البحرين: تحدي الحِفاظ على القدرة التنافسية
المرونة وسرعة الاستجابة لمتطلبات السوق هي مفتاح البقاء في المنافسة، هذا هو ما ستخبرنا به أي شركة ناشئة، وكذلك أصحاب المصلحة الآخرين في البيئة الحاضنة للشركات الناشئة. وفي الآونة الأخيرة، سارعت عواصم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى إنشاء مراكز ريادة أعمال مما أشعل حِدة المنافسة، لا سيما بالنسبة إلى البلدان الصغيرة التي لا تمتلك ميزانيات ضخمة مثل بعض جيرانها من الدول.
وفي خضم ما صدر من مراسيم وقرارات، تمكنّت البحرين من إنشاء بيئة أعمال يعتقد معهد ميلكن بأنها ستضع البلاد في مكانة مُميزة "كمحور رئيسي في عالم التمويل والتكنولوجيا والابتكار".
فمنذ عام 2015، قفز معدل الاستثمار الأجنبي المباشر من 0,2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4 في المئة عام 2018. كما ارتفع عدد الشركات في القطاع الخاص بنسبة 50 في المئة، إلى جانب زيادة عدد الوظائف في القطاع الخاص بنسبة 30 في المئة حسب بيانات هيئة تنظيم سوق العمل. ووفقًا لما جاء في تقرير معهد ميلكن، تمثل الشركات البالغة الصغر والصغيرة والمتوسطة 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وكان المُحرك الرئيسي وراء هذا النمو هو الموقع الجغرافي للبحرين وقربها من المملكة العربية السعودية، ما منحها سهولة وصول إلى أكبر سوق في المنطقة. ولكن الآن بعد احتضان المملكة لريادة الأعمال ودفعها للعديد من جداول الأعمال والمبادرات الحكومية نحو تشجيع الاستثمار الأجنبي، أصبحت البحرين تواجه خطر فقدان قدرتها التنافسية.
وفي هذا الصدد، أجرينا حوار مع بكيزة عبد الرحمن مدير تطوير الأعمال بقطاع الشركات الناشئة في مجلس التنمية الاقتصادية بالبحرين، وهي وكالة حكومية مكلفة بجذب الاستثمار ودعم نمو القطاع الخاص.
لقد كان لمبادرة "ستارت أب بحرين" التابعة لمجلس التنمية الاقتصادية دور فعّال في تشجيع ريادة الأعمال، ولكن ما مدى المشاركة التي ينبغي للحكومة القيام بها؟
ينبغي للحكومات أن تلعب دوراً تمكينياً وألا تقود جدول أعمال الابتكار. نريد تمكين البيئة الحاضنة لريادة الأعمال وإتاحة الفرصة لها كي تلتقي وتتعاون وتطرح أهمّ المسائل التي ينبغي لنا كجهات تنظيمية أن نعالجها ونطورها.
وقد خلقت البحرين لنفسها موضعاً استراتيجياً كبوابة للسوق العالمية، خاصةً للشركات الناشئة القائمة في مصر ومنطقة الشرق الأوسط. نحن على مقربة كبيرة من أكبر سوق في الشرق الأوسط [المملكة العربية السعودية]. وتتمثل مهمتنا في تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وخلق فرص عمل تتماشى مع اقتصاد المعرفة ورؤية البحرين 2030.
تمثل السعودية سوق ضخمة للانطلاق؛ إذ يسهل التوسع بها باعتبارها سوق خليجية تابعة لمجلس دول التعاون الخليجي. وما نحاول القيام به في البحرين هو التركيز على الحوافز والمزايا المقدمة للشركات الناشئة في البلاد. فلا توجد لدينا منطقة حرة، والبلد يفتح أبوابه بالكامل أمام الملكية الأجنبية بنسبة 100٪ في الشركات.
وبفضل موقعنا الاستراتيجي مع الشرق والغرب، نجحنا في خلق مجالات عمل متنوعة.
ما هي تلك المجالات؟
التكنولوجيا المالية، إنترنت الأشياء (IOT)، التجارة الإلكترونية، والخدمات اللوجستية. كما كان خوض البحرين مجال تطوير الألعاب ونشرها نقلة كبيرة للغاية مؤخراً. ومعيار الكفاءات في البلاد مرتفع، فنحن نتحدث لغتين، وبارعين في مجال التكنولوجيا، ولدينا وعي بثقافة السوق السعودي والشرق الأوسط مع معدل كبير في نسبة استخدام الهواتف النقالة.
من أين تأتي الشركات الناشئة التي تؤسس أعمالها في البحرين؟
تأتي غالبية الشركات الناشئة من المملكة المتحدة وجنوب شرق آسيا والهند وسنغافورة والشرق الأوسط من لبنان والأردن ومصر، كما تأتي إلينا شركات من المملكة العربية السعودية والكويت. يُعدّ تأسيس شركة هنا في البحرين أرخص بنسبة 30 إلى 40 في المئة من الإمارات العربية المتحدة، وتتساوى نسبة الشركات الناشئة التي أسسها مواطنين بحرينيين مع نسبة الشركات الناشئة الأجنبية.
وقع اختيار أمازون على البحرين لإطلاق خدمات أمازون ويب، فما كان تأثير ذلك على المشهد في البحرين؟
كان له عظيم الأثر، فهو بمثابة إثبات على قوة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البحرين، وقدرتها على الاتصال مع مراكز البيانات الأخرى على مستوى العالم، كما أبرز حرص الحكومة على التحول إلى الخدمات السحابية. نُطبق لدينا سياسة الحوسبة السحابية أولاً، وجميع الكيانات الحكومية متصلة بالخدمات السحابية، وهو الأمر الذي أحدث ضجة هائلة في البلاد ودفع بنوك القطاع الخاص نحو الحوسبة السحابية بعد أن كانت مترددة في اتخاذ هذه الخطوة. كما أتاح فرصة كبيرة للكفاءات المحلية كيّ تعزز من مهاراتها.
تتبنى المملكة العربية السعودية ريادة الأعمال، فكيف يمكن للبحرين الحفاظ على ميزتها التنافسية كبوابة إلى البلاد؟
نحن سوق صغير، لذا يجب أن نكون مبدعين واستراتيجيين للغاية في الطريقة التي نعالج بها هذا التحدي. ولطالما قمنا بذلك من خلال الانفتاح على الأسواق العالمية، وتمكين التعليم بين الأقسام المختلفة في البيئة الحاضنة لريادة الأعمال، سواء كانوا من الشباب أو المتقاعدين مبكراً من البرامج الحكومية وتسليحهم بالأفكار والمهارات التي يحتاجونها. وهذا ما نقوم به في مبادرة "ستارت أب بحرين"؛ المحافظة على زخم الجهود المبذولة والالتفاف حول منصة واحدة تمنحنا كل هذا، فهي مبادرة مجتمعية نمنحها دعمنا كي تنمو مع نمو المجتمع. كما نعقد الكثير من اجتماعات الطاولة المستديرة للاستماع إلى الشركات الناشئة ومحاولة تطوير السوق وصياغة اللوائح التي يحتاجها.
والأسواق في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضخمة ومشبعة، لذلك تجد الشركات الكورية الجنوبية والشركات الآسيوية والعربية في بعض الأحيان صعوبة في التوسع. وفي مجلس التنمية الاقتصادية، نُقدم الدعم للشركات الناشئة والمسرعات طوال إجراءات التسجيل، ونحرص على أن يخرجوا منها بعلاقات مُجدية وتواصلهم مع صناع القرار الرئيسيين.