هكذا أدخلت 'جملون' الأردنية نموذج الطباعة عند الطلب إلى المنطقة
عندما كان علاء السلال في الجامعة، أدرك أنّ هناك حاجة إلى محتوى عربيّ ذي نوعية جيدة في العالم العربي. حين كان يدرس علوم الحاسوب في "جامعة فيلاديلفيا" Philadelphia University في الأردن، جمع 50 متطوعاً بهدف ترجمة كتب "هاري بوتر" Harry Potter إلى العربية. نشر السلال الكتب المترجمة في العام 2007 بالتزامن مع عيد الفطر، فسجّل ما يصل إلى مليون عملية تنزيل في غضون أسبوعين.
يقول السلال لـ"ومضة"، إنّ جاي. كاي. رولينغ (مؤلفة سلسلة "هاري بوتر") "رفعت دعوى ضدي لأنّني لم أكن أمتلك حقوق ترجمة ’هاري بوتر‘، فشكّل الأمر صدمةً بالنسبة لي. اعتذرت منها وقلت إنّني فعلت ذلك لكي أفيد شعبي، فمضى كلّ شيء على ما يرام. ولكنّ هذه التجربة جعلتني أدرك بعض الأمور: إذا توصّلت إلى مليون عملية تنزيل فهذا يعني أنّ هناك سوق للكتب المعرّبة، ولكن المشكلة في الخدمات اللوجستية وتوزيع [النسخ المطبوعة]".
البدايات صعبة دائماً
قبل تأسيس "جملون" Jamalon في عمّان، في تشرين الأول/أكتوبر 2010، مرّ السلال – مثل أي رائد أعمال – في لحظاتٍ عصيبة.
يشرح أنّه "كان عليّ الاختيار بين دراسة الماجستير وتطوير فكرة ’جملون‘، لكنّني قرّرت أن أدرس في ’معهد تكنولوجيا المعلومات في أثينا‘ Athens Information Technology للتعليم والبحوث بالاعتماد على منحة جزئية، وتبقّى عليّ تأمين تكاليف إيجار المسكن. قال لي والدي إنّه سيتكفّل بالإيجار الشهري وغيره من النفقات، ولكنه دخل في غيبوبة ومات بعد ستة أيام".
احتار السلال بين إكمال دراسته أو البقاء مع عائلته، غير أنّ والدته شجعته على متابعة الدراسة. وأثناء إقامته في أثينا، عمل كمهندس أتمتة مع شركة "سي سي سي" CCC (Consolidated Contractors Company) لثماني ساعات في اليوم، وخصص أربع ساعات للدراسة.
وعن إطلاق "جملون"، يقول السلال: "لقد أخبرت أمي بأنني أريد إطلاق ’جملون‘ بعد عامين من العمل مع ’سي سي سي‘ فكان ردّها بأنّني مجنون". ولكنّ الريادي الأردني أطلق الشركة الحلم بعد ترك عمله في أثينا من منزله في عمّان وبجانب عائلته، كما يقول. "كلّ ما كان لدينا هو هاتف أرضي وسيارة فان ورثناها عن والدي إضافة إلى منزلنا، كما كان معي قرابة ألفي دولار أميركي جمعتها خلال العمل مع ’سي سي سي‘. وبما أنّني كنت حجزت نطاق jamalon.com منذ العام 2007، أنشأت موقعاً للتجارة الإلكترونية بـ12 كتاباً".
سوق ذات إمكانات
خلال دراسته الجامعية، كان السلال متطوعاً في الجمعية غير الحكومية "روّاد التنمية" Ruwwad، فتعرف إلى فادي غندور، الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكس" Aramex والشريك العام في "ومضة كابيتال" Wamda Capital، شركة الاستثمار المخاطر التي تتخذ من دبي مقراً لها.
يشير السلال إلى أنّه عند إطلاق "جملون" طلب من غندور أن يصله بشركة "أرامكس"، ويقول: "تلقيت 10 طلبات في أول أسبوعين، وإذا استطعت توصيل 10 طلبات في غضون أسبوعين فهذا يعني أن هناك طلباً على المنتَج، ولكن كنت بحاجةٍ إلى بلورة عمليات الشركة".
بعد شهرين على إبرام شراكة مع "أويسيس 500" Oasis500، للاستثمار في الشركات الناشئة في مراحلها الأولى، حصل السلال على 400 ألف دولار كتمويل لشركته "جملون" من مستثمرين أفراد من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011، استخدم التمويل لبناء مكاتب مستقلة في منطقة اللويبدة التي تعتبر مركزاً ثقافياً في عمّان.
استثمرت "ومضة كابيتال" في "جملون" لأول مرة في آب/أغسطس 2015، حيث قادت جولة التمويل الأولى Series A بمبلغ مليوني دولار.
ويذكر السلال أنّه "في ذلك الوقت، قرّرت إدخال نموذج الطباعة عند الطلب print-on-demand إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بناءً على خبرتي. قصدت أكبر منشآت الطباعة في لندن والولايات المتحدة للاطلاع على آراء قادة قطاع النشر. وبالتالي أحضرت أول منشأة للطباعة عند الطلب إلى دبي، وبدأت خطّ إنتاج في منطقة جبل علي".
يقدّر السلال قيمة قطاع النشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأربعة مليارات دولار، ويشير إلى أنّ "جملون" تستهدف 5% من هذه السوق. إذا صدقت توقعاته، فهذا يعني أنّ المنطقة ليست بعيدة عن مناطق وبلدان أخرى في هذا المجال، مثل ألمانيا التي تقدّر قيمة سوق الكتب فيها وحدها بتسعة مليارات دولار.
تضمّ المنطقة 22 بلداً، ما يعني أنّ السوق فيها مجزأة تفصل بينها الحدود.
لا يتوقّف السلال عند هذا الأمر، بل يرى أنّه "مع الطباعة عند الطلب، لا أحتاج إلى توحيد العرب في حدود أكبر. نحن نتجاوز الحدود لأننا لا ندفع تكاليف الشحن عبر الحدود، ونوفر حلاً لمسألة تجزئة السوق عبر توفير الطباعة عند الطلب في دبي، وهو ما نأمل توسيعه إلى كافة البلدان العربية".
لا يدفع الناشرون في المنطقة حقوقاً للمؤلفين، ما يفسّر عدم وجود كتّاب يمتهنون الكتابة بدوام كامل، بحسب السلال. غير أن "جملون" تخصص 25% من الأرباح لصاحب المنشورات، ما يعني أنّها تساهم في تحفيز الكتّاب العرب.
طوّرت "جملون" نموذج الطباعة عند الطلب الذي تديره، وهي تهدف إلى أن تصبح عملياتها في المنطقة مشابهة لعمليات "ماكدونالد" McDonald، بحسب السلال الذي يشرح أنّه "عندما يطلب أحدهم من ’ماكدونالد‘ تتحدى الشركة نفسها لتوصيل الطلب في غضون 30 إلى 60 دقيقة. وإذا كان لديك خدمة للطباعة عند الطلب في كلّ بلد، ستصبح عملية التوصيل السريع هدفاً أساسياً".
الاتفاقيات وتطوير الأعمال
توفّر "جملون" اليوم 10 ملايين كتاب باللغتين العربية والإنجليزية على منصّتها، ولديها تواصل مع أكثر من 3 آلاف ناشر عربي في وقتٍ تشكّل فيه الكتب العربية 80% من مجمل مبيعاتها. وفي حين تدير الشركة مراكز خدمة في عمّان وبيروت ودبي وحتى لندن، فهي تُعتبر الشركة الأولى من نوعها التي توفر الطباعة عند الطلب في المنطقة. أما السلال، فقد ساهم في نجاح "جملون" لأنه التزم بتحقيق رؤيته مهما كان الثمن.
في شهر آذار/مارس الماضي، وقّعت "جملون" اتفاقية للطباعة عند الطلب مع شركة "لولو" Lulu العالمية في مجال النشر الذاتي، بهدف توفير مليوني كتاب جديد للقرّاء العرب. كما وقّعت "جملون" في الشهر نفسه اتفاقية مع دار النشر الألمانية "أومني سكريبتوم" Omniscriptum الرائدة في أوروبا، لتمكينها من دخول سوق الشرق الأوسط، وذلك بعدما أدرك القيّمون عليها أنّ التعامل مع "جملون" يكلف أقلّ من شحن الكتب من فرانكفورت إلى الشرق الأوسط مع شركة "دي إتش إل" DHL.
بالإضافة إلى ذلك، يكشف السلال أنّ "جملون" تريد التوسّع في السوق السعودية وإنشاء مركز خدمة فيها لتوسيع نموذج الطباعة عند الطلب.
يقول الريادي الأردني إنّ "ما يجعلني أكثر صبراً على ’جملون‘ هي القيمة التي توفرها هذه الشركة، فأنا أعتبرها رسالة أؤديها لشعبي وبلدي. أحب العمل والعيش مع المتعلمين، فهذا ما يحفّزني كلّ يوم". ويختم قائلاً: "لقد كانت هذه الرحلة مليئة بالتقلبات، ولكن من المؤكد أنّها ليست رحلة سهلة".