الاكتئاب: الجانب المظلم لريادة الأعمال في المنطقة العربية
آلاء سليمان، الشريكة المؤسِّسة والرئيسة التنفيذية لـ"مسموع" Masmoo3، لا تجد وقتاً للردّ على الرسائل الإلكترونية بعد انشغالها في تأسيس مسرّعة أعمال للشركات الناشئة لدعم روّاد الأعمال الشباب في الأردن.
وخلال الإجابة على أسئلة "ومضة" من مكتبها في مساحة العمل المشتركة "بيج" Business Innovation Growth (BIG)، قالت سليمان: "عذراً، عليّ إرسال هذا البريد الإلكترونيّ على وجه السرعة". وذلك لأنّها تنجز أمورها مثلما يفعل معظم الرياديين في الأردن والعالم: تعدّد المهام بشكلٍ دائم.
واليوم، قد لا تكون مسيرة "مسموع" مشابهةً لمكتبها العصريّ الذي تزيّنه الكراسي البرّاقة والجدران الملوّنة.
الجانب السلبيّ لنجاح الشركات الناشئة
أشار عددٌ من روّاد الأعمال الذين قابلناهم إلى أنّ الكثير من مؤسّسي الشركات الناشئة في الأردن يعانون من مشاكل نفسية، مثل الاكتئاب والقلق، كما أنّ التحدث عن هذا الموضوع لا يزال من المحرّمات. وبحسب سليمان، "يبدأ ذلك عندما تكتشف أنّ واجباتك كمديرٍ أكثر صعوبةً ممّا هو متوقّع".
على الرغم من المساعدات التي تقدّمها الحكومة والقطاع الخاصّ للشركات الناشئة في الأردن، فإنّ هذا الدعم لا يكفي، والضجّة المثارة حول هذا الموضوع – ببساطة – غير دقيقة.
"لا يمكن حتّى مقارنة الاستثمار التأسيسي الذي يحصل عليه المؤسّسون هنا بذلك الذي يحصل عليه المؤسّسون في الخارج"، كما تشير سليمان. ففي حين تحصل معظم الشركات الناشئة الأردنية على استثمارٍ تأسيسيّ يقارب 30 ألف دولار أميركيّ، يبلغ معدّل جولات التمويل هذه في الولايات المتحدة 1.14 مليون دولار، وفقاً لموقع "تك كرانش" Techcrunch. وقد وصل متوسّط جولات التمويل التأسيسيّ في النصف الأوّل من عام 2016 إلى 625 ألف دولار أميركي.
الرياديّ المصريّ أحمد أبو الحظ واجه المشكلة عينها أيضاً مع شركته الناشئة "شيزلونج" Shezlong التي توفّر العلاج النفسي للمرضى عبر ربطهم مع معالجين.
ويلفت إلى أنّ "رائد الأعمال يبدأ بفقدان التركيز فيما يحاول لعب الكثير من الأدوار، مثل المدير والمحاسب ومطوّر الأعمال. كما أنّ وظيفتك كمؤسّس للشركة هو البدء في تأمين المال النقديّ ودفع رواتب الموظّفين، وهذا يضعك تحت ضغطٍ كبير".
في هذه المقالة، اعترف أربعة روّاد أعمال من أصل ستّة تمّت مقابلتهم بأنّهم يعانون من الاكتئاب كنتيجةٍ للعمل على الشركات الناشئة.
يرى أبو الحظ أنّ الأزمة الأكبر حصلت عندما غادر شريكه الشركة، و"هنا وصل الاكتئاب إلى الذروة".
وبدورها، واجهَت سليمان فترةً طويلةً من الاكتئاب عندما قرّرَت وشقيقها - شريكها في الأعمال - إغلاق مكتبهما في عام 2013. وتشرح ذلك بالقول إنّ "العمل كان شاقاً وطريقتنا في الإدارة كانت عرضةً للنقد، وكلّ ما كنتُ أفكّر فيه هو أنّني فشلتُ. كان شعوراً مروّعاً، ومررتُ بفترةٍ من عدم احترام الذات".
يذكر رياديّ شاب آخر تمّت مقابلته من أجل هذه المقالة، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب اجتماعية وعائلية، أنّه كان يعاني من اكتئابٍ حادّ لمدّة عامين وقد أمضى نصف هذه الفترة تحت العلاج.
ويضيف أنّه "في العامَين الماضيين، قرّرتُ أن أعرض نفسي على معالجٍ نفسيّ. لقد مررتُ بأوقاتٍ عسيرة، وأصعبها عندما تبدأ بالشكّ حول حياتك وما الذي تفعله فيها؛ عندما يبدو أنّ كلّ شيءٍ ينهار، وأنّ ما تقوم به غير مجدٍ، وأنّ المجتمع لا يقدّر الجهود التي تبذلها."
القلق، وقلةّ احترام الذات، والإجهاد، والأرق، وقلّة النوم، هي من بين العوارض التي ذكر الرياديون أنّهم يعانون منها. ووفقاً لدراسةٍ من إعداد "بزنس إنسايدر"Business Insider نشرَت في العام الماضي، فإنّ ما يقارب الـ 50% من روّاد الأعمال قد أعربوا عن وجود مشاكل نفسية، فيما لفت 30% منهم إلى أنّهم عانوا من الاكتئاب.
من جهتها، تشرح فداء أبو الخير، الأستاذة المساعدة في علم النفس السريري في "جامعة عمّان الأهلية في الأردن"، أنّ "هذا الاكتئاب يتضمّن مجموعةً من العوارض يمكن أن تجعل الشخص حزيناً، ولكنّه أكثر من ذلك ومن مؤشّراته خسارة الروتين اليومي وقلّة النوم والشعور بآلام جسدية".
العلاقات الأسرية والاجتماعية الأخرى
في منطقةٍ تزخر الحياة فيها بالضغوط الاجتماعية والالتزامات العائلية، يكافح الرياديون من أجل تلبية احتياجات أعمالهم وعائلاتهم على حدٍّ سواء.
يعترف محمد يونس، الشريك المؤسّس لشركة "تريفكس" Trevx.com التقنية، بأنّه مرّ بأوقاتٍ عصيبةٍ مع عائلته. ويوضح أنّه "في فترةٍ من الفترات لم يكن لديّ فرصة لكي أرى عائلتي ولا حتى خطيبتي (أصبحَت زوجته الآن). وفي الأيام الأولى من الزواج، كان تحقيق التوازن صعباً جدّاً".
معظم الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم كانوا من غير المتزوّجين، ما قد يكون مؤشّراً على مدى الضغط الذي يرافق هذا النوع من الأعمال. ولكن معظم هؤلاء الرياديين أعربوا عن امتنانهم الكبير للدعم الذي يحصلون عليه من أسرهم لتخطّي العقبات التي تواجههم كروّاد أعمال.
دعمٌ نفسيّ
لدى سؤالها عن عدم السعي من أجل الحصول على مزيدٍ من الدعم النفسي، تجيب سليمان بأنّ "الأطباء النفسيين في الأردن ليسوا قادرين على تقديم المساعدة اللازمة".
أمّا أبو الحظ فلا يخفي أنّه ذهب إلى المعالج النفسي فور ظهور علامات الاكتئاب لديه، ذاكراً أنّ شركته "شيزلونج" تدرس إمكانية "إضافة خدمات علاجٍ نفسيّ خاصّة لروّاد الأعمال سوف نختبرها أثناء قمة ’رايز اب‘ في مصر".
بدورها تؤكّد أبو الخير أنّ في الأردن ثمّة الكثير من المختصّين الجيدين في مجال الصحّة النفسية، ولكنّها تعتقد أنّ المشكلة الرئيسية تكمن في التكاليف المرتفعة لخدمات الاستشارة النفسية والعلاج.
في الختام، ينبغي توفير الدعم النفسي لرواد الأعمال إلى جانب التمويل والاستثمار المخاطر وحاضنات الأعمال، لأنّ المدير المصاب بالاكتئاب لا يمكن أن يعمل على تنمية شركته.
الصورة الرئيسيّة من "فليكر".