'تيوتوراما' المصريّة تقود مساعي تغيير مفهوم الدروس الخصوصية
غالباً ما يشكّل حصول الشركات الناشئة على الاستثمار، هاجساً يهدّد بقاءها. وفي حين تنجح شركات في جذب تمويل في مراحل مبكرة أو متأخرة، توقف شركات أخرى أنشطتها كلياً بعد أن تيأس من تحقيق حلم الاستدامة والنمو.
ولكن منصة الدروس الخصوصية "تيوتوراما" Tutorama، شذّت عن القاعدة العامة وتمكّنت من جذب تمويل تأسيسيّ قبل الإطلاق، من شركة الاستثمارات الرأسمالية "ايه 15" A15، في صفقة غير مُعلن عن قيمتها.
تعمل "تيوتوراما" كصلة وصل بين طلاب المدارس الدولية (البريطانية والأمريكية والفرنسية والألمانية)، من جميع المراحل الدراسية، ومدرسين خصوصيين من طلاب الجامعات أو خريجين جدد.
ينضمّ المدرسون غير الأكاديميين إلى المنصة بعد اجتياز اختبارات الكفاءة العلمية والقدرات التعليمية. ولا تقبل المنصة مدرسين محترفين، بل طلبة جامعات دولية وحديثي التخرج فحسب. وبحسب ما قال عمر خشبة، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسّس في حواره مع "ومضة"، فإنّ "أهمّ ما في قيمنا المضافة هو خلق فرص عمل للشباب وتوفير بيئة تعليمية مختلفة للطلبة، عبر تقليص الفجوة العمرية بين الطالب والمدرّس، مع الأخذ في الاعتبار تقليل العبء المادي على الأسر".
نجاح قبل الإطلاق
لا تزال "تيوتوراما" في المرحلة التجريبية، وهي تستعدّ للإطلاق الرسميّ "في أقرب وقت"، وفقاً لخشبة الذي بدأ التحضير لشركته في كانون الثاني/يناير من العام الماضي، بالتعاون مع شريكه محمد خضير، المدير التقني للمشروع.
وعلى مدار الأشهر الماضية، حازت "تيوتوراما" على جائزتين متتاليتين، بلغت قيمة الأولى 15 ألف دولار بعدما فازت بالمركز الأول ضمن مسار الأفكار في مسابقة "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" للشركات الناشئة MIT، في نيسان/أبريل الماضي. وفي أيار/مايو أحرزت المركز الأوّل في مسابقة "سيد ستارز" Seedstars، وفازت بتذكرة سفر مجانية لحضور نهائيات المسابقة في سويسرا التي ستجري فعالياتها في آذار/مارس المقبل، للتنافس مع شركاتٍ من مختلف أنحاء العالم على جائزة بقيمة 500 ألف دولار على هيئة استثمارات في الشركة.
لم يتمّ تخصيص أيّ ميزانيةٍ لتسويق المشروع حتى الآن على منصّات التواصل الإجتماعي، واكتفى المؤسّسان بالتواصل مع الإعلام والتسويق له في الجامعات الدولية في مصر.
ولكن رغم محدودية التسويق، حصل الموقع على عددٍ من طلبات الانضمام إلى مجتمع التدريس في "تاتوراما" وكذلك "مئات طلبات الدراسة من الطلبة". إلاّ أن المؤسّسين يفضّلان الآن عدم الكشف عن عدد الطلبات لأسباب استراتيجية، وتعّهدا برفع الستارة عن كافة التفاصيل بالأرقام عقب الإطلاق مباشرةً.
تجربة استخدام "تيوتوراما"
ينتظر أن تمرّ تجربة الدراسة على "تيوتوراما" بعدة مراحل تتخذ في البداية شكلاً رقمياً وتنتهي بالمقابلة الفعلية، وذلك بمجرد انطلاقها رسمياً، إذ لا تزال المنصة في مرحلة الإطلاق التجريبي. في هذا السياق، يسجل الطالب بياناته على الموقع، محدداً المواد الدراسية التي يحتاج إلى مساعدة في دراستها. ثمّ يتصفّح صفحات المدرّسين المسجلين على "تيوتوراما" حيث يطالع بياناتهم ويمكنه التحدّث إليهم. بعدها يحجز الطالب موعداً لأوّل محاضرة مع المدرس، سواء في منزل الطالب أو في أحد الأماكن العامة المحددة على المنصة.
بعد انتهاء الجلسة يُمكن للطالب تقييم المدرّس على الموقع، ليتمكن طلبة آخرون من مطالعة التقييمات على صفحته. و"إذا حاز المدرس على تقييمات ضعيفة يتم حذفه من قائمة المدرسين على ’تاتوراما‘"، كما يقول خشبة.
تحصل "تيوتوراما" على 20% من قيمة الجلسة الواحدة (ومدتها ساعة)، كعمولة من المدرس. وكلما زاد عدد ساعات التدريس تقل عمولة "تاتوراما". تتراوح أسعار الجلسات التعليمية على المنصة حتى الآن بين 80 و150 جنيهاً (5 إلى 10 دولارات) في الساعة، حسب عدد الطلبة المشاركين في الجلسة (بين طالب واحد وثلاثة طلاب).
وفي حين ينتظر أن تتنوّع طرق الدفع بين التحصيل النقدي والدفع الإلكتروني على المنصّة، تعاقد الشريكان مع بوابة الدفع الإلكترونية "بيفورت" Payfort لإجراء التعاملات المالية الرقمية.
خطط نمو وتوسع
لا يقبل المؤسّسان حتى الآن انضمام أيّ مدرس إلاّ بدعوة خاصة منهما. ويقومان بترشيح المدرس المناسب للطلاب المسجلين على المنصة، بعد تقييم كل مدرس وتحديد مدى كفاءته، بعد اجتيازه الاختبارات. ومن المقرر أن تضاف خاصّية إجراء الجلسات إلكترونياً "في وقت قريب جداً"، وفق خضير.
أمّا عن توقيت الإطلاق رسمياً، فيقول خشبة إنّ "ذلك لن يحصل قبل تحقيق 500 ساعة دراسية إجمالاً خلال المرحلة التجريبية، وهو رقم من المتوقع تحقيقه خلال الشهر الجاري".
أما على المدى القصير نسبياً، فسيبدأ المؤسِّسان العمل على عدد من التوسّعات أوّلها فتح باب الاشتراكات لطلبةٍ من دول أخرى عبر الإنترنت على رأسها دول الخليج لأنّ المناهج الدولية موحّدة على مستوى العالم. كما ستكون أسعار الجلسات منافسةً جداً للأسعار في الأسواق العربية والعالمية على حد سواء.
وعلى الأرجح، سيضم المؤسسان الدراسة الجامعية إلى قائمة أعمال "تيوتوراما"، لتتضمن سنوات الدراسة الجامعية أيضاً، حسب تصريحاتهما. لكن من غير الواضح ما إذا كانا سيضمان المناهج المصرية المحلية حتى الآن أم لا.
تشمل قائمة التوسعات أيضاً إطلاق نسخة تطبيق للمحمول على نظامي "أندوريد" Android و"آي أو إس" iOS لخدمات الاستشارات الدراسية حسب الطلب، إلى جانب الخدمة الأساسية لحجز الحصص الدراسية.
رواد أعمال للمرة الثانية
تعود تلك الرؤية الواضحة لمستقبل المشروع إلى خبرات المؤسسيّن "التكاملية"، بحسب خشبة.
فخضير الحاصل على بكالوريوس في علوم الحاسوب من "جامعة تورنتو" الكندية، هو رائد أعمال للمرّة الثانية إذ سبق أن أطلق منصّة تعليم إلكتروني في كندا أثناء دراسته الجامعية، بالشراكة مع ثلاثةٍ آخرين، قبل أن ينهي دراسته ويتخرج ويعود إلى مصر.
أما خشبة، فهو حاصل على ماجستير في القانون من جامعة "كورنيل" الأمريكية، ومؤسس منصة "توب تشويس أدميشن" Top Choice Admission TCA، التي تتيح للطلبة المقبلين على المرحلة الجامعية الاستعانة بخبرات الطلبة الجامعية فيما تخصصات مختلفة. "ولا تزال الشركة تعمل بكفاءة، بإدارة فريق متخصص"، بحسب خشبة.
كلمة السر.. مرشد مخضرم
دعم كريم بشارة رحلة المؤسسيّن الريادية منذ بدايتها. فهو المؤسس والمدير التنفيذي الحالي لشركة استثمار رأس المال "اكسيليرو كابيتال" Accelero Capital. كما أنه المدير التنفيذي السابق في "لينك دوت نت" Link dot Net، وأحد أعضاء مجلس إدارة A15.
وعن ذلك يقول خشبة: "من المهم جداً لرائد الأعمال أن يختار مرشداً مخضرماً في القطاع الذي يعمل فيه، فأنا لا أتذكر أنني واجهت أي مشكلة إلا ووجدت لها حلولاً وبدائل لدى بشارة، فقد صادف من قبلنا معظم التحديات، ولم يبخل أبداً علينا بالخبرة أو الجهد أو الوقت".
نمو عالمي
ولعل قطاع التعليم الإلكتروني قد أثبت نمواً ملحوظاً على المستوى العالمي في السنوات الثلاثة الأخيرة. وبحسب عدد من الدراسات فإن القطاع حقق عوائد ارتفعت من 32 مليار دولار العام 2010 إلى 107 مليارات دولار عام 2015، محققة معدل نمو مركب بنسبة 9.2%. ويُتوقع لهذا المعدل أن يرتفع إلى 17.8% في الفترة ما بين 2016 و2020.
انعكس هذا النمو في نجاح عدد كبير من المشاريع العاملة في قطاع التعليم الإلكتروني عالمياً، هذا القطاع الذي أصبح زاخراً بالخيارات. من بين ذلك منصات التدريب المهني الرقمي كـ "ليندا" Lynda التي حصلت على 185 مليون دولار العام الماضي من "تي جي بي كابيتال" TPG Capital، و"سيمبلي ليرن" Simplilearn، التي جذبت منذ 2009 وحتى الآن 28 مليون دولار خلال 3 جولات. و"كورسيرا" Coursera التي جذبت 49.5 مليون دولار على سبيل تمويل الجولة الثالثة.
يضاف إلى هذه النجاحات، نجاح "يوب" Yup منصة تشبيك الطلبة مع المدرسين، التي تعمل على مدار الساعة وتتيح خدماتها تحت الطلب، والتي أسسها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس في سان فرانسيسكو العام 2014، وجذبت في أبريل الماضي 4 ملايين دولار كاستثمار الجولة الأولى، ليرتفع إجمالي تمويلها إلى 7.5 مليون دولار.
فهل تحظى "تيوتوراما" بالمصير ذاته؟
الصورة الرئيسيّة من "بيكسيلز".