صعيد مصر يشهد ولادة بيئة حاضنة للشركات الناشئة
يسعى رواد الأعمال في صعيد مصر الذي يبعد 500 كيلومتر عن القاهرة جنوباً، إلى محاكاة مشهد ريادة الأعمال المزدهر في العاصمة. وفي الشهر الماضي، جاء رواد أعمال صاعدون من مختلف محافظات الصعيد الأربع: أسيوط وسوهاج والمنيا وقنا، لحضور أسبوع "رايز آب" RiseUp، وهو هاكاثون أنشأته "رايز آب" التي تنظِّم أحد أكبر فعاليات الشركات الناشئة في الشرق الأوسط.
وعلى أمل الحصول على فرصة ربح تمويل بقيمة 30 ألف جنيه مصري (1700 دولار)، شهدت الفعالية إعلان خمسة فائزين من كل محافظة من المحافظات الأربع.
يقول محمود الهاني مدير مشروع أسبوع "رايز آب" إن "شعارنا لأسبوع رايز آب هو ‘أنظروا جنوباً’ ونحن أردنا أن ننظر جنوباً لأننا نؤمن بأن الجنوب غني بالموارد. فالناس نشيطون جداً وشغوفون ولكنهم بحاجة إلى التطوير والمهارات".
تتركّز معظم الفرص والموارد في مصر في القاهرة والإسكندرية وبالتالي فإن الصعيد مهمّش تاريخياً حيث يعتمد بشكل رئيسي على السياحة والزراعة لتحفيز اقتصاده. ووفقاً للبنك الدولي، يبلغ معدل الفقر في هذه المنطقة ثلاثة أضعاف معدّله في المدن الكبرى في مصر، بينما تبلغ البطالة معدلات أعلى من المناطق المصرية الأخرى وكذلك الفجوة بين الجنسين أعلى في الصعيد من باقي المناطق.
وفي ظل هذا الوضع، يعتقد كثيرون أن ريادة الأعمال هي اليوم فرصة جنوب مصر لتحسين اقتصاده.
يجذب الصعيد، مدعوماً بحزمة مالية بقيمة 1.5 مليار دولار موجّهة نحو تنمية محافظاته الأربع، المزيد من الاهتمام. وقد حصد أسبوع "رايز آب" اهتماماً من مستثمرين في القطاعين الخاص والعام على السواء.
يقول محمد فاروق، الرئيس التنفيذي لـ"نايل إينجلز" Nile Angels، وهي شبكة مستثمرين أفراد تأسست عام 2018 لدعم الشركات الناشئة في الصعيد، "ندرك وجود فرصة في صعيد مصر، فالعقلية بدأت تتغير ولكن بعض الشركات الناشئة لا تستطيع العثور على مستثمرين". ويضيف "لذلك فكرنا بأن يكون لدينا شبكة مستثمرين هنا كي نكون على مسافة قريبة من الشركات الناشئة ونستثمر فيها".
وبدأت الفرص التي يزخر بها الجنوب تجذب اهتمام أول شبكة استثمارية في الشرق الأوسط "كايرو إينجلز" Cairo Angels ، التي تضم في محفظتها شركات مثل "سمبلكس" Simplex وهي شركة ناشئة في الصعيد تقدم للسوق المصرية حلولاً صناعية وآلات توجيه تعتمد التحكم الرقمي بالكومبيوتر للصناعيين.
ومن أكثر الشركات الناشئة نجاحاً التي نشأت في هذا الجزء من البلاد هي "إلكتروبيكيا" Electrobekia التي تجمع المخلفات الإلكترونية وتعيد تدويرها وقد حصلت على تمويل بقيمة 100 ألف جنيه مصري من مركز ريادة الأعمال والإبتكار التقني TIEC.
تقول صفاء يوسف، مديرة التطوير في "إلكتروبيكيا" "قررنا إطلاق شركتنا الناشئة هنا لأننا نعرف مفاتيح الدخول ولدينا دراية بالمنطقة وفي القاهرة والإسكندرية يوجد من يعمل على هذا النوع من المشاريع على عكس الصعيد حيث المنافسة أقل".
تعمل الشركة في الوقت الراهن في قنا وسهاج وأسيوط وتخطط للتوسّع إلى الأقصر وأسوان.
ولكن صحيح أن المنافسة أقل ولكن ثمة مشاكل أخرى تتمثل في نقص التمويل والمهارات والتوجيه.
ويشرح محمد حجازي، معاون الاستثمار في "كايرو إينجلز" أن "ما وجدناه في صعيد مصر هو أن الناس متعطشون فعلاً لأي نوع من الإرشاد والتوجيه. ويوجد إمكانيات كبيرة ولكن ما يحتاجه الناس هنا هو تركيز على التدريب والبرامج الهادفة إلى تطوير القدرات".
بالفعل، فالقدرات والأفكار التي لديها إمكانية التقدّم، تنتقل إلى القاهرة أو الإسكندرية لتنطلق.
أحد الأمثلة على ذلك "ذا ميل كيت" The Meal Kit، وهي شركة ناشئة تقدّم مكوّنات جاهزة ووصفات غذائية حسب الطلب وحسب الكمية المطلوبة لإعداد الأطباق خلال ثلاثين دقيقة. وقد نشأ أحمد فؤاد المؤسس الشريك لـ"ذا ميل كيت" في صعيد مصر ودرس هناك ولكن انتهى به المطاف يؤسس شركته في القاهرة.
ويقول فؤاد "حين بدأنا ذا ميل كيت، لم يكن من الممكن فعل ذلك هنا. كانت الفكرة جديدة نسبياً في مصر لذلك كان علينا إطلاقها في مكان يتبنّاها وهو القاهرة. فالناس في مصر يتمتعون بقدرة شرائية أعلى ويدفعون أكثر على طعامهم من أي منطقة أخرى في مصر. كذلك ثمة ميل لتبنّي التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية في القاهرة أعلى مما هو عليه في صعيد مصر".
ونضوج القاهرة لا يُحد بقدرتها الشرائية بل إن البيئة الحاضنة لريادة الأعمال فيها أكثر نضوجاً ولديها فرص أكثر للتمويل والإرشاد وتطوير المهارات.
ويضيف فؤاد أن "إطلاق الشركات الناشئة والتمويل بدأ في القاهرة حوالي عام 2011 و2012. وازدهرت البيئة الحاضنة هناك وهي أفضل بكثير اليوم. غير أنه في صعيد مصر، يبدو الوضع وكأننا في القاهرة في عام 2011".
أشار العديد من المشاركين في الهاكاثون إلى أن أحد المشاكل الرئيسية التي يواجهونها هي السفر إلى القاهرة للمشاركة في ورش العمل والفعاليات التي تحصل هناك. من بين هؤلاء طارق رجب وهو عضو في فريق فائز والذي كانت فكرته تتمثل في إطلاق خدمة توصيل عند الطلب في صعيد مصر.
يقول رجب إنه "حين كنّا نبحث عن حاضنات أو مسرّعات، مثل فلات6لابس، وجدنا أنها تتطلّب منّا التواجد في القاهرة للمشاركة في برنامج من أربعة أشهر. وسعينا وتقدّمنا للمشاركة في كل فعالية أو مسابقة تنظّم هنا مثل أسبوع رايز آب".
في المقابل، تبدو الحكومة المصرية متحمّسة لتطوير البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في صعيد مصر وهي تشجّع فعاليات مثل هاكاثون "رايز آب" أملاً بولادة شركات ناشئة تحلّ مشاكل خاصة بالمنطقة.
ويقول حجازي "نتوقع أن تولد المزيد من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية ولكن حتى الآن ما نراه هو شركات ناشئة تحاول تقليد أفكار في القاهرة وهو أمر لا أوصي به أبداً لأن صعيد مصر لديه مشاكله الخاصة لذلك إذا ركزت الشركات الناشئة أكثر على التكنولوجيا الزراعية، فثمة فرصة كبيرة أمامها".
يعتقد آخرون أن صعيد مصر أفضل من غيره أيضاً لتطوير حلول التكنولوجيا المالية لأن معظم السكان الذين لا تبلغهم خدمات المصارف أو ليس لديهم حسابات مصرفية موجودون في الجنوب.
ويقول أحمد عادل، مرشد الأعمال في "فكرتك شركتك"، وهي مبادرة وزارة الاستثمار والتعاون الدولي الهادفة إلى دعم رواد الأعمال في جميع أنحاء مصر إن "الصعيد لا يزال بحاجة إلى الكثير من العمل. فالناس متحمّسون جداً ويرغبون فعلاً في التعلّم. والسوق التي تفتقد إلى الخدمات، تعاني من المشاكل وبالتالي ثمة فرص أمام رواد الأعمال لكي يزدهروا. وهم بحاجة فقط إلى الخبرة والمعلومات. فهم من يمكنهم حل مشاكلهم".
ومع إنشاء المناطق التكنولوجية لـ"واحة السليكون" في أسيوط وأسوان، وتنظيم فعاليات مثل أسبوع "رايز آب" وتزايد اهتمام الحكومة والمستثمرين بصعيد مصر، فإن نضوج البيئة الحاضنة في هذه المنطقة بات مسألة وقت.
تلخّص ماجدولين عزيز، إحدى المشاركات في الهاكاثون الوضع بالقول إن "القاهرة قد تضم فرصاً أكثر، ولكن بالنسبة إليّ لا أريد الانتقال والعيش هناك أو بدء شركتي الناشئة هناك. فالجميع يتجّهون إلى القاهرة بحثاً عن العمل والشركات الناشئة ولكننا في الواقع نحتاج إلى ذلك في صعيد مصر. القاهرة مشبعة وهنا في الصعيد نحن بحاجة للعمل وخلق فرص عمل لأنفسنا".