فيروس الكورونا والشركات الناشئة: هل حان وقت الفزع؟
في أعقاب الركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي في عام 2008، تنبأ خبير العولمة والتنمية إيان غولدين، مؤلف كتاب "The Butterfly Defect"، بأن الكارثة المالية العالمية القادمة ستكون بسبب وباء عالمي. وما تنبأ به إيان في عام 2014 أصبح الآن حقيقة واقعة، إذ يواصل فيروس كورونا إبطاء عجلة الاقتصاد العالمي.
وقد وصل الآن تأثير الفيروس إلى منطقتنا حيث انخفضت أسعار النفط إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى لها منذ حرب الخليج الأولى. وفي محاولة لوقف انتشار الفيروس، عاد الطلاب في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى ديارهم، ووجهت معظم الشركات موظفيها إلى العمل من المنزل، وتوقفت الرحلات الجوية من المنطقة وإليها.
حتى الآن، تكبدت الأسواق المالية العالمية خسائر تُقدّر بتريليونات الدولارات بسبب حالة عدم اليقين، في حين أن الحرب المشتعلة بين السعودية وروسيا بشأن أسعار النفط جعلت المستثمرين في المنطقة أكثر تردداً وحذراً. وقد بدأت تظهر بوضوح معاناة الشركات، ومن المرجح أن تتكبد الشركات الناشئة القدر الأكبر من هذه المعاناة.
هل حان وقت الخوف؟
إذا كانت الشركة الناشئة تحتاج إلى استثمارات أو تستنفد موارد نقدية كبيرة، فالإجابة حينئذ: نعم، حان وقت الخوف والفزع. يميل المستثمرون الآن إلى الاحتفاظ بالسيولة النقدية، كما أن شركات رؤوس أموال المجازفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط ستواجه صعوبةً في جذب استثمارات لصناديقها. ولكن الأمر يتعلق بهبوط أسعار النفط أكثر من تعلقه بفيروس الكورونا.
يقول مايكل تامفاكس، أستاذ اقتصاديات السلع الأساسية والتمويل في كلية كاس لإدارة الأعمال: "إن الضرر المباشر الذي سيلحق بالاقتصاد سيكون بسبب أسعار النفط، فهي التي تؤثر على ميزانيات الدول، وتقلل فوراً من برامج الاستثمار".
ويُعدّ النفط المصدر الرئيسي للدخل في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يمثل نحو 80% من الإيرادات الحكومية. ومن هذا الدخل يتم دفع رواتب العاملين في القطاع العام وتمويل المشروعات الحكومية ومبادرات الإصلاح الاقتصادي. وسيُجبِر الانخفاض المستمر في أسعار النفط الحكومات على تحديد أولويات إنفاقها، مما سيؤدي إلى ضخ أموال أقل في استثمارات وبرامج ريادة الأعمال ورؤوس أموال المجازفة.
يقول تامفاكيس: "إن أغلب تأثيرات فيروس الكورونا قصيرة الأمد، فقد تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر حينما نعرف إلى أين يتجه الطلب".
وقد بدأ بالفعل تناقُص الجولات التمويلية الرامية إلى زيادة إجمالي الإيرادات والاستحواذ على حصة سوقية أو التوسع. أما الشركات الناشئة التي تفتقر إلى الأموال اللازمة لمواصلة عملياتها طوال فترة الأزمة فسوف تواجه صعوبةً في النجاة من هذه الأزمة. وسوف تؤدي عوامل الاقتصاد الكلي، ومنها تراجع معدلات الاستهلاك وتعطل سلسلة الإمداد وتباطؤ الاقتصاد العالمي، إلى انخفاض سريع في التقييمات، لا سيما تقييمات الشركات التي يكون معدل استنفادها للموارد النقدية مرتفعاً. وقد أدت الكارثة التي حلّت بشركة WeWork إلى تنبيه المستثمرين إلى أن وجود ميزانية عمومية سليمة أهم من التاريخ الناصع للشركة الناشئة، وسوف يجعلهم فيروس الكورونا أكثر تشككاً عند تدقيق النظر في التقييمات.
ونظراً لانخفاض فرص الحصول على التمويل، سوف تكون بعض القطاعات والصناعات أكثر تأثراً من غيرها، إضافة إلى توجّه كثير منها الآن إلى الحفاظ على الأعمال أو تقليص عملياتها لتنجو من الأزمة.
تقول مي مدحت، الرئيسة التنفيذية لشركة إيفنتوس، وهي منصة إلكترونية لإدارة الفعاليات وحجزها: "توقعت حدوث ذلك منذ أربعة أسابيع. فقد كان جدول هذا الشهر والشهر الذي يليه مزدحماً للغاية بالفعاليات، ولم يكن من السهل علينا رؤية هذه الفعاليات تُلغى جميعها في غضون أيام قليلة. وعدم التيقن مما ستؤول إليه الأمور في المستقبل هو أكبر عامل يؤثر في عملنا". وأضافت مي: "يجب علينا التزام التقشف، والانتباه إلى التدفق النقدي، وتحديد مصادر الدخل المختلفة، واتخاذ بعض الإجراءات الصارمة، ولكن علينا أيضاً أن نتحلى بالمسؤولية. ونحاول حالياً خفض التكاليف، ولكن بالتأكيد ليس على حساب فريق العمل".
وتقوم شركة إيفنتوس حالياً بتمديد عقود العملاء لكي يتمكنوا من تأجيل فعالياتهم، وتقدم الشركة حلولاً بديلة لاستضافة فعاليات إلكترونية بشكل فعّال. تقول مي: "نحاول أن نكون متفائلين. فنحن نتفهم الظروف وندعم عملاءنا، وننصحهم بإلغاء الفعالية كلما طلبوا توصيتنا".
نمو أكبر
ومع ذلك، تشهد بعض القطاعات الآن انتعاشاً غير مسبوقاً، ومنها قطاع متاجر البقالة الإلكترونية وقطاع التكنولوجيا التعليمية. يقول بدر ورد، الرئيس التنفيذي لـمنصة لمسة، وهي تطبيق تعليمي إلكتروني للأطفال باللغة العربية: "قبل انتشار هذا المرض، كان يُنظر إلى استخدام التكنولوجيا التعليمية على أنه أمر لطيف، ولكن لم نكن في الماضي الخيار الأول للمستثمرين. والآن أصبح استخدام التكنولوجيا في التعليم أحد حلول هذه المشكلة. ونشهد حالياً إقبالاً كبيراً على منتجنا في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا ما وصل إليه سلوك المستهلكين في الوقت الحالي".
ويرى بدر أن من المُرجَّح أن يستمر الإقبال على التكنولوجيا التعليمية والاستثمار فيها بعد زوال وباء فيروس الكورونا. فيقول: "أثق بنسبة 100% في أن هذا المجال لن يشهد أي تراجع، فقد رأى الناس بأعينهم ضرورة استخدام التكنولوجيا في التعليم وتأثير ذلك".
وقد صار الوباء العالمي أيضاً بمثابة فرصة لكي تثبت الشركات الناشئة جدوى تكنولوجياتها. فأطلقت شركة روبوستا المصرية لحلول التجارة الإلكترونية سباقاً برمجياً (هاكاثون) على مدار يومين لاستكشاف أفكار تكنولوجية مبتكرة وقابلة للتطبيق من أجل مساعدة العاملين في مجال الرعاية الصحية والشركات على التصدي لانتشار الفيروس.
يقول حسين محي الدين، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة روبوستا: "يجب أن تكون الأفكار قابلة للتنفيذ الفوري ولتحقيق مكاسب مالية". وأضاف أن "الفريق الفائز ستُتاح له فرصة الحصول على منح مُقدَّمة من الجهات المانحة، مثل مفوضية الاتحاد الأوروبي، ومؤسسة "واي كومبينيتُر"، ووزارات الصحة والتعليم والاتصالات وغيرها".
ولكن على الرغم من النمو الذي تشهده بعض الشركات الناشئة حالياً، أصبح العمل في المناخ التجاري العام أشد صعوبة. ويبذل فريق شركة لمسة جهوداً حثيثةً للحفاظ على نفس المستويات الإنتاجية بسبب سياسة العمل من المنزل، وتأثُّر المعاملات التجارية بتأخر المدفوعات بسبب إغلاق البنوك والشعور العام بالخوف.
حزم الحوافز الاقتصادية
في محاولة لتهدئة هذه المخاوف، أعلنت الحكومات في المنطقة عن حزم من الحوافز الاقتصادية. فأطلقت دبي حزمة حوافز اقتصادية بقيمة 1.5 مليار درهم للأشهر الثلاثة المقبلة من أجل تعزيز السيولة المالية، بما في ذلك تخفيض الرسوم المفروضة على تقديم المستندات الجمركية للشركات بنسبة 90%، وتجديد التراخيص التجارية دون اشتراط تجديد عقود الإيجار، وتجميد الرسوم المفروضة على بيع التذاكر وإصدار التصاريح وغيرها من الرسوم الحكومية المتعلقة بالفعاليات الترفيهية والتجارية. وألغى مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي جميع رسوم خدمات الدفع المُقدَّمة إلى البنوك العاملة في دولة الإمارات من خلال أنظمة الدفع والتسوية، وذلك لمدة ستة أشهر.
وكذلك أعلنت مؤسسة النقد في المملكة العربية السعودية عن أربع مبادرات تحفيزية لمساندة الشركات الصغيرة والمتوسطة، منها برنامج لتأجيل سداد أقساط القروض وبرنامج لضمانات قروض الشركات خلال السنة المالية 2020، بالإضافة إلى دعم رسوم المدفوعات المفروضة على الشبكات المحلية لمتاجر التجزئة ونقاط البيع والتجارة الإلكترونية.
وأعلنت أيضاً مصر والأردن عن خطط لتأجيل أقساط الشركات الصغيرة والمتوسطة والسماح بإعادة جدولة قروض متاجر البيع بالتجزئة دون عقوبات.
وعلى الرغم من هذه الأخبار السارة، لا بد أن تتخذ الشركات الناشئة تدابير إضافية لكي تحاول أن تنجو من هذه الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. ويجب على مؤسسي الشركات أن يستعدوا للأسوأ من خلال الحفاظ على السيولة النقدية بسبب انخفاض احتمالية تعوضيها على المدى القصير. ومن الضروري أيضاً ترتيب أولويات الإنفاق من أجل توجيه النفقات إلى الأمور الأكثر أهمية.
وينبغي تأجيل خطط التوسع، والتركيز في المقام الأول على المصادر التي تحقق أكبر عائد على الاستثمار. وعلاوة على ذلك، يجب على الشركات الناشئة أن تراعي مرونة التكاليف، مثل ترتيبات العمل الحر والعمل بدوام جزئي، من أجل تخفيف العبء عن رأس مالها المتاح إلى أن تنتهي المرحلة الأسوأ في هذه الأزمة.
يقول تامفاكس: "يتطلب الوصل إلى مرحلة الركود تسعة أشهر متتالية من النمو السلبي. والمستقبل يكتنفه قدر كبير من الغموض وعدم اليقين، وربما لا يتطلب الأمر سوى التحلي بالصبر".