لماذا تنتشر مساحات التصميم الهجينة والمستقلّة وغير المصّنفة في عمّان؟
مُقابل السلالم المُلوّنة في شارع الملك حسين الذي يقود إلى وسط عمّان، يوجد واجهة زجاج معاصرة مكتوبٌ عليها "تيربو" باللون الأصفر.
المنظر ليس مألوفاً، فقلّما تجد ستوديو تصميم مُعاصراً يتكئ على دكاكين وبازارات عريقة في أقدم مناطق المدينة.
بينما يهرب الكثير من الرياديين من زحمة المدينة ويلجأون إلى "مُجمّع الملك حسين للأعمال" King Hussein Business Park الهادئ والجديد نسبيّاً، والذي أصبح معلماً للريادة الأردنيّة، لا يجد المُصمّمان مثنّى حسين وسعيد أبو جابر ما يمدّهما بالإلهام داخل المُجتمع المسوَّر. على نقيض ذلك، لا يَسُرّهما إلّا التواجد في قلب المدينة.
لم يعرف المُصمّمان بعضهما البعض قبل معرض "أون بورد" On Board الذي أُقيم في عام 2012 والذي عَرض فيه أبو جابر لوح تزلّجٍّ فنيٍّ أعجب حسين الذي سأل بدوره عن الفنّان وتعرّف إليه.
كونه مُصمّماً هو الآخر في استوديو"ورشة" Warsheh، قرّر حسين أن ينضّم إلى أبو جابر ليؤسّسا مكتباً خاصّاً بهما. ولكن بما أنّهما لم يريدا مكتباً تقليديّاً بل شيئاً عفويّاً أكثر وأقرب إلى الناس، أطلقا مشروع "تيربو" بهذه الروحية في عام 2015.
"تيربو" الذي لم يتّم افتتاحه بعد، سيكون استوديو تصميم ومساحةً عامة، كما سيعمل كمكتبٍ ومعرض ومكتبة ومقهى في آنٍ واحد.
"مللنا العمل في مكتب تصميمٍ يلّبي طلبات الزبائن"، كما يخبرنا أبو جابر الذي يعتقد أنّ التصميم تجربةٌ أعمق من المُلصقات والشعارات، مضيفاً أنّ الانفتاح على فعاليّات مُختلفة وأناس مُختلفين يضيف للتصميم قيمة مُهمّة.
من ناحيةٍ ثانية، يُعد "تيربو" جزءاً من حركةٍ ثقافية أصبح لها صدى في عمّان ألا وهي المساحات المرنة البعيدة عن التصنيف. هذه الاظاهرة التجريبية ليس إلّا مثالاً لظاهرة برزت في المشهد الإبداعي في عمّان خلال الأعوام الأخيرة.
ويوضح أبو جابر أنّه "منذ بضع سنوات بدأ المصمّمون بإبداء اهتمامٍ أكبر بالعمل المُستقّل، إذ لم يعد من الضروريّ أن تعمل في وكالة إعلاناتٍ كبيرة إن كنتَ مُصمّماً".
في هذا الإطار، لا يهتمّ المُصمّمان بتصنيف المساحة أو تحديدها ضمن توظيف مُعيّن، فهما يريدان لطابعها أن يتبلور مع الوقت حسبما يجده المكان مُناسباً.
"التّحدّي الأهّم هو أن يلقى المكان هويّته الخاصة به… فهو يحاول أن يخلق شخصيّته"، على حدّ تعبير حسين الذي يَعتبِر أنّ أجمل خاصيّة ممكن أن يتّبناها المكان هي الصّدق.
من ضمن المشاريع الأخرى التي تختبر هذا النوع من إدارة المساحات "دارة الياسمين" Darat al-Yasmeen الذي يعتبر معرضاً ومطعماً في آنٍ واحد؛ وورشة صناعة الطبعات الفنّية "ذا ستوديو" The Studio؛ و"حيّز" Hayyez الذي يوّفر مساحة عملٍ مُشتركة للعاملين في المجال الإبداعي؛ إضافة إلى "جدل" Jadal؛ و"فن وشاي" Fann wa Chai.
تعتقد الباحثة في التّصميم والمُدرّبة في "معهد تصميم عمّان" Design Institute Amman ، ندى جفّال أنّ نموذج العمل هذا يتناسب مع عمل المُصممّين لأنّ المجال واسعٌ جدّاً ويتطلّب التنوّع والانفتاح.
وتوضح جفّال خلال مقابلةٍ مع "ومضة"، أنّه "إذا حدّدتَ نفسك ضمن قالبٍ مُعيّن، تلقائيّاً ستُحدّد جمهورك وعملك".
الاستوديوهات المُستقلّة والعاملون بدوامٍ حرّ هم البديل؟
ترى جفّال أنّ الاستديوهات المُستقلّة في غاية الأهميّة، فهي لا تُقدّم مُنتَجاتٍ بديلةً فحسب، لكنّها تُساعد الشركات الناشئة العاملة في مجال الإبداع على استخدام تصاميم ناجحة.
على سبيل المثال، لن يستطيع موسيقيٌّ في مطلع مهنته أن يتحمّل تكاليف وكالة التصميم الباهظة إذا أراد أن يصمّم غطاء ألبوم أو شعاراً. ولذلك في حال توّفرَت الاستوديوهات المُستقلّة الأقلّ كلفة، سيتشجّع الموسيقيّ وسيُبدع في عمله بطريقةٍ أفضل.
بالإضافة إلى ذلك، عن طريق هذه الأماكن، يصبح التصميم أقرب إلى الناس العاديّين عوضاً أن يبقى حبيس المعارض الفاخرة التي تستهدف الطبقة الغنيّة.
بالرغم من أنّ "تيربو" لم ينطلق رسميّاً بعد، إلّا أنّه يستضيف حالياً فعاليّة موسيقيّة تُنظمها "نيفير ريكوردز" Never Records، كما سيقوم بعرض أعمال ليث دمشقيّة والمُهندس المعماري سهل الحياري الذي صمّم الاستديو، خلال "أسبوع عمّان للتصميم" Amman Design Week الذي سيُقام خلال الأسبوع الأوّّل من أيلول/سبتمبر المُقبل.
"نحن مُتحمسّون جدّاً لـ’أسبوع عمّان للتصميم‘ ونتوّقع منه أن يرفع من درجة وعي الناس حول التصميم،" تقول جفّال، ثمّ تشير بخيبةٍ إلى اعتقاد الكثيرين بأنّ المُصمّمين يدرسون الفنون الجميلة أو التصميم الداخلي أو الإعلان، بينما فعليّاً هو أكثر وأعقد من ذلك بكثير.
ستقوم "ومضة" بتغطية "أسبوع عمّان للتصميم"، تابعونا لتعرفوا المزيد عن الفعالية.