طفرة تطبيقات توصيل الطعام تحدث تغييراً جذرياً على قطاع المطاعم وصناعة الأغذية في المنطقة
تشكّل تطبيقات توصيل الطعام محفّزاً للتغيير في المطاعم. فما بدأ كاستجابة للطلب على الراحة والتنوّع غيّر الآن سلسلة التوريد بدءاً من التسويق إلى التحضير إلى شكل المطاعم وتصاميمها.
في السنوات القليلة الماضية، تغيّر روتين تناول الطعام بشكل جذري. فمع التطوّر الذي جعل ذلك على بعد نقرة واحدة، أصبح عدد متزايد من رواد المطعم يختارون تجاوز الأطباق القذرة وطلب الطعام إلى حيث يتواجدون. ففي الولايات المتحدة، يشير 3 من أصل 5 أشخاص من جيل الألفية إلى أنهم يستخدمون أحد تطبيقات طلب الطعام، وهو عدد يتزايد عبر الفئات السكانية. أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن 60% من مستخدمي الهواتف الذكية لديهم تطبيقات خاصة بالطعام على أجهزتهم، و50% منهم يستخدمونها لطلب الطعام عبر الإنترنت. من الواضح إذاً، أن نماذج توصيل الطعام التي تستعمل الهواتف الذكية فرضت تحولاً كبيراً في القطاع ليس على صعيد طريقة التوصيل فحسب. فهيمنة تطبيقات توصيل الطعام تؤثر على جميع جوانب صناعة الأغذية والمشروبات بالتجزئة.
بدأ التغيير في هذا القطاع بنقرة، مع انتشار تطبيقات التوصيل نفسها. ونحن نشهد كل أسبوع ولادة تطبيقات جديدة يحاول كل منها أن يميّز نفسه بخيارات مثل مقارنات المطاعم أو عروض مخصصة ومكافآت. وحتى تطبيق "كريم" Careem انضم أخيراً إلى لعبة التوصيل، مبرراً ذلك بزيادة الطلب في المنطقة.
يقول أديب وارسي، المدير الإداري في "كريم ناو" Careem NOW إنه "من المتوقع أن ينمو سوق توصيل الطعام في البلدان التي يستهدفها 'كريم ناو' إلى حوالي 25 مليار دولار بحلول عام 2022 حيث ينعكس الاتجاه العالمي لكيفية طلب الطعام على منطقتنا. وبالمقارنة مع الأسواق الأكثر تقدماً مثل أميركا الشمالية وأوروبا، لا تزال هناك إمكانات هائلة للنمو في هذا الجزء من العالم".
غير أن تطبيقات التوصيل ليست سوى غيض من فيض عندما يتعلق الأمر بهذا التحوّل في القطاع. فمع تغيّر مشهد خدمات التوصيل، لا بد أن يتغيّر تصميم المطاعم أيضاً. ومع تزايد طلبات توصيل الطعام، أصبح يتعيّن على المطاعم تكريس المزيد من الوقت والمساحة لتلبية طلبات المنازل، مما يتسبب في تغيير الأولويات. فالموقع والإقبال، اللذين يعتبران متغيّران يحركان التكاليف التشغيلية بشكل ملحوظ، أصبحا اليوم أقل أهمية نظراً لأن تطبيقات التوصيل تجعل الموقع أمراً ثانوياً.
وعلاوة على تحرير نفسها من المواقع ذات الإيجار المرتفع، تبحث المطاعم عن الاستثمار في المطابخ الصناعية وحتى مطابخ "التوصيل فقط" أو المطابخ "السحابية" التي تشبه إلى حد كبير مساحات العمل المشترك. فالعمل من مطبخ مركزي في منطقة منخفضة الإيجار أكثر فعالية من حيث التكلفة للمطاعم من توسيع عملياتها من خلال مساحة باهظة ومناسبة للزبائن أو مواقع إضافية.
تعمل خدمة المطابخ هذه على تلبية الطلب المتزايد للعملاء على طلب الطعام، وغالباً ما تقدم الطعام من عدد من المطاعم المختلفة من مطبخ واحد. والكثير من هذه المطابخ مملوكة أو تقيم شراكة مع تطبيق توصيل، مما يجعل عملية توصيل الطعام من المطبخ إلى موقع العميل عملية انسيابية واحدة. وقد أدرج صندوق "فيفث وول" Fifth Wall المخاطر في الآونة الأخيرة هذا القطاع كواحد من القطاعات الستة التي يجب مراقبتها في العام الجاري، متوقعاً أن تشغل مطابخ التوصيل أكثر من 20 مليون قدم مربع في الولايات المتحدة فقط بحلول عام 2022.
وتشغّل "كيتوبي" Kitopi الناشئة التي تتخذ من دبي مقراً لها مطابخ تعمل فقط في مجال التوصيل، وتقول إن هذه الميزة لا تقتصر على توفير التكاليف. فمع مطابخ التوصيل فقط، سيشعر العملاء بتحوّل في تنوّع المطاعم المتاحة لهم.
ويقول مو بلّوط الرئيس التنفيذي لـ"كيبوتي" إن "تطبيقات ومنصات التوصيل لعبت دوراً رئيسياً في ظهور مطابخ التوصيل فقط. فهي أدوات رائعة للعملاء لاكتشاف الطعام في المناطق المجاورة والحصول على تقييمات غير متحيزة من عملاء آخرين. فعندما يفتح مطبخ "كيبوتي" في منطقة جديدة، يحصل المقيمون في تلك المنطقة على إمكانية الوصول إلى 15 مطعماً جديداً في الليل من تلك التي كان عليهم الانتقال للوصول إليها في السابق.
عندما يتكيف مطبخ المطعم مع الزيادة في طلبات التوصيل، فإن المساحة المخصصة للزبائن الداخلين يجب أن تتغيّر أيضاً. ولاحظ القيّمون على مطاعم "كاي كال" KCal التي تتخذ من دبي مقراً لها، وتعتبر خياراً شائعاً للتوصيل الصحي، تحولاً ملحوظاً في السنوات القليلة الماضية.
يقول مارك كارول، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"كاي كال" إنه "عندما فتحنا أبوابنا لأول مرة في أبراج بحيرات جميرا عام 2010، ركزنا على تناول الطعام داخل المطعم، ولكن مع التحوّل الذي تشهده السوق، زدنا مساحة مطبخنا مما أدى إلى تقليل المساحة المخصصة لعملائنا من أجل استيعاب الزيادة في طلبات التوصيل".
وفي حين قد يشعر الزبائن الذين يفضلون أن يقصدوا المطعم بأنهم أصبحوا فئة ثانوية، فإن مطاعم مثل "كاي كال" تستخدم الهدوء الذي تتميّز به مساحات تناول الطعام لديها لصالحها.
يقول كارول: "نحن الآن بصدد إعادة تصميم متجرنا الرائد ليأخذ طابع المقهى المريح ويلبّي ارتفاع عدد العملاء بشكل عام في دبي. غير أن أعمال التجديد التي نقوم بها ستوفّر أماكن إقامة خاصة لسائقينا وستتضمن إنشاء مركز لفريق التوصيل لدينا". في الواقع تشهد صناعة الخدمات الغذائية تغيراً مستمراً، وكما هو الحال مع أي صناعة تشهد تغييراً، فقد أصبحت مهداً للإبداع. فشركات تطبيقات التوصيل تقفز الآن إلى الإعداد الفعلي للطعام حيث أعلنت "ديلفرو" Deliveroo مؤخراً عن افتتاح أول مطعم لها. وبالتوازي تعمل "أوبر إيتس" UberEATS مع 1600 مطعماً افتراضياً في جميع أنحاء العالم ليس لها وجود مادي ولا توجد إلاّ على تطبيق UberEATS.
وبقدر ما تحول هذا القطاع بالفعل، فإن مستقبل تناول الطعام يأخذ تكنولوجيا التوصيل إلى المرحلة التالية. فالعديد من الشركات، بما فيها "كريم ناو"، تقوم بتجربة استخدام الطائرات بدون طيار للتوصيل، وأخرى تتطلع إلى الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بأنماط الطلبات والتعامل مع مشاكل خدمة العملاء، والبعض الآخر يركز على سلامة الأغذية أثناء النقل، مع تغليف مهني ومحترف وإشعارات تصدر عندما لا يتم تسليم الطعام بسرعة.
مع اختيار رواد المطاعم تجاوز الطهي، قد يتصور المرء أن المستقبل للمطابخ السحابية مجهولة الهوية والمطاعم التي لا يوجد فيها مقاعد، ولكن مارك كارول لا يعتقد ذلك. فبرأيه "لن نبتعد عن أسلوب تناول الطعام داخل مطعم. لأننا نعتقد أن جزءاً هاماً من اتخاذ نمط حياة صحي لنا هو أن يكون لدينا حياة اجتماعية صحية".