020، مثل نهوض تكنولوجيا الغذاء، ونمو التجارة الإلكترونية، وحصول دراجات السكوتر الإلكترونية على الموافقة التنظيمية في شتى أنحاء المنطقة. ولم نكن نملك من نفاذ البصيرة ما يجعلنا نتنبأ بحدوث جائحة، ولم نتوقع السرعة التي ستظهر بها هذه الاتجاهات. فالرقمنة التي توقع المُحلِّلون أن تستغرق ما يتراوح من سنتين إلى خمس سنوات حدثت في غضون بضعة أشهر بسبب فيروس كورونا.
وعلى الرغم من أن الجائحة خلَّفت دماراً اقتصادياً، على الصعيد الإقليمي، زاد الطلب على التجارة الإلكترونية، وانتشرت المطابخ السحابية، وازدهرت الشركات التي ساعدت الكيانات التجارية على الرقمنة. وقد عززت الجائحة انتقال الشركات إلى عالم الإنترنت، وسيشهد هذا العام استمرار ذلك الاتجاه. فسنشهد تسارُعاً أكبر للتكنولوجيا التعليمية مع تقبُّل مزيد من الحكومات للتعليم المنزلي، وزيادة أدوات الإنتاجية التي تسمح بالعمل والتوظيف المرن/ عن بُعد، وفي الوقت نفسه ستستمر الخدمات المُقدَّمة حسب الطلب في مختلف القطاعات في جذب العملاء. ولكن مجرد محاكاة التجربة التقليدية عبر الإنترنت لن يكون أمراً ممكناً بعد الآن، فلا بد من زيادة الابتكار لأن عادات المستهلكين قد تغيرت الآن، وربما إلى الأبد.
عالم هجين
توجد عدة لقاحات قد حصلت على الموافقة ويجري توزيعها الآن في جميع أنحاء العالم، ولكن من المُستبعد أن تعود الحياة قريباً إلى طبيعتها كما كانت قبل الجائحة. فهناك عدة بلدان تكافح الآن سلالات جديدة وأكثر عدوى، مما دفع مدناً بأكملها إلى الإغلاق مرة أخرى. وسيستمر ظهور تكنولوجيات تساعد على منع انتشار الفيروس، لا سيما في مجال التكنولوجيات التي تعمل بدون لمس، التي أصبحت بالفعل جزءاً من حياتنا اليومية. وسيُجرى مزيد من التجارب لتجنب لمس الأسطح (الذي سيكون أمراً محفوفاً بالمخاطر في السنوات القادمة)، وذلك ابتداءً من الابتكارات البسيطة مثل "hook" وزيادة المدفوعات غير التلامسية، وصولاً إلى تكنولوجيا القياسات الحيوية (البيومترية) الأكثر تطوراً.
وتتيح حالة الذهول التي يمر بها العالم فرصةً لظهور جيل جديد من التكنولوجيات التي تقرب بين الناس. ولأن وتيرة الانتعاش الاقتصادي والعودة إلى الوضع الطبيعي ستختلف من بلد إلى آخر، فمن المحتمل أن نرى عالماً هجيناً يحاول أن يجمع بين الفضاء الإلكتروني والواقع، وستصبح الابتكارات التكنولوجية أكثر تطوراً من أجل توفير تجربة سلسة لكليهما.
وسوف تحتاج الشركات الناشئة، بل والبيئة الحاضنة بأكملها أيضاً، إلى التكيف مع هذا العالم الهجين وإلى الابتكار، وسوف تحتاج المسرّعات والحاضنات إلى إعادة النظر في نماذجها التجارية لتظل ملائمة ولكي يُكتب لها البقاء.
مزيد من الأموال
شهد هذا العام ارتفاعاً غير مسبوق في عدد شركات رأس المال الاستثماري في المملكة العربية السعودية، وزاد فيه اهتمام مكاتب إدارة الثروات العائلية والشركات الكبيرة في المنطقة بأن يكون لها حضور كافٍ في قطاع التكنولوجيا. وأصبحت التكتلات التجارية وشركات التجزئة الكبيرة تنظر على نحو متزايد إلى الشركات الناشئة على أنها طريق سريع للابتكار وتنويع المحافظ الاستثمارية. ونتوقع أن نرى صناديق الثروة السيادية تواصل ملاحقة الشركات الناشئة، خاصةً في الخارج.
وستصبح "القدرة على الصمود في وجه الأوبئة" شرطاً أساسياً لكثير من المستثمرين في المستقبل. وأصبح ترددهم في بداية هذه الجائحة واضحاً خلال الأشهر القليلة الماضية، ومن المرجح أن يستمر حتى نهاية الربع الأول من هذا العام. ولكن هذا التردد سوف يتلاشى عندما يصبحون أكثر تقبلاً للشيكات ذات المبالغ الأكبر، خاصةً في مرحلة الجولة التمويلية الثانية وما بعدها. وفي أعقاب الاستحواذ على "انستاشوب" مقابل 360 مليون دولار، سنرى أيضاً مزيداً من عمليات الخروج هذا العام، إضافةً إلى إخفاقات من جانب شركات ناشئة تكافح من أجل التكيف، ويُعد ذلك علامة على نضوج السوق.
وفيما يتعلق بعمليات الاستحواذ القادمة، ستكون المملكة العربية السعودية هي السوق التي يجب مراقبتها، وستُبرم المملكة صفقات أكثر من ذي قبل، وقد تحل محل الإمارات من حيث إجمالي القيمة الاستثمارية.
تَموُّج التجارة الإلكترونية
كان النمو الملحوظ للتجارة الإلكترونية نعمةً هبطت على شركات البرمجيات الخدمية التي مكّنت متاجر التجزئة التقليدية من أن يكون لها حضور على الإنترنت، وليس ذلك فحسب، بل عاد ذلك النمو أيضاً بالنفع على البيئة الحاضنة الأوسع، بما في ذلك قطاعي الخدمات اللوجستية والتوصيل، وسيستمر ذلك في عام 2021.
وأصبح المستهلكون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر تقبلاً الآن للشراء عبر الإنترنت من أي وقت مضى، وسيظل الاحتفاظ بالعملاء محط تركيز تجار التجزئة على الإنترنت. كما أن الحاجة إلى الاحتفاظ بالعملاء قد أدت أيضاً إلى تحفيز نمو التطبيقات الفائقة. فبدايةً من "كريم" و"حالاً"، وصولاً إلى "تمتم" و"يسير"، تحولت الشركات الناشئة التي تعمل في مجال النقل حسب الطلب إلى منصات بها مجموعة متنوعة من عروض التجارة الإلكترونية، مثل توصيل الطعام ومنتجات البقالة والأدوية. وكانت هذه وسيلة لتعويض خسائر قطاع النقل الذي ستستمر معاناته بسبب تحوُّل العمل عن بُعد إلى أمر معتاد. وإلى جانب التجارة الإلكترونية، تعمل أيضاً هذه التطبيقات الفائقة على دخول مجال التكنولوجيا المالية عن طريق إنشاء محافظ رقمية مغلقة تسمح لعملائها بتحويل الرصيد، وبصرف أموال نقدية في نهاية المطاف إذا كانت اللوائح تسمح بذلك.
وفي ظل نمو التجارة الإلكترونية وظهور التطبيقات الفائقة، من المحتمل أن نرى مزيداً من الابتكار في مجال المدفوعات الرقمية والشمول المالي، إضافةً إلى زيادة تبني تجار التجزئة والمستهلكين لمفهوم "الشراء الآن والدفع لاحقاً". وبوجه عام، ستحتاج الجهات التنظيمية إلى مواكبة هذا التسارع في التجارة الرقمية من جميع جوانبها، وستتعرض الجهات التنظيمية المالية لضغط أكبر للاختيار بين الابتكار الذي تجلبه الشركات الناشئة وحماية الأطراف الفاعلة الحالية التي تقاوم هذا التغيير.
الاتفاقيات الإبراهيمية
قامت كل من الإمارات والبحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في أيلول/سبتمبر 2020 في خطوة تأمل هاتان الدولتان الخليجيتان أن تؤدي إلى ازدهار اقتصادي. وعلى الرغم من أن ذلك قد أثار اهتمام كلا الجانبين ويجري حالياً التحضير للمحادثات والشراكة، لم يتضح بعدُ كيف ستمضي هذه العلاقة الجديدة الناشئة وكيف ستؤثر على قطاع الشركات الناشئة في دول مجلس التعاون الخليجي. ونظراً لتركيز دول مجلس التعاون الخليجي على التكنولوجيا الاستهلاكية، تتضاءل فرصة تقديم الشركات الناشئة الإسرائيلية لمنتجات أو خدمات غير متوفرة بالفعل للمستهلكين هنا.
إلا أن البيئة الحاضنة للشركات الناشئة في إسرائيل من أكثر البيئات الحاضنة تقدماً في العالم، إذ تضم أكثر من 8000 باحث لكل مليون نسمة، وتتصدر إسرائيل التصنيفات العالمية من حيث الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 4.2%. كما أن إسرائيل من الدول الرائدة عالمياً في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتكنولوجيا الزراعية والتكنولوجيا المالية. وعلى الرغم من أن ذلك يمثل فرصة للمستثمرين الإماراتيين، فهناك شعور بالتردد والقلق لدى بعض الشركات الإماراتية الناشئة التي تشعر بأن التكنولوجيا والخبرة الإسرائيلية ستتفوق على تكنولوجيتها وخبرتها.
تنافس الشركات الناشئة
يتمثل أحد الدروس المستفادة من هذه الجائحة في ضرورة الابتكار وتبوُّء موقع الصدارة في التغيير التكنولوجي. وكان، ولا يزال، دور الشركات الناشئة في ذلك بالغ الأهمية، كما أننا نشهد بالفعل قيام الحكومات والمدن في شتى أنحاء المنطقة بتقديم عدد هائل من الحوافز والتراخيص الجديدة لتمكين ريادة الأعمال وتسهيلها. وأصبحت أيضاً الجهات التنظيمية أكثر تفاعلاً وحرصاً على مواصلة تسريع وتيرة الرقمنة التي أحدثتها الجائحة.
وتحتدم حالياً المنافسة بين المراكز الرئيسية، وهي دبي وأبو ظبي والرياض، على جذب الشركات الناشئة، وقد يبدو ذلك في ظاهره أمراً إيجابياً، إلا أنه قد يؤدي إلى تطبيق سياسة الحماية الجمركية، مما سيضر بالبيئة الحاضنة الإقليمية الأوسع.
ومن أجل النجاح في ظل هذه الجائحة (المستمرة) التي تعصف بالعالم، ستحتاج الشركات الناشئة إلى تراخيص أكثر مرونة، وإلى القدرة على العمل عن بُعد دون الحاجة إلى استئجار مكتب، وإلى الحصول على تمويل، وإلى واقع تنظيمي يُمكِّنها من العمل خارج الحدود الوطنية.
وشئنا أم أبينا، فإن الجائحة لم تنته بعدُ، وسيكون هذا العام مختلفاً عن عام 2020، فسيشهد مزيداً من عدم اليقين، ومزيداً من الابتكارات، ومزيداً من الشركات الناشئة التي تثبت قيمة قطاع ريادة الأعمال.