أصغر جزر الخليج العربي تجتذب اهتمام الشركات الناشئة
بالرغم من صغر حجمها، أثبتت مملكة البحرين أنها قوة لا يُستهان بها في عالم الشركات الناشئة، حققت هذه الدولة الصغيرة نجاحات تفوق كل التوقعات من خلال المبادرات التي تدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والقوى العاملة ذات التعليم المتميز والضوابط المبتكرة.
فقد صنف التقرير العالمي لبيئة الشركات الناشئة لعام 2019 مملكة البحرين ضمن أفضل 10 دول على مستوى العالم. وخص التقرير دولة البحرين بالذكر لأن نسبة الشركات الناشئة التي أسستها النساء تبلغ 18% وهي نسبة تفوق كل من وادي السيليكون (وهي 16%) ولندن (15%)
قد لا يكون من المفاجئ أن يبرز التقرير البحرين ضمن أقوى 10 نظم اقتصادية واعدة في مجال التقنيات المالية في أوروبا والشرق الأوسط. يُعرف عن البحرين ريادتها في القطاع المالي منذ أمد بعيد وتحتضن في الوقت الحالي نحو 400 مؤسسة مالية محلية وإقليمية ودولية. ومن ثمار ازدهار صناعاتها المالية تعد البحرين اليوم واحدة من أكثر الاقتصادات تنوعاً في المنطقة، إذ يمُثل قطاع الصناعات الهيدروكربونية أقل من خُمس إجمالي الناتج المحلي لمملكة البحرين.
الحوسبة السحابية في ظل ضوابط نظامية متفتحة
طبقت حكومة البحرين في عام 2018 سياسة تعطي الأولوية للتقنيات السحابية، تشجيعاً منها للهيئات الحكومية والشركات على الاستفادة من الخدمات السحابية للحلول التقنية. وتعزز المملكة هذا النهج الموحد من خلال ضوابط نظامية مبتكرة ومتفتحة.
احتلت البحرين المرتبة الأولى عالمياً فيما يتعلق بالضوابط المالية الإسلامية في التقرير المالي الإسلامي العالمي نظراً لمعايرها العالية عن الخدمات المالية المفتوحة والتمويل الجماعي. وفي الفترة الأخيرة، أصدر البنك المركزي بمملكة البحرين ضوابط لحماية البيانات والخدمات البنكية المفتوحة والأصول المُشَفًّرة والاستشارات المالية الآلية.
يقول ويس شوالجي، مدير العمليات في شركة تحسين للاستشارات: "بلا شك أن دبي هي مركز الشركات الناشئة والتكنولوجيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد كانت لحظة إبرام صفقة اندماج شركتي أوبر وكريم لحظة فارقة أكدت على دورها الريادي في مجال التكنولوجيا على مستوى العالم، إلا أن هذه الصفقة تدفع الدول العربية مثل البحرين على أن تعمل جاهدة لتطوير ساحة ريادة الأعمال واستحداث السياسات الملائمة التي تدعم الشركات الناشئة على الاستمرار في الصناعات التقليدية".
وصول خدمات أمازون عبر الإنترنت
في لفتة يمكن اعتبارها الاعتماد الأقصى للبيئة الحاضنة التقنية بمملكة البحرين، اختارت شركة التقنية الأمريكية العملاقة دولة البحرين لطرح أول مركز أمازون لخدمات الويب في الشرق الأوسط، والتي ستبدأ أعمالها في هذا العام.
فقد تنبأ مركز أمازون لخدمات الويب بالحاجة الى 10,000 مهندس لحلول البيانات في جميع أنحاء المنطقة على مدار السنوات الخمس القادمة. وقد أكدت الحكومة أن 2,500 مواطناً بحرينياً سجلوا بالفعل في برامج تدريب مركز أمازون لخدمات الويب.
كما صرح السيد ويس شوالجي على صفقة أمازون لخدمات الويب قائلاً أن البحرين في مكانة تمكنها من التغلب على منافسين أكبر منها حجماً وأنه لا ينبغي لنا الاستهانة بقدراتها. وبما أن البيانات تتمتع بأهمية قصوى لدى العديد من التقنيات الدافعة للثورة الصناعية الرابعة، سعت البحرين للتميز على منافسيها من خلال تبني واحدة من أولى قوانين حماية البيانات الشخصية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فهذه الطريقة التقدمية في التفكير عند وضع القوانين القادرة على التنافس في مجالات التكنولوجيا وسياسات الشركات الناشئة هي وسيلة البحرين في التميز على الساحة"
" وارتأت البحرين فرصة سانحة للتنافسية في الأنظمة والقوانين وأحسنت استخدامها لحث أمازون على افتتاح مركزها الأول للبيانات في المنطقة. إذا كانت البيانات هي النفط الجديد، فالبحرين بهذه الخطوة تكرر دورها التاريخي الذي أدته عندما كانت أول دولة خليجية تكتشف النفط".
كما صرح السيد شوالجي أن النتائج التي أسفر عنها مؤخراً دراسة المراقب العالمي لريادة الأعمال أن هناك فرصاً عظيمة للبحرين لجذب الشركات الناشئة من غيرها من المحاور الإقليمية المنافسة من خلال التنافسية في القوانين التي تحيط ببيئة تمكين الأعمال، والوصول للخدمات المالية والحوافز التي تدعم الشركات الناشئة التي تعتمد بشدة على البحث والتطوير.
المنافسة على أشدها
مع احتدام وطيس المنافسة الإقليمية لكسب قلوب وأموال الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، خفَّضت دولة البحرين متطلبات رأس المال للشركات الناشئة من 50,000 دولار أمريكي إلى 100 دولار أمريكي لبعض الشركات وطرحت بيئة رقابية تجريبية معفاة من اللوائح التنظيمية للشركات الناشئة في مجال التقنيات المالية.
كما تجد البيئة الحاضنة المحلية للشركات الناشئة الدعم في عدد لا يُحصى من المبادرات الحكومية مثل برنامج "تمكين" الذي يقدم دعماً للشركات الناشئة لتوظيف المواهب المحلية – وحضانة الشركات الصغيرة والمتوسطة وكذلك خطط التمويل مثل برنامج "رواد" من بنك البحرين للتنمية.
ومن الأهمية بمكان أن بنك البحرين للتنمية المدعوم من الحكومة البحرينية قد عزز التشجيع على إنشاء الشركات الصغيرة والمتوسطة في عام 2018 عندما نجح في تأسيس صندوق صناديق الواحة لرأس المال المخاطر (صندوق صناديق الواحة) بقيمة 100 مليون دولار أمريكي والذي يهدف للاستثمار في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في المنطقة. ولقد خصص الصندوق بالفعل 50% من رأس ماله لخمسة صناديق تقنية في جميع أنحاء المنطقة.
تغذية التقنيات المالية
في فبراير/ شباط من عام 2018، أسست مملكة البحرين خليج البحرين للتكنولوجيا المالية والتي تعرّف نفسها بأنها مركز متكامل لخدمة الشركات العاملة في التقنيات المالية. وهي الشراكة بين القطاعين الخاص والعام بين مجلس التنمية الاقتصادية بالبحرين وتكتل شركات التكنولوجيا المالية ومقره السنغافورة. ويقدم خليج البحرين للتكنولوجيا المالية مساحة مادية للعمل المشترك للشركات المحلية العاملة في التكنولوجيا المالية بدعم من مبادرات حاضنة الأعمال الناشئة والشركات.
يقول السيد خالد سعد الرئيس التنفيذي لخليج البحرين للتكنولوجيا المالية، بأن سجلات المؤسسة تحتوي بالفعل على 43 شركة أغلبها من الخليج العربي وأوروبا. وأعرب السيد خالد سعد عن سعادته بشأن إختيار مركز أمازون لخدمات الويب البحرين لتكون أول قاعدة له في الشرق الأوسط.
"لقد إنتقل مركز أمازون لخدمات الويب الى الطابق أسفلنا وسوف يباشرون العمل عما قريب. أعتقد أن وجود اسم مثل أمازون في البحرين يبعث برسالة قوية الى العالم بأننا أنجزنا خطوات كبيرة في تطوير نظام موائم للتقنية وبيئة حاضنة لريادة الأعمال. وإذا رتبنا أمورنا بشكل صحيح ستصبح البحرين قاعدة للبيانات في المنطقة والعالم كذلك ."
أردف السيد خالد سعد أن توفر الخدمات السحابية من أمازون ستكون ميزة إضافية للشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا المالية، فالزيادة في سرعة البيانات وإتاحتها سيكون هائلاً- وسوف يساعد بعض الشركات التي وضعت بياناتها بالخارج على إعادتها الى البحرين. ولقد أدركت أمازون لخدمات الويب المزايا التي تقدمها سياسة الأولوية للخدمات السحابية التي تنتهجها البحرين".
ويلقي الرئيس التنفيذي لخليج البحرين للتكنولوجيا المالية الضوء على النهج التعاوني الذي يشكل أهم نقطة قوة تسمح للمملكة بالتغلب على منافسيها على الساحة العالمية للشركات الناشئة فيقول: " إن ما علينا الآن هو الحفاظ على التركيز والاستمرار في الخطوة المتسارعة للتنمية وأعتقد أننا في نمشي في الإتجاه الصحيح".
ليست التكنولوجيا المالية فحسب
يُعلِّق رئيس شركة تحسين للاستشارات: " إن البنية التحتية الجاهزة لدعم التكنولوجيا التي توفرها البحرين ونظرتها للأمور وضعاها في مكانة تؤهلها لتصبح أكثر من محور للتكنولوجيا المالية. كانت التكنولوجيا المالية من أوائل الأمور التي ركزت عليها البحرين لكونها مركزاً للخدمات المالية في المنطقة منذ أمد بعيد، واستراتيجيتها السبّاقة في التكنولوجيا المالية على المستوى الإقليمي يعيد للأذهان تأسيسها لأول مصرف إسلامي في عام 1979. إلا أن ثمة قطاعات تكنولوجية واعدة في المنطقة لم تظهر بعد ريادة واضحة بما في ذلك مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة والسفر والمواصلات والتنقل الذكي والتصنيع المُضاف وتكنولوجيا التعليم والصحة والزراعة.
وأضاف السيد شوالجي: "ثمة مجالات ناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والواقع الممتد من خلال تطبيقات واسعة تقدم فرصاً للدول العربية للحصول على ميزات تنافسية"
تمكنت البحرين من تعزيز بيئة تدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع مزايا إضافية تتمثل في انخفاض تكلفة المعيشة، والشعب المتعلم تعليماً جيداً والرغبة في الاستثمار في الشركات الناشئة. لكن أكبر عقبة تواجهها هي صغر حجمها وقلة عدد سكانها وصغر سوقها، أي أنه حتى تتمكن الشركات الناشئة من التوسع عليها في أسرع وقت التفكير في التوسعات الإقليمية والدولية. ونظراً لقربها من المملكة العربية السعودية بدأت البحرين في شق طريقها للوصول الى أكبر سوق مربح في المنطقة.
ويختتم السيد شوالجي حديثه قائلاً: "من الخطأ الإستهانة بقدرات مملكة البحرين. هي دولة صغيرة لكنها قادرة على الإبتكار ويشهد لها التاريخ بذلك".