حين تخفق الشركات الناشئة
قبل قرن من الزمن، قال هنري فورد إن الفشل هو ببساطة فرصة للبدء من جديد وهذه المرة بذكاء أكبر. وبالفعل عمل الكثير من رواد الأعمال بنصيحة صانع السيارات الأسطوري، وتجاوزوا الصعوبات الأولى التي واجهتهم قبل الوصول إلى النجاح. ولكن مفهوم قبول الفشل والتصالح معه لا يلقى قبولاً كبيراً في قطاع الشركات الناشئة في المنطقة وهو ما يزيد من فرص انهيار الشركات.
يقول بي كاي غولاتي، رائد الأعمال والمستثمر المستقر في دبي، إنه "حين يصبح الناس رواد أعمال، فهم تقريباً يدربون أنفسهم على عدم وضع الفشل في حساباتهم. فكما الرياضيون الذين يفكرون فقط في الفوز، لا يعتبر هؤلاء الفشل خياراً". ويضيف "في العالم الواقعي، مهما عملنا جاهدين فإن الفشل دائماً وارد. وحين يحصل ذلك يكون رائد الأعمال غير حاضر للتعامل مع الموقف ويفشل بقوة. هناك ثمن شخصي كبير جداً، عادة ما يحرق رائد الأعمال إلى درجة أنّه يتوقف عن اعتبار ريادة الأعمال الخيار المناسب لمسيرته المهنية".
لا شك أن ريادة الأعمال صعبة، حيث وجدت دراسة أميركية شملت 3200 شركة ناشئة تكنولوجية من التي تحقق نمواً عالياً، أن 90% منها أخفقت في السنوات الثلاثة الماضية.
وللإجابة على سؤال: لماذا تخفق العديد من الشركات الجديدة، لجأنا إلى شركة "أوتوبسي" Autopsy لتحليل البيانات ومقرها لندن والتي لديها أكبر قاعدة بيانات حول فشل الشركات الناشئة عالمياً بدءاً من مرحلة ما قبل التمويل التأسيسي مروراً بالجولة "أ" وما بعدها، لجمع بيانات لـ"ومضة" بشكل حصري.
حلّلت "أوتوبسي" أكثر من 60 شركة ناشئة فاشلة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا لا سيما في السعودية ومصر والإمارات وإيران، وذلك بهدف تحديد الأسباب المشتركة للفشل. وكان السبب الأكثر شيوعاً هو: عدم وجود حاجة في السوق (27.3%) تلاه: الفريق الضعيف وغير القادر على المنافسة (13.6% للإثنين). وذُكِر التسويق الضعيف، والصعوبات القانونية وغياب الوعي في السوق المحلي كأسباب مشتركة أيضاً وكل منها بنسبة 9.1%. أما التغيير في السوق وغياب التركيز وتجاهل العملاء والمنتج الضعيف فحلّت أخيراً بنسبة 4.5%.
وفي العينة المدروسة كانت القطاعات الأكثر تمثيلاً هي التجارة الإلكترونية والإعلان والبرامج. وكانت الشركة الأكثر تمويلاً في العينة هي "زيبوكس" Zibox Inc وهي سوق يشتري الأشياء المستعملة ويبيعها وحصلت على 1.9 مليون دولار كتمويل تأسيسي.
تقول مريم مزراحي، مؤسسة "أوتوبسي" والمديرة التنفيذية إنه "كان ثمة اتجاه لنسخ نماذج أعمال لشركات ناشئة ناجحة في أوروبا والولايات المتحدة لإرضاء أذواق الجمهور الشرق أوسطي". غير أن هذه النماذج الناجحة لن تنجح بالضرورة في أماكن أخرى، ومن هنا يأتي غياب الحاجة في السوق كسبب أشارت إليه أغلبية الشركات الناشئة لفشلها.
ماجستير في الشركات الناشئة
اليوم تتبوأ ندى زاغالاي، مديرة التسويق في "أوبر" الشرق الأوسط، إلاّ أنها بدأت مسيرتها الريادية في "متجر صدى" Sada Shop، أحد أوائل متاجر التجارة الإلكترونية في المنطقة. أسس الشركة مصممان سعوديان عام 2009 بهدف إنشاء منصة تسوّق متطورة. وانضمت زاغالاي إليهما حين كانت في الـ26 من العمر كمؤسسة مشاركة ومديرة قبل أن تطلق الشركة عملياتها.
وتضيف زاغالاي إنه "خلال ثلاث سنوات تقريباً بنينا قاعدة عملاء ومخزوناً وقمنا بتحسين محتوى موقعنا وطوّرنا وجودنا في الشبكات الاجتماعية. وبلغنا أوج عملنا في 18 شهراً من انطلاقنا. وبعد ذلك بدأ وقودنا ينفذ ولم يعد لدينا تمويل. حاولنا الحصول على المزيد إلاّ أنه في تلك الفترة أي عام 2012، لم يكن ثمة بيئة حاضنة لريادة الأعمال".
وأغلقت الشركة أبوابها في العام التالي.
تقول زاغالاي: "شعرت بخسارة عاطفية فقد كانت الشركة بمثابة طفل لي. أمضيت ثلاث سنوات أبنيها كي أغلقها في ثلاثة أسابيع. شعرت بالإحباط. وكنت يومها أصغر سناً ولكنّي لم أكن مجهّزة بالعقلية المناسبة لكي أفهم أنّي قادرة أن أستعد بشكل أفضل لهذه التجربة".
واليوم، تصف الفترة التي قضتها مع "صدى" بأنها بمثابة شهادة ماجستير نالتها في الحقل الرقمي، حيث جهّزتها بالمهارات التي أثبتت فائدتها وقيمتها في عملها اللاحق. وتوضيح: "كانت تلك دراستي في مجال الأعمال. لا أندم، ورغم أنّي كنت سأغيّر الكثير إلاّ أنّي لم أكن لأقايض شيئاً".
ولدى الطلب منها تقديم نصيحة لمؤسسي الشركات الذين يواجهون إمكانية الفشل في مرحلة انطلاقهم، تقول "تحدثوا إلى شخص مرّ بتجربة مماثلة. فالتماهي مع الآخرين يخفف الألم. واعلموا أنّ الأمر سيمرّ وأنه سيكون بمثابة خطوة تنقلكم إلى شيء آخر. ومع اتجاهكم نحو نهاية شركتكم، ستشعرون أنها نهاية العالم ولكن الواقع أنّها ليست كذلك ولن تكون أبداً كذلك".
نموذج سيئ
مع إغلاق "صدى"، سوّت الشركة التزاماتها ونظراً إلى أنّها تأسست بأموال الأصدقاء والعائلة فقد كانت نهاية "حبّية". ولكن حين يقع الفشل في شركات تدار بشكل غير محترف وغير أخلاقي، قد تكون العواقب وخيمة على جميع الأطراف المشاركين.
من الأمثلة السيئة الذكر في المنطقة كانت شركة "فورترس برايم" Fortress Prime وهي شركة خدمات مالية ادعت أنها مركز مقاصّة رائد في الشرق الأوسط وآسيا. واشتكى الموردون والشركاء من تخلّف الشركة عن الدفع واعتقل مديرها الإداري حامد أحمد البكري بتهمة الاحتيال. وبقي الأخير وهو مواطن أميركي مدان، على لائحة مكتب التحقيقات الفدرالي للمطلوبين والمشتبه بتورطهم بالاحتيال.
وفي شباط/فبراير 2009، استثمرت "إنتل كابيتال" Intel Capital في شركة "كونسيرفوس إنترناشونل" Conservus International في دبي التي تقدّم خدمات لنزلاء الفنادق عبر الإنترنت. وفي أيلول/سبتمبر التالي، تفاخر كمال ناصر، المؤسّس ورئيس مجلس الإدارة، بوجود شركتين أخريين ترغبان في الاستثمار في شركته. وقال إن عملاءه يضمّون سلاسل فنادق مختلفة مثل جميرا وفيرمونت Fairmont وإنتركونتيننتال InterContinental وهيلتون Hilton ورافلز Raffles.
ولكن وراء هذا الغلوّ، كانت الشركة تناضل للوفاء بادعاءاتها، بحسب موظفي سابق رفض الكشف عن هويته.
ويضيف موظف البرمجيات السابق: "بدأت كشركة رجل واحد وبقيت كذلك. لم تكن تدار بشكل جيد. وكانت بيئة العمل صعبة ومتعبة جداً. فلم يكن هناك فريق وراء المنتج. كان لديه (صاحب الشركة) فكرة عن مجال الأعمال وتجربة بسيطة. لذلك لم يكن يستطيع الوصول إلى جهات الاتصال المطلوبة في بعض فنادق دبي ولكنه لم يأبه يوماً لتشكيل فريق قوي لتطوير المنتج بشكل جيد. لهذا السبب فشلت الشركة فهو لم يكن يريد سوى العثور على مستثمر لشرائها".
أغلقت الشركة أبوابها عام 2011، وفقاً لـ"كرانشبيس" Crunchbase. و"كونسيرفوس" كشركات ناشئة كثيرة قبلها، بدت غير مستعدة بشكل مناسب للفشل وهي صفة تلحق ضرراً بالبيئة الحاضنة لريادة الأعمال في المنطقة.
يقول غولاتي إنه "في الغرب، تستخدم الشركات الناشئة التي تفشل، الجزء الأخير من المال المتبقّي لديها لتغلق بشكل قانوني وتدفع للدائنين وتصل إلى تفاهم مع المستثمرين وتشرح ما حصل. فتضمن هذه الشركات ألاّ يبقى عليها أية التزامات عالقة. ولكن هذا الأمر لا يحصل هنا فالناس يواصلون المحاولة حتى اليوم الأخير ومن ثم يديرون ظهورهم ويغادرون. وحينها يترك الشركاء والدائنون والموظفون غير سعداء ويكون لديهم قصة رعب ليخبروها. وبالتالي يمكن لهذه الإخفاقات أن تجعل تأسيس الشركات الناشئة وريادة الأعمال، تبدوان مساراً غير شرعي".
ويصف شركات رأس المال المغامر في الشرق الأوسط بأنها تخشى المخاطرة في هذه المنطقة أكثر من غيرها من المناطق.
ويوضح غولاتي: "يميل هؤلاء إلى التفكير كمستثمرين في الأسهم الخاصة لكنهم يحبّون القول إنهم أصحاب رؤوس أموال مغامرة ويتوقعون الحصول على عائدات من هذه الأموال. نحن جميعاً بحاجة إلى تغيير عقليّاتنا لتحسين بيئتنا الحاضنة. أعرف قصص رعب قام فيها مستثمرون في المال المغامر بمقاضاة مؤسّسين فشلت شركاتهم. فقد تصرفوا بطريقة لا تبت إلى المغامرة بشيء. هذه الأمور شائعة وهي السّمة الغالبة في بئية حاضنة غير مكتملة".
من المرجح للاستثمارات الفاشلة لأصحاب المال المغامر أن تزيد من حيث عددها عن الاستثمارات الناجحة، إذاً ما نوع الدّعم الذي يجب أن يمنحوه لشركاتهم المستقرة.
يقول رمزي إسماعيل مدير "تك ستارز دبي" Techstars Dubai "حين ندخل صفقة استثمارية نعلم أنّها سوف تدرّ علينا من صفر إلى 10 أو 100 ضعف قيمة الاستثمار. فنسبة صغيرة جداً من الشركات ستولد الجزء الأكبر من القيمة للمستثمرين المغامرين". تجدر الإشارة إلى أنه على الصعيد العالمي، ساعدت "تك ستارز" وهي مسرّعة نمو مقرّها الولايات المتحدة، أكثر من 1200 شركة على جمع أكثر من 4 مليارات دولار من التمويل.
ويضيف "بعد أن تعلم ذلك، يكون عليك أن تقرر كيف تخصص وقتك للرياديين. ثمة مدرسة تقول إنك تريد أن تساعد الشركات التي تناضل أكثر من غيرها للوصول إلى المتوسط ـ عادة مع نراها مع الاستثمارات الفردية والمسرعات والاستثمار التأسيسي. وثمة مدرسة أخرى تدعو لإمضاء الوقت على شركات تحقق نتائج جيدة ودفعها قدماً".
وأوسع من ذلك، يحثّ الرياديين على التعلّم من دروس الفشل، فالشركات الفاشلة تعتبر أداة تعليمية جيدة في مناطق أخرى.
ويقول رمزي إن "التواصل المدروس حول الفشل يعدّ جزءاً كبيراً من التعلّم منه، وللأسف في دبي يغيب هذا النهج. فالوصمة ـ وأحياناً العقوبة والتداعيات ـ الناتجة عن الفشل تفوق التعلّم العام منه ما يقود إلى حلقة مغلقة من ردود الفعل".