كيف تحوّل فكرتك إلى شركةٍ ناشئة - الجزء الأول
لا يمكن للفكرة أن تصبح شركةً ناشئةً قائمة من دون الكثير من التفكير والإصرار. (الصورة من "ذا ميمبرشيب جايز" The Membership Guys)
كثيرةٌ هي أفكار الأعمال، فالكثير من الناس يحدّدون مسائل لحلّها في حياتهم اليومية، ولكنّ القليل منها يتحقّق ليصبح عملاً تجارياً. وذلك لأنّ الكثير من المهتمّين في إطلاق مشاريعهم الريادية لديهم معرفة فضفاضة بالخطوات المطلوبة.
العناصر المطلوبة لإطلاق شركةٍ ناشئةٍ تكمن في الأفكار الخلّاقة، والموارد المناسبة، والأشخاص المناسبين؛ وهذه المقالة سوف تركّز على الجزء الأوّل منها.
التعديل مقابل إعادة الصياغة الجذرية
قال توماس أديسون مرّةً إنّ "العبقرية عبارة عن 1% من الإلهام و99% من الجهد،" وهذا يعني أنّ الابتكار نادراً ما يحدث بشكلٍ عشوائي.
إذاً ما الذي تحتاجه للحصول على تلك الشرارة الأولى، والأهمّ من ذلك ما الذي تحتاجه لتحصل على مفهومٍ أصليّ؟
الدرّاجات الأولى كانت ابتكاراً رائداً في عصره... (الصورة من داندي سايكل" Dandycycle)
في العموم، يمكن تصنيف الابتكارات ضمن نوعَين: الابتكارات التدريجية والابتكارات الجذرية.
فالابتكارات التدريجية هي تلك التي تنطوي على تحسيناتٍ ثوريةٍ لما هو موجود بالفعل، مثل استخدام نوعٍ جديدٍ من السبائك وتصميم تقنيةٍ جديدة لتحسين أداء الدرّاجات.
هذا النوع من الابتكار لا يؤدّي إلى القطيعة مع الطرق الحالية، بل يستفيد من التقدّم التكنولوجي الذي يطرأ على المواد وطرق التصنيع والمكوّنات الأخرى في عملية التحوّل.
... وتطوّرت تدريجياً لتصبح مركباتٍ ذات تقنيةٍ عاليةٍ تستخدم تكنولوجيا الفضاء. (الصورة من Weientilnorseman)
أمّا الابتكارات الجذرية فهي ما يغيّر اللعبة.
التحديثات التي طرأت على قطاع السفر على سبيل المثال غيرّت قطاع النقل الذي كان يعتمد على حركة الأرض أو البحر. مثل هذه المستجدّات لا تُحدِث ثورةً في القطاعات القائمة وحسب (التواصل من خلال الصوت عبر ميثاق الإنترنت voice over IP يكّلف المشغّلين في قطاع الاتّصالات 386 مليار دولار أميركي بين عامَي 2012 و2018)، بل يمكنها أيضاً أن تؤدّي أيضاً إلى إنشاء أسواق جديدة بالكامل.
عندما تمّ عرضه لأوّل مرّة، فإنّ الدمج الذي قدّمته شركة "آبل"Apple بين "آيبود" iPod و"آي تيونز" iTunes سمح لها بإيجاد قيمةٍ جديدة - كما يتّضح من خلال مليارات الدولارات التي حقّقتها الشركة كأرباحٍ إضافية - وذلك عن طريق إعادة النظر في العروض الحالية وإطلاق المنافسة في نواحٍ جديدةٍ تماماً، أبرزها سهولة الاستخدام وتحويل مشغّل الموسيقى إلى عمليةٍ مسلّية وأنيقة.
إيجاد الفكرة
يبقى السؤال في كيفية الخروج بفكرةٍ جديدة.
تشكّل الملاحظة بدايةً جيدة، وذلك من خلال النظر إلى طرق تفاعل المستخدِمين النهائيين مع منتَجٍ معيّن، والمشاكل التي يواجهونها عند القيام بذلك، أو ما يرغبون في أن يقدّمه المنتَج أو الخدمة ولكنّه ليس موجوداً.
القيام بمثل هذه الملاحظات يعتمد بشكلٍ مباشر أو غير مباشر على جسّ نبض المستخدِمين عن طريق التعقّب والدراسات الاستقصائية ومجموعات التركيز. بالإضافة إلى ذلك، أصبحَت تحليلات الويب أدواتٍ بارزةً لتحليل تفاعلات المستخدِمين مع الخدمات التي توفّرها المواقع الإلكترونية مثل البوابات الإلكترونية وتطبيقات المحمول.
من الفكرة إلى خطّة العمل
بعد وضع بعض الأفكار في الحسبان، حان وقت التوصّل إلى حلّ.
يتطلّب هذا القيام ببحوثٍ عمّا هو موجود حالياً من عروضاتٍ وتطوّراتٍ تكنولوجية. وفي حين يساعد تحليل الفجوة الموجودة في السوق في فهم كيفية تنافُس المشغِّلين الحاليين في هذا القطاع بالتحديد، فإنّه يوصِلك إلى تحديد أوجه القصور أو طرق معالجة المسألة المطروحة.
(الصورة من بوينت أند ديزاين" Point And Shoot Design)
من الطرق التي تساهم في تحديد الفجوة الموجودة في السوق، هي استخدام استبيان القيمة الاستراتيجية. وتتمثّل هذه الطريقة بالنظر في العروض القائمة على أساس عددٍ من العناصر، قبل النظر في طرق بديلة ومبتكرة لحلّ المشكلة.
من الأمثلة الكلاسيكية التي تبرز هنا، هي شركة الطيران "ساوث ويست" Southwest Arlines التي قامَت بإعادة توجيه خدماتها للتنافس مع خدمات النقل البرّي. وبالتالي، مع طرحها لخدماتٍ بأسعارٍ أرخص من أسعار شركات الطيران التقليدية، ومع التخلّص من التكاليف الإضافية مثل الصالات والوجبات التي تقدّم على متن الطائرة، تمكّنَت "ساوث ويست" من إنشاء سوقٍ جديدةٍ بتكاليف أقلّ في قطاع الطيران. وهذا ما ساهم بدوره في تطوير الشركة "لتصبح شركةً عملاقةً استطاعَت في العام الماضي أن تقلّ 134 مليون مسافر في الولايات المتّحدة الأميركية، أي أكثر ممّا قامَت به أيّ شركة طيران أخرى وما يشكّل 20% من مجموع المسافرين".
(الصورة من "ماو" Maaw)
شملَت هذه العملية حتّى الآن تحديد المسألة التي ينبغي حلّها ومن ثمّ التوصّل إلى حلّ، لكنّ الخطوة التالية سوف تتطلّب اختبار بعض المفاهيم.
وللقيام بذلك، هناك طريقة بسيطة تتمثّل في كتابة توصيفٍ صغيرٍ للمشكلة وحلّها، قبل أخذ رأي العملاء المحتمَلين. وإذا كان ذلك ممكناً، فإنّ نموذجاً أوّلياً بسيطاً سيكون مساعداً أيضاً.
تبرز بعض الأسئلة هنا: هل ستشتري هذا وبكَم؟ كيف تريد أن تحسّنه أو تغيّره؟
وبالتالي من شأن عملية تحقّقٍ مثل هذه أن توضّح طريقة تفكيرك في حاجات السوق الفعلية، غير أنّ هذا الجهد لا يجب أن يتوقّف عند هذا الحدّ.
بل سيكون من الضروريّ أيضاً إجراء بحوثٍ حول السوق، ما سيمهّد الطريق للوصول إلى المحطّة الأولى: وضع خطّة عمل.
البحث في ظروف السوق بشكلٍ عام، وكذلك في تفاصيل القطاع المستهدَف، سوف يؤكّد على الطريقة التي تفكّر فيها، كما سيساعدك على تحسينها حتّى الوصول إلى رؤيةٍ واضحة. هذه المواضيع إضافةً إلى متطلَبات جمع التمويل وتشكيل الفريق، ستكون ضمن ما سيتطرّق إليه الجزء الثاني.