دول الخليج تتبنى الطاقة الكمية
يُفيد الخبراء بأن الحوسبة الكمية تُبشّر بانطلاقة تحولية جديدة على صعيدي الابتكار والأمن في الشرق الأوسط.
إذ يمكن أن يستخدِم الحاسوب الكمي آليات كميّة لمعالجة أعدادٍ هائلة من البيانات نظراً لقدرته على العمل في حالات متعدّدة في آن واحد والقيام بعمليات حسابية بطرق جديدة وفعّالة لا يُمكن إنجازها باستخدام الحواسيب الحالية التقليدية.يُفيد سيمون فيرناكيا، الشريك المسؤول عن البنية التحتية الرقمية والأمن السيبراني في شركة "بي دبليو سي" للاستشارات الإدارية في الشرق الأوسط، أنه يُمكن تطبيق الحوسبة الكمية للتعامل مع التحديات في مجال البحوث في دول الخليج.
يقول فيرناكيا الذي يعمل لدى فرع الشركة في دبي: " توفّر الحوسبة الكمية تطبيقات في كل قطاع تقريباً، ويمكنها أن تعزّز أداء تقنية الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات".
تعتبر المنشآت الصناعية وأبحاث الطاقة والطقس وكفاءة استخدام الطاقة وتحسين الاستثمار مجرّد أمثلة قليلة على القطاعات والمجالات التي يمكن أن تستفيد من الأتمتة شبه الآنية في عملية اتخاذ القرارات المعقّدة.
يضيف الخبير من شركة بي دبليو سي قائلاً: "يجب أن تواظب المنطقة على متابعة التطوّرات التي يشهدها هذا المجال، خصوصاً أن الشركات الكبرى والحكومات تستفيد حالياً من الرؤى الآنية للذكاء الاصطناعي. إذ يُعدّ تطوير تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي أمراً بالغ الأهمية، ومن شأن التأخّر في مواكبة هذه التكنولوجيا التحوّلية أن يضعف القدرة التنافسية لدى الشركات المحلية".
اعتماد الحوسبة الكمية
أطلقت جامعات في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة مجموعات بحثية في الحوسبة الكمية للمساعدة في إثراء المعرفة المحلية بشأن هذه التكنولوجيا التي من المتوقّع أن تغيّر العالم.
غير أن فيرناكيا يقول إن هناك الكثير مما يتعيّن القيام به من أجل ضمان اعتماد دول الخليج للحوسبة الكمية والاستفادة من كل المزايا التي توفّرها.
يُنوّه الخبير كذلك أن على المنطقة الاستمرار في الاستثمار في الأبحاث المتعلّقة بالحوسبة الكمية والتشفير المقاوم لهجمات الحواسيب الكمية وتطبيقاتها، وذلك للاستفادة بأكبر قدر ممكن من المزايا التي ستجلبها هذه التكنولوجيا الجديدة للمنطقة ولحمايتها من المخاطر المحتملة.كما حثّ فيرناكيا حكومات دول الخليج على تزويد المتخصّصين المحليين بالمهارات اللازمة لزيادة عدد الأبحاث الكمية في التطبيقات الاستراتيجية والتجارية والتقنية.
يقول خبير شركة بي دبليو سي: "إن إقامة التحالفات الصحيحة مع الروّاد العالمين في مجال الحوسبة الكمية يعدّ خطوة مهمّة أخرى لبناء استراتيجية تقنية قابلة للتطبيق في المنطقة".
ومع أن بيئة الحوسبة الكمية العالمية ما تزال في مراحلها الأولى، إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة تتواصل مع الشركات التقنية العالمية العملاقة بهدف إبرام شراكات مبكرة معها. كما تستثمر كبرى شركات تقنية المعلومات الأمريكية مثل "آي بي إم" و"غوغل" و"مايكروسوفت" في أبحاث الخليج المتعلّقة بالحوسبة الكمية.
وقد أبرم مؤخراً وزير دولة الإمارات للذكاء الاصطناعي شراكة مع شركة "دي ويف" (D-wave) الكندية لإدخال أول حاسوب كمي في المنطقة إلى متحف دبي للمستقبل.
كما أعلنت "هيئة كهرباء ومياه دبي" (ديوا) في يونيو/ حزيران 2018 عن خططها للعمل مع شركة مايكروسوفت للبحث عن حلول تعتمد على الحوسبة الكمية من أجل التعامل مع مسألة تحسين استخدام الطاقة عن طريق الحوسبة الكمية التي تتميز بقدراتها مقارنةً بالحواسيب التقليدية الحالية، لتكون أول مؤسسة تشارك في "برنامج الحوسبة الكمية من مايكروسوفت" خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
من جانبه علّق أنس حاج قاسم، كبير استشاريي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتحوّل الرقمي في شركة الاستشارات والأبحاث "فروست آند سوليفان" قائلاً: "لا شك أن الحواسيب الكمية ستوفّر طاقة حسابية غير مسبوقة من أجل حل المشكلات المعقدة وستكون أسرع بكثير من الحواسيب الحالية ذات الطاقة العالية".
وقد شبّه قاسم التطوّر الذي يشهده قطاع الحوسبة الكمية بـ "السباق إلى القمر".
موضّحاً أن: "الغلبة في هذا السباق ستكون للدول التي تنجح في تطوير أعقد أساليب التشفير وفك التشفير، بينما سيتولّى القيادة في هذا المجال أشخاص يُحدثون ثورة في مختلف القطاعات والصناعات ويدفعون بالاقتصاد قدماً".
منوهاً أنه: "من الضروري أن تتبنى حكومات الخليج قوّة الحوسبة الكمية للحفاظ على الأمن السيبراني الوطني، لأن الحواسيب الكمية في نهاية المطاف يمكنها أن تجد ثغرةً في أساليب التشفير التقليدية".
من المتوقّع أن تكون دول مجلس التعاون الخليجي من أولى الدول التي تطلق تقنية شبكات الجيل الخامس، كما ستفسح المجال للابتكارات المتطوّرة مثل المركبات ذاتية التحكم وأجهزة إنترنت الأشياء وأنظمة التحكّم الصناعية في السنوات القليلة القادمة.
وبما أن دول مجلس التعاون الخليجي ستكون من أوائل المستخدمين لهذه التكنولوجيا، فهي مهيّئة تماماً لتصبح رائدة في تسويق الحلول الأمنية القائمة على التقنيات الكمية.
من جهة أخرى، صرّح ويـزلي شـوالييه، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة الأبحاث "تحسين للاستشارات" قائلاً: "لن تظهر معظم حالات استخدام الحوسبة الكمية إلا بعد انتشار هذه التكنولوجيا، فهناك قلق حقيقي لدى دول مجلس التعاون الخليجي بأن تفوّت فرصة استغلال هذه التقنية لأن احتمالات استخدامها لا حصر لها وغير معروفة في الوقت نفسه".
وأضاف: "قد يؤدي تأخّر أي دولة في مواكبة واستغلال الحوسبة الكمية إلى مخاطر عكسية، فهناك احتمال حقيقي أن يسأل قادتها بعد عشر سنوات عمّ كان سيحدث إن أقدموا على الاستفادة منها في وقت أبكر."