الثورة الموسيقية لن تكون حيّة بل رقمية [الجزء الأول]
ينقسم هذا البحث إلى جزئين يتناول الأول مشاريع الأعمال في مجال الموسيقى عبر الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتحديداً ما يتعلّق بالأرقام والمستمعين وخطط الأعمال الفعالة، فيما نركّز في الجزء الثاني على الموسيقيين والصعوبات التي تواجههم في التسويق لأنفسهم والصمود في سوق مشبعة.
ارتفعت عائدات قطاع الموسيقى الرقمية العالمي بنسبة %17 في العام 2016، ووصلت نسبة نمو عائدات الاستماع إلى الموسيقى عبر الإنترنت تحديداً إلى %60. فليس من المبالغة القول بأن قطاع الموسيقى الرقمية يعدّ اليوم من أبرز وسائل استهلاكنا للموسيقى واستمتاعنا بها.
الموسيقى الرقمية في منطقة الشرق الأوسط
تبلغ نسبة المستمعين إلى الموسيقى عبر الإنترنت في الشرق الأوسط حاليّاً %18. ومن المتوقّع أن ترتفع عشر نقاط في الأعوام الخمسة المقبلة. وسوف يزداد عدد المستخدمين الجدد في المنطقة بشكلٍ خيالي نظراً إلى أن نسبة السكان ما دون الخامسة والعشرين من العمر فيها تتعدّى %50، والأجيال الصاعدة تميل أكثر من غيرها إلى الاستماع إلى الموسيقى عبر الإنترنت.
ورغم أن عملاق الموسيقى الرقمية العالمي "سبوتيفاي" Spotify لم يدخل السوق الإقليمية بعد، إلاّ أن شركات أخرى سبقته إلى ذلك مثل "ديزر" Deezer و"آبل ميوزك" Apple Music بعد أن وجدت في ذلك فرصةً مربحة.
ومع ذلك، تبقى شركة "أنغامي" Anghami المحلية اللاعب الأساسي في الساحة الإقليمية. فقد حققت هذه الشركة اللبنانية شهرةً واسعة، ووصل عدد مستخدميها إلى 50 مليون فرد من بينهم أكثر من 5 ملايين مستخدم نشط، كما كشف الشريك المؤسس إيلي حبيب أثناء مقابلة أجرتها معه "ومضة" عبر البريد الإلكترونية.
مشهد الأعمال في قطاع الاستماع إلى الموسيقى
تعتمد "أنغامي" في نموذج أعمالها على مصدرين أساسيّين للعائدات هما: نسخة مجانية مدعومة بالإعلانات، ونسخة اشتراك مدفوع هي "أنغامي بلاس" Anghami Plus. تتمثّل الفائدة الأساسية في الخدمة الثانية، فضلاً عن خلوّها من الإعلانات، في إتاحتها عدداً غير محدود من التنزيلات التي تخوّل المستخدم الاستماع إلى الموسيقى خارج تغطية الإنترنت. وتختلف رسوم الاشتراك باختلاف مجموعة الخدمات التي يتمّ اختيارها. فتشمل رزمة العائلة مثلاً الحصول على ستّة حسابات بقيمة 7.49 دولار شهريّاً، فيما توفّر رزمة الستة أشهر مع شهر مجاني إضافي الاستفادة من اشتراك لمدة سبعة أشهر مقابل 24.99 دولار.
وتشكّل الرسوم التي يدفعها المشتركون ثلثي مجموع الأرباح التي تحقّقها "أنغامي" في حين يرتفع عدد هؤلاء المشتركين بنسبة مدهشة تصل إلى %300 سنويّاً. أما الثلث المتبقّي من الأرباح، فتغذّيه صفقات وشراكات الإعلانات الموقّعة مع شركات تنفق بشكل كبير مثل "بيبسي" Pepsi و"يونيليفير" Unilever.
كما وقّعت الشركة اللبنانية اتفاقيات شراكة متينة مع إحدى أبرز الشبكات الإعلامية في المنطقة "أم بي سي غروب" MBC Group، إضافةً إلى ما يناهز 15 شبكة اتّصالات مختلفة. وفضلاً عن المحتوى الحصري والشهرة الإعلامية الواسعة، تكسبها هذه الشراكات فرصة تسهيل عملية دفع الاشتراكات من خلال الانضمام إلى قنوات الدفع المعتمدة.
فقد صممت شركات اتصالات رزم تعبئة رصيد إنترنت جديدة على الهاتف المحمول مخصّصة لخدمة "أنغامي". وثمة نموذجان من هذه الرزم واحدة تتضمن خدمة "أنغامي بلاس" مثل تلك التي تقدّمها شركة "فودافون" Vodafone في مصر، وشركة "دو" Du في الإمارات العربية المتحدة، أو اختيار إضافة رصيدهم للحصول على خدمة مجانية أو بسعر مخفّض تخوّلهم الاستماع إلى "أنغامي" عبر الإنترنت مثل ما تقدّمه شركة "تاتش" Touch في لبنان، وشركة "زين" Zain في السعودية.
وبعد الحصول على حقوق حصرية من أكبر شركة للإنتاج الفني العربي "روتانا"، استطاعت المنصة إضافة بعض السمات مثل الفيديوهات الموسيقية المصوّرة وكلمات الأغنيات. كما جرى التركيز مؤخّراً على تزويد المستخدمين بخدمة الاستماع وبشكلٍ حصري إلى آخر إصدارات فنانيهم المفضّلين.
تبعث هذه الأرقام والسمات على التفاؤل، إلا أن تحقيق الربحية يبقى مهمةً صعبة للغاية بالنسبة للشركات العاملة ضمن قطاع الموسيقى عبر الإنترنت. فقد أشارت الأرقام الأخيرة التي نشرتها "ديزر" إلى أن الشركة تكبّدت خسارة بقيمة 12 مليون يورو (ما يعادل 14 مليون دولار أميركي) في النصف الأول من العام 2016 على الرغم من تسجيل معدّلات نمو عالية. وتأمل الشركة حاليّاً بأن يتم تقديرها بما يتجاوز وبشكل بسيط مليار دولار أميركي بحلول العام المقبل.
وتتحضّر "سبوتيفاي" حاليّاً لإدراج أسهمها في بورصة نيويورك. ولا تخلو هذه المبادرة من المخاطر رغم وصول حجم تقدير هذه الشركة العملاقة حاليّاً إلى 13 مليار دولار أميركي.
وتعدّ "أنغامي" لاعباً صغيراً في السوق العالمية التي دخلتها مؤخّراً، وقد وصل حجم تقديرها في جولة التمويل الأخيرة التي تمت في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2016 إلى 95 مليون دولار أمريكي بعد تلقّيها ما يتجاوز 14 مليون دولار من التمويل المفصح عنه.
التحدّيات
ما زال القطاع يواجه مشكلات متعدّدة أبرزها القرصنة التي تتفاقم في المنطقة. فقبل خمسة أعوام، تجاوزت نسبة التنزيل غير القانوني نسبة %90 من مجموع التنزيلات في منطقة الشرق الأوسط. أما اليوم، فتعدّ سرقة القطع الموسيقية من أحدث أشكال القرصنة الموسيقية وتتمّ من خلال مواقع تسمح للمستخدمين بتحويل روابط موسيقية عبر الإنترنت إلى ملفّات دائمة يمكن حفظها.
ورغم تدنّي سرعة الإنترنت بشكلٍ كبير في المنطقة العربية مقارنةً بالمعدّلات العالمية، تصل نسبة اختراق الإنترنت فيها إلى %56.
والأسوأ من كلّ ذلك هو العدد الكبير من الأفراد الذين لا يستخدمون الخدمات المصرفية في منطقة الشرق الأوسط إذ تبلغ نسبة الأفراد الذين يمتلكون حسابات مصرفية %14 فقط. ولمواجهة هذه المشكلة، تحاول "أنغامي" تقديم خيارات أخرى للدفع وهي مبادرة لا تخلو من الصعوبات.
المرحلة المقبلة
تتطلّع الشركة اللبنانية إلى تطوير علامتها التجارية وعقد شراكات جديدة تشمل بحسب حبيب، "كاربلاي" Carplay، و"ألكسا آب" Alexa App، و"غوغل أسيستانت" Google Assitant. كما تسعى إلى إعداد قوائم موسيقية تستخدم خوارزميات التعلم الآلي لاختيار القطع الموسيقية التي تلائم أذواق المستخدمين من ضمن دليل "أنغامي".
وتطمح الشركة أيضاً إلى دخول سوق المحتوى الأساسية، وسوف تطلق على مشارف نهاية العام الحالي مشاريع ضمن مجالات ترفيهية أخرى لم تُفصح عنها بعد. فعلى المستوى الإقليمي، يبدو المشهد العام في قطاع الموسيقى الرقمية مشرقاً ومطمئناً بالنسبة إلى المستثمرين وروّاد الأعمال فيه.
الصورة الرئيسية من "بيكساباي" Pixabay.