نظرة على قطاع طلب الطعام عبر الإنترنت في مصر
أصبح طلب الطعام عبر الإنترنت، خلال السنوات القليلة الماضية، من الممارسات اليومية التي يقوم بها الناس في جميع أنحاء العالم. ومما مهَّد الطريق لظهور المنصات الإلكترونية لطلب الطعام وتوصيله هو زيادة ساعات العمل والوقت المُستغرق في نظرة على قطاع طلب الطعام عبر الإنترنت في مصرالانتقال إلى مكان العمل ومنه، إلى جانب زيادة انتشار الهواتف الذكية.
وتتجلى هذه الأنماط السلوكية نفسها في مصر حيث يتزايد يوماً بعد يوم عدد المصريين الذين يطلبون وجباتهم الغذائية الجاهزة من المطاعم بدلاً من طهيها في المنزل. ويشير موقع "ستاتيستا" للإحصاءات إلى أن قطاع طلب الطعام عبر الإنترنت في مصر تبلغ قيمته 74 مليون دولار، ومن المتوقع أن تصل قيمته إلى 131 مليون دولار بحلول عام 2024. ويُعتقد أن القيمة الإجمالية لسوق توصيل الطعام أكبر من ذلك، لأن كثيراً من المطاعم في مصر قد أعرضت عن المنصات الإلكترونية وتقوم بتوصل الوجبات مباشرةً إلى عملائها الذين يتصلون بها هاتفياً بدلاً من استخدام تطبيق إلكتروني. وتشير بيانات من شركة "المنيوز" إلى أن نسبة طلبات الطعام التي تُقدَّم عبر الإنترنت تقل عن 5% من إجمالي الطلبات، مما يعني أن 95% من جميع طلبات الوجبات الجاهزة لا تزال تُقدَّم عبر الهاتف.
وعلى الرغم من أن ذلك يمثل فرصةً جذابةً للنمو، فإن العمل في هذه السوق قد يكون أمراً صعباً، لا سيما الآن في ظل حالة عدم اليقين الناجمة عن مرض فيروس كورونا (كوفيد-19).
انسحاب
بعد اقتحام لم يدم طويلاً للسوق المصرية، أوقفت شركة جلوفو الإسبانية وشركة كاريدج الكويتية عملياتهما في مصر. وكانت شركة جلوفو قد بدأت عملها في القاهرة في أيار/مايو 2018 وأعلنت خروجها بعد ذلك بعام واحد بالضبط، في حين أن شركة كاريدج لم يكن قد مضى على عملها في مصر سوى خمسة أشهر قبل أن توقف نشاطها في آب/أغسطس 2019.
يقول محمود الأمين، مدير التسويق السابق بشركة جلوفو: "كان قرار خروج شركة جلوفو من السوق المصرية مفاجئاً وغير متوقع. ففي غضون عام واحد، كانت جلوفو قد كوَّنت فريقاً من أكفأ المتخصصين، وسرعان ما أدى ذلك إلى جعل عملياتها تسير بسرعة وتمكنت الشركة من الحصول على حصة سوقية تبلغ 20% في الوقت الذي كانت فيه حصة شركة "اطلب" في السوق تُقدر بنسبة تتراوح من 90% إلى 95%".
وقال أوسكار بيير، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة جلوفو، في بيان صحفي إن الشركة قررت الخروج من السوق المصرية وأسواق أخرى لكي تتمكن من التركيز فقط على الأسواق التي تحقق فيها أفضل أداء. إلا أن وجود الشركة في مصر كان محفوفاً بالمصاعب.
حماية المنافسة
اتهم جهاز حماية المنافسة في مصر شركة جلوفو وشركة دليفرى هيرو المساهم الأكبر فيها بالتورط في ممارسات مُخلّة بالمنافسة. وذكر جهاز حماية المنافسة في بيان له أن هاتين الشركتين اتفقتا فيما بينهما على تقسيم الأسواق وهو السبب الرئيسي وراء خروج شركة جلوفو. وكانت شركة ديليفري هيرو قد استحوذت في عام 2018 على 16% من أسهم شركة جلوفو، مما مكَّنها من "الاطلاع على معلومات شركة جلوفو السرية والتأثير على قراراتها الاستراتيجية"، بحسب بيان جهاز حماية المنافسة.
وكانت تلك القرارات الاستراتيجية التي أشار إليها جهاز حماية المنافسة هي تأثير شركة ديليفري هيرو في سوق توصيل الطعام في مصر. كما أن السوق الألمانية لطلب وجبات الطعام وتوصيلها عبر الإنترنت تملك أيضاً شركة "اطلب" المصرية وشركة كاريدج الكويتة، وقد خرجت شركة كاريدج من السوق المصرية في آب/أغسطس 2019 بعد خمسة أشهر فقط من بدء عملياتها.
وأمر جهاز حماية المنافسة شركة جلوفو باستئناف عملياتها في أواخر شهر أيار/مايو 2019، ولكن الشركة أوقفت أعمالها بالكامل في كانون الثاني/يناير 2020 قائلة إنها تفتقر إلى التمويل اللازم الذي من شأنه أن يُمكِّنها من مواصلة عملياتها في مصر إلى جانب أسواق أخرى.
يقول محمود الأمين: "حينما عادت جلوفو إلى السوق المصرية بناءً على طلب جهاز حماية المنافسة، اضطرت شركة دليفري هيرو إلى إغلاق شركة كاريدج لكي تتمكن من توجيه استثمارها نحو تعزيز شركتها القديمة – وهي شركة اطلب". وقد تأسست شركة "اطلب" في عام 1999 في القاهرة، ولها شبكة مكونة من 4500 مطعم، ونحو 650 ألف مستخدم كل شهر، ولذلك فهي تهيمن على السوق. وذكر محمود الأمين: "حينما كنا نعمل في البداية على إقامة شراكات مع المطاعم، كانت تلك المطاعم متحمسة لدخول شركات أخرى في السوق، وهو أمر من شأنه أن يصب في صالح العملاء من خلال تعزيز المنافسة".
ولكن هيمنة شركة "اطلب" لم تمنع الشركات الأخرى من دخول السوق. فقد أطلقت شركة أوبر منصة أوبر إيتس في عام 2018، كما أن شركة المنيوز، التي بدأت في عام 2011 كدليل إلكتروني للمطاعم وقوائم الطعام، تقدم الآن عبر تطبيقها خدمة توصيل الطلبات. وحصلت شركة المنيوز مؤخراً على 8 ملايين دولار في جولتها الاستثمارية الثانية (Series B) التي تضمنت استثماراً من جوليان دامس، نائب رئيس شركة دليفري هيرو. وتزعم الشركة أن لديها أكثر من 1.2 مليون مستخدم نشط شهرياً.
وظهرت أيضاً منصات متخصصة أخرى مثل شركة بريدفاست التي انضمت إلى مسرعة الشركات الناشئة Y Combinator وتعمل على إعداد الخبز الطازج وتوصيله إلى العملاء مباشرةً، بالإضافة إلى منصتي "يماميا" و"ممّ" للأكل البيتي. وفي الوقت نفسه، بدأت أيضاً شركة سيرڤ (Survv) –وهي شركة ناشئة تقدم خدمات توصيل المنتجات للعميل– توصيل الطعام في مناطق مُختارة بالقاهرة.
فرصة للنمو
نظراً لوجود كثافة سكانية مرتفعة في مصر فلا تزال توجد مناطق كثيرة وشرائح من المستهلكين لم يتم تقديم خدمات الطلب عبر الانترنت لها بالشكل المرضي. فإن القائمين حالياً على تقديم خدمات الطلب عبر الإنترنت يعملون على توسعة الخدمات لتلك المناطق والمستهلكين. يقول السيد قاسم، المؤسس والمدير التنفيذي في شركة أكلني Akelni: "لا يزال السوق المصري يتطلع الى خدمات الطلب عبر الانترنت في المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة مثل القاهرة والاسكندرية بالاضافة الى المناطق الريفية والنائية تعاني من نقص شديد في خدمات توصيل الطعام ولديها قوة شرائية مرتفعة. ولا تزال شرائح معينة من المستهلكين تتطلع لخدمات مخصصة لهم، الامر الذي تعمل عليه الشركة في الفترة المقبلة". وأضاف السيد قاسم أن وضع استراتيجيات لتلبية تلك الشرائح من العملاء سيكون مجالاً لنمو الشركات الحالية أو الجديدة في هذا القطاع.
وسيكون الابتكار التكنولوجي وتحسين مستوى الخدمة من المجالات الأخرى لنمو شركة اكلني. ويعتقد السيد قاسم أن الخطوة التالية في تكنولوجيا الغذاء تتمثل في اقتحام سلسلة توريد المواد الخام، فيقول: "الابتكار هو مفتاح الدخول إلى السوق وجذب انتباه كلٍّ من المستثمرين والعملاء على حد سواء. وتتجه السوق في الوقت الحالي إلى تحسين تجربة العملاء من خلال الاستفادة من الأدوات القائمة على البيانات وتوفير تجربة شخصية فريدة لكل مستخدم.".
تأسست منصة اكلني عام 2017. تعاقدت الشركة مع اكثر من 2000 مطعم وجذبت اكثر من 200 الف مستخدم.
تظل التوقعات الخاصة بشركة "اطلب" بشأن بمستقبل قطاع توصيل الطعام في مصر ايجابية.
يقول سفيان المرزوقي، المدير التنفيذى لشركة "اطلب": "في مثل تلك الأوقات الصعبة، أصبح الناس أكثر وعياً بقوة التكنولوجيا وقدرتها على مساعدتهم في تلبية احتياجاتهم اليومية بعد أن أصبح من الصعب مغادرة المنزل بهدف التسوق والشراء. وبالتالي نعتقد أن الطلب عبر الإنترنت سيزيد بقوة خلال الأيام القادمة".
أكيد سفيان أن الشركة تخطط لإدخال خدمات توصيل البقالة والأدوية على منصتها قريباً.
تأثير فيروس كورونا
مع ظهور الوباء العالمي لفيروس كورونا، أخذت المنصات الإلكترونية لتوصيل الطعام تستعد لمواجهة نصيبها من التحديات. وقد تاثر الطلب على خدمات الطلب عبر الانترنت بشكل مباشر بقاء الناس للعمل من المنزل ويطهوون طعامهم بأنفسهم. يقول السيد قاسم: "من المتوقع أن يؤثر تفشي فيروس كورونا في سلوكيات الإنفاق لدى العملاء. وتغيُّر سلوك المستهلكين في نهاية الربع الأول من هذا العام بسبب فيروس كورونا يمكن أن يؤثر في الأرباع المقبلة لعام 2020 على بعض القطاعات الاخرى.
وأما من ناحية الشركات، فيشير السيد قاسم إلى أن الإدارة النقدية الحكيمة أمر حيوي في هذه الأوقات، مؤكداً على أن مديري الشركات يجب أن يستجيبوا بسرعة لهذه التغييرات وأن يظلوا ملتزمين بجودة الخدمات المقدمة للعملاء من أجل استمرار الشركة والحفاظ على العملاء.
ويقول أمير علام، مؤسس شركة المنيوز: "لقد تلقت العمليات التجارية ضربة قاسية خلال الأسبوع الماضي. وأصبحنا نشهد مرة أخرى بطئاً في الحركة، إذ بدأ الناس يتكيفون مع الواقع الجديد". وأضاف: "بدأنا نضع علامة مميزة في تطبيقاتنا على المطاعم التي تتخذ احتياطات سلامة جيدة من أجل تشجيع المطاعم على اتخاذ مزيد من تدابير السلامة وضمان سلامة جميع العملاء.".
وقد سارعت جميع الشركات إلى التواصل مع عملائها عبر البريد الإلكتروني لطمأنتهم على اتخاذ إجراءات النظافة والسلامة في جميع الطلبات التي تقوم بتوصيلها إليهم. يقول الدكتور إبراهيم السحولي، الأستاذ المساعد في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة: "في الأوقات التي تظهر فيها أوبئة مثل وباء فيروس كورونا المستجد، يزداد تشكك الناس في إمكانية حصولهم على أجود المأكولات من خلال الطلب عبر الإنترنت، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على عمليات هذه المنصات الإلكترونية".
كما أن انعدام الثقة في ممارسات النظافة والسلامة عند طلب الطعام عبر الإنترنت قد يضر القطاع بأكمله، ويصرف المستهلكين عن طلب وجباتهم عبر الإنترنت. ولم يتبين حتى الآن الأثر الحقيقي الذي سيتركه هذا الوباء العالمي على قطاع طلب الطعام عبر الإنترنت في مصر، وعلى غيره من القطاعات.