قصة شركة تعمل على تخفيض بصمة الكربون في الإمارات
كارل فيلدر هو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة "نيوترل جروب" The Neutral Group العاملة في مجال التكنولوجيا النظيفة. وسبق أن باع أول شركة أسّسها إلى "مايكروسوفت" في العام 1995. وعلى مدى العقد التالي، أسس كارل فيلدر أربع شركات أخرى ووسّعها وباعها في المملكة المتحدة، وامتلك شركة خامسة عامة في جنوب أفريقيا. كانت هذه الشركات الخمس تُعنى جميعها بمجال التكنولوجيا.
في العام 2006، بينما كان كارل يفكر مليّاً في خطوته التالية، شاهد الفيلم الوثائقي الحائز على جائزة أوسكار "حقيقة مزعجة" An Inconvenient Truth الذي تطرق إلى موضوع التغيير المناخي. وبعد أن أدرك كارل أن العالم لا يفعل ما يكفي لمحاربة مشكلة الاحتباس الحراري وما يترتب عنها من أضرار، قرّر توجيه طموحه وعمله الريادي لمساعدة كوكب الأرض.
الديزل الحيوي يخفّض بصمة الكربون
بعد أشهر قليلة، أنشأ فيلدر مكتباً لمجموعة "نيوترل جروب" في إحدى طبقات المقر الرئيسي لشركة "دي إتش إل" DHL بالمملكة المتحدة، حيث بدأ من هناك في مساعدة شركة اللوجستيات في الحد من بصمة الكربون في جميع أنحاء العالم. جاء فيلدر إلى دبي في العام 2009 بالنيابة عن "دي إتش إل"، وكان الهدف من زيارته التعاون مع دائرة التنمية الاقتصادية في إعداد استراتيجيات للحد من معدلات الكربون في الإمارة. وفي العام 2010، أطلق فيلدر شركة "نيوترل فيولز" Neutral Fuels خصيصاً من أجل المساعدة في تقليل بصمة الكربون لقطاع النقل في دبي.
عن هذه المبادرة يقول فيلدر: "عند التفكير في إحداث تأثير ضخم وسريع على مشكلة بصمة الكربون، كان الطريق الوحيد أمامنا هو الوقود الحيوي وتحديداً الديزل الحيوي الذي يمكن الاعتماد عليه بسرعة وسهولة شديدة. كما يمكن استعماله في الآليات الحالية من دون إدخال أية تعديلات عليها".
الديزل الحيوي هو عبارة عن بديل للوقود يتم إنتاجه عبر تحويل الزيت النباتي أو الدهن الحيواني أو مخلّفات زيت الطهي. ويمكن استخدام هذا الوقود وحده أو ممزوجاً مع الديزل العادي.
وبما يتفق مع رؤية 2021، تتجه الإمارات الآن إلى اتباع ممارسات اقتصادية أكثر استدامة. وعلى صعيد الوقود الحيوي، تقود التغيير شركات أبرزها "تدوير" Tadweer و"مجموعة لوتاه" Lootah Group وبالطبع "نيوترل فيولز".
يضيف فيلدر: "ظنّ كثيرون أنّي أصبت بمسّ من الجنون عندما فكرت بالانتقال إلى عاصمة الوقود الأحفوري في العالم والعمل على تطوير وتطبيق استراتيجية لاستعمال الوقود غير الأحفوري؛ ولكن بالنسبة لي كان الأمر بمثابة فرصة عظيمة تدعوني لاغتنامها".
التعاون مع "ماكدونالدز" McDonald’s
في العام 2010، حصلت "نيوترل فيولز" على إذن من دائرة شؤون النفط بدبي (على شكل رخصة تجارية من دائرة التنمية الاقتصادية لإنتاج الوقود) من أجل تصنيع الوقود من النفايات في دبي. وانضمت شركة "ماكدونالدز" - الإمارات إلى المبادرة من خلال تأمين الزيت المستعمل. ومنذ ذلك الوقت، تعتمد آليات توصيل الطعام لدى "ماكدونالدز" في الإمارات على الوقود الحيوي بنسبة 100 بالمئة. وفي حزيران/يونيو 2017، بلغ متوسط المسافة التي يقطعها أسطول "ماكدونالدز" يومياً 5,647 كيلومتر بالاعتماد على الديزل الحيوي الذي يمكن إنتاج ليتر واحد منه باستخدام ليتر واحد من زيت الطهي. ومنذ التحوُّل إلى الديزل الحيوي، نجحت الشركة في خفض معدلها السنوي من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 99 بالمئة.
عن هذه الخطوة، يقول وليد فقيه، المدير العام لـ"ماكدونالدز - الإمارات": "نحن ملتزمون بحماية البيئة من أجل الأجيال المقبلة، وذلك من خلال دعم المبادرات المستدامة الرامية إلى الحد من الكربون. وفي الواقع، إننا ندفع سعراً أعلى مقابل الديزل الحيوي مقارنة بالديزل التقليدي".
وأضاف فقيه أن مبادرة الوقود الحيوي لا تتعلق بتوفير المال بل "هي رسالة تقدير منا للبيئة ومحاولة لخفض انبعاثات الكربون التي تصدرها الشركة". وبما أن الوقود الحيوي بات جزءاً لا يتجزأ من أعمال "ماكدونالدز"، فقد حققت سلسلة المطاعم أعلى مستوياتها في الإنتاجية التشغيلية بعد تعديل نظامها للإدارة اللوجستية بما يتناسب مع استراتيجيتها الجديدة.
ويوضح فقيه أن "عمليات تسليم ونقل المنتجات هي جزء من مسار تبني الوقود الحيوي. ولذلك، فإن التكلفة الوحيدة المترتبة علينا هي ارتفاع سعر الديزل الحيوي مقارنة بالديزل التقليدي، وهو سعر يستحق أن نتحمله بالنظر إلى تأثيره الإيجابي على بصمة الكربون".
تعاونت "نيوترل فيولز" مع "ماكدونالدز" لتنفيذ عملية تدقيق عالية المستوى بغية ضمان ضبط جودة الديزل الحيوي. وبدوره، أشار فيلدر إلى أنهم يفحصون عينات من الديزل الحيوي بشكل يومي وأسبوعي وشهري تحت إشراف السلطات الداخلية والخارجية وذلك لضمان أنها بالجودة المقبولة.
من بين العملاء الآخرين لشركة "نيوترل فيولز" شركة "ديلمونت" Delmonte و"ملتيبليكس" Multiplex. وبعد انضمامهم، يتم توجيه كل عميل إلى محطة تزوُّد بالوقود حيث يتم نقل الوقود باستخدام مضخات مزودة بتقنية النظام العالمي للاتصالات المتنقلة ويتم تسجيل معدل استهلاك الوقود لكل مركبة. ومن ثم، تُرسل البيانات إلى خدمة "نيوترل فيولز" السحابية التي تصدر تلقائياً فاتورة شهرية. يستهلك كل عميل ما معدّله 50,000 إلى 100,000 ليتر من الديزل الحيوي والمخلوط شهرياً.
الوصول إلى العملاء
يعتقد فيلدر أنه لا يزال أمام الإمارات العربية المتحدة طريق طويلة لاستبدال المركبات الخاصة التي تعمل بالوقود الأحفوري. وبعد ست سنوات من العمل في هذا المجال، لا يزال يفكر في مدى فعالية تحويل النفايات إلى وقود وكيف ينجح ذلك وما إذا كان الديزل الحيوي سيتسبب بتلف المحرك.
في رأي فيلدر، إن إحدى الطرق الكفيلة باستمالة الناس لتبنّي ممارسات مستدامة هي إخراجهم من عملية اتخاذ القرار واتخاذه بالنيابة عنهم. ويوضح أن "الزبائن الذين يتوجهون إلى 'ماكدونالدز' ويشترون 'بيغ ماك' Big Mac وبطاطا مقلية ليس عليهم أن يغيّروا أي شيء على الإطلاق في سلوكهم لمساعدة الشركة في تقليل بصمة الكربون في النقل بنسبة 100 بالمئة".
من الحلول البديلة تطبيق نظام يضمن أن تحتوي جميع أنواع الوقود المتوفرة في السوق على 5 بالمئة على الأقل من الوقود الحيوي؛ وبالتالي سيكون "من المستحيل شراء أي نوع وقود لا يحتوي على الوقود الحيوي". ويشير فيلدر إلى الاتحاد الأوروبي كمثال على ذلك، حيث يعتزم الاتحاد إتخاذ قرار بأن تكون نسبة 10 بالمئة من وقود النقل في كل دول الاتحاد مستمدة من مصادر متجددة بحلول العام 2020.
دور الحكومات
للدعم المنتظر من الحكومات أهمية بالغة، ولا يقتصر ذلك على الدعم المالي وحسب. ويقول فيلدر عن ذلك: "لقد أدت حكومة الإمارات العربية المتحدة دوراً عظيماً في دعمنا وتشجيعنا. ولكنها لم تقدم أي دعم مالي مباشر لنا، وأنا سعيد بذلك".
بالإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين الدعم الحكومي والطاقة النظيفة في معظم دول العالم، يقول فيلدر إن: "قطاع الوقود الحيوي مدمن على الدعم الحكومي لدرجة أنه عندما يطرأ أي تغيير على سياسة الحكومة تواجه جميع شركات الوقود الحيوي مشكلة كبيرة ما يؤثر بشكل كبير على ربحيتها". وإذا لم تقم الحكومات بإدراج التغير المناخي على أجندتها فقد يتبدد الدعم وبالتالي ستتأثر الشركات بشكل سلبي.
ولكنّ غياب التمويل الحكومي دفع "نيوترل فيولز" إلى تعزيز "كفاءة أعمالها كونها لا تتلقى دعماً للتساهل في موضوع الكفاءة".
خطط المستقبل
منذ تأسيسها، اعتمدت "نيوترل فيولز" على التمويل الذاتي باستثمار يصل إلى 3 ملايين دولار على مدار خمس سنوات. وبدأت الشركة بتحقيق الأرباح في الشهر الحادي عشر من تأسيسها، ووصل إجمالي عدد عملائها إلى 25 عميلاً. وبناء على التوقعات بأن تحقق معدل نمو يفوق 90 بالمئة في العام 2017، بدأت الشركة الآن بجمع المال لبناء خط الإنتاج الثالث في مصنعها. سيثمر هذا الخط عن زيادة الطاقة الإنتاجية الكلية بواقع 250,000 ليتر شهرياً. وعوضاً عن جولات الاستثمار التقليدية، يستخدم فيلدر "يوريكا" Eureeca، وهي عبارة عن منصة عالمية للتمويل الجماعي مقابل أسهم، تستهدف المستثمرين "المخضرمين" لاستثمار ما يصل إلى 500,000 دولار في كل شركة.
يدور الآن نقاش حول التوسع في دول أخرى مثل عُمان والأردن ومصر ولبنان باعتبارها أسواقاً ممكنة. وفي بيان صحافي، قال فيلدر إن نموذج "يوريكا" "يتيح لأعداد أكبر من المستثمرين من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم الحصول على حصة أسهم فعلية في شركتنا. وإن من شأن ذلك أن يوسع قاعدة مساهمينا عالمياً، ونأمل أن يمهد الطريق أمام فرص مستقبلية خارج مقرنا في دبي".
الصورة الرئيسية من "بيكساباي" Pixabay