هل أتبع نموذج الأعمال المرنة أم لا؟
يمكن لمنهجية العمل المرنة lean business أن تُستخدَم في أيّ عملٍ تجاريّ، باستثناء الأعمال التي لا يمكن أن تتوافق معها.
هذا النموذج الذي يشكّل بديلاً عن الطريقة التقليدية في تطوير الأعمال من أجل تشغيل شركةٍ ما، تتزايد شعبيته في كلّيّات إدارة الأعمال وحاضنات الأعمال في المنطقة.
ولكن بالرغم من أنّه يعمل بشكلٍ جيّدٍ مع بعض أنواع الشركات التي تطبّق النموذج كاملاً، إلّا أنّه قد يكون أقلّ فائدةً للآخرين ويجب أن يُطبّق "في المجال الأفضل له،" بحسب أوزان سونميز، المدير في مسرّعة أعمال الشركات الناشئة في "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" KAUST.
الشركات الناشئة التي تعتمد نماذج أعمال مكلفة أو قاعدة عملاء يُحتمَل أن تكون صعبة، ولا تزال ترغب بتطبيق نموذج "الأعمال المرنة"، يجب أن تعتمده جزئياً لكي يتناسب مع ظروفها.
ما هو نموذج "الأعمال المرنة"؟
مفهوم "الأعمال المرنة" Lean الذي أطلقه الكاتب إريك ريس (الصورة ادناه) عام 2011، يشتهر بمصطلحَي minimum viable product أي المنتَج القابل للتطبيق بالحدّ الدنى، و pivot أي نقطة التحوّل.
والفرضية الأساسية هنا تقوم على قيام روّاد الأعمال بعملية البحث والتطوير منذ انطلاقهم، بدلاً من وضع خطّة عمل قبل استشارة العملاء أو التحقيق في كيفية سير الأمور.
ولهذا النموذج ثلاثة أركان:
- الاقتناع منذ اليوم الأوّل، وقبل الغرق في أشهر من البحث، بأنّ الفكرة هي فرضية، وبالتالي إنشاء "مخططٍ لنموذج العمل" business model canvass يصف الافتراضات حول هذه الفكرة.
- اختبار الفكرة على عملاء متوقَّعين، أو شركاء مثل المصنّعين، وتغطية كلّ جانبٍ من جوانب العمل. وتلك الأسئلة التي تطال كلّ شيءٍ من اكتساب العملاء وصولاً إلى التسعير، سوف تسعدك على وضع صيغةٍ أساسيةٍ للفكرة ومن ثمّ إعادتها إلى الأشخاص أنفسهم لتحصل على مزيدٍ من ردود الفعل والملاحظات.
- وأخيراً، سوف يستدعي النموذج اللجوء إلى التطوير ‘المرن‘ agile. فبدلاً من إنفاق وقتٍ طويلٍ على بناء المنتَج دون أيّ تدخّلٍ من العملاء المحتمَلين أو حتّى مع قليلٍ منه، فإنّ طريقة "التطوير المرِن" تساعد في بناء نموذجٍ أوّليٍّ بسرعة من خلال التكرار iterating (تغييرات طفيفة على التصميم السابق) أو التحوّلpivoting (إحداث تغييراتٍ كبيرةٍ على الأفكار التي لا تعمل).
وهذا يعني أنّ الشركات الناشئة لن تنفق احتياطاتها المالية على بناء منتَجٍ نهائيّ مجرَّب وكامل التصميم، سواء كان برمجيّةً أم جهازاً. فهو قد لا يكون بالضبط ما يريده العملاء، او أنّه يحتاج إلى تعديلاتٍ ليتناسب مع متطلِبات السوق المتغيّرة.
في المقابل، هذا النموذج لا يخلو من النقد: الشريك المؤسّس لـ"باي بال" PayPay، بيتر ثيل، يُبدي اعتراضه ويقول إنّ كلّ ما يعنيه هذا النموذج هو "الاستماع إلى العملاء الذين يقولون ما يريدونه" الآن وليس ما قد يحتاجونه في المستقبل، وهذا هو "رمز الأمور غير المخطّط لها".
ويضيف ثيل في كتابه "زيرو تو وَن" Zero to One، أنّ "الذين يرغبون في أن يكونوا روّاد أعمال يُقال لهم إنّ لا شيء يمكن معرفته مسبقاً: من المفترَض أن نستمع إلى ما يقوله العملاء، وتقديم ‘منتَجٍ قابلٍ للتطبيق بالحدّ الأدنى‘ فقط لا غير، والتكرار للوصول إلى النجاح. ولكن، المرونة منهجيةٌ وليست هدفاً. والتكرار بدون خطّةٍ جريئةٍ لا يمكن أن ينقلك من الصفر إلى الواحد."
وفي المقابل، يقول آخرون مثل خبير التسويق دان كابلان، إنّ هذا النموذج هو جوهر التخطيط. فهوي يسمح لروّاد الأعمال بمعرفة ما إذا كان المنتَج سيكون مرغوباً من قبل العملاء بدلاً من التخمين.
مَن يستفيد منه؟
يقول مدير قسم حضانة الأعمال في "حاضنة قطر للأعمال" Qatar Business Incubation Center، أحمد عبد الوهاب (الصورة أدناه)، إنّ منهجية "الأعمال المرنة/الانسيابية" يمكن أن تُطبَّق في أيّ قطاع ما عدا التكنولوجيا الحيوية، لأنّ تكرار عملية تشكيل منتَجات الأدوية والمعدّات التي تساعد في إنقاذ الحياة ليسَت خياراً في مواقف الحياة أو الموت.
ويضيف أنّ الاختبار في وقتٍ مبكر قد أثبت إذا ما كانت فكرة رائد الأعمال "جميلة للحصول عليها أو حاجة ينبغي الحصول عليها."
وفي حديثٍ مع "ومضة"، قال إذا كانت الفكرة "جميلةٌ وحسب، مثل منصّة أخرى للتواصل الاجتماعي أو تصميم لهاتف، أو أيّ نوعٍ آخر من المنتَجات ليس مميّزاً حقّاً، فلن تضيّع الوقت عليها."
بالإضافة إلى ذلك، قال إنّه لم يتعامل مع روّاد الأعمال الذين رفضوا الكشف عن فكرتهم قبل أن تصبح منتَجاً صالحاً للبيع. وأشار إلى أنّه "عندما يأتينا رائد أعمال ويقول لديّ فكرة عظيمة ولكن لا يمكنني البوح بها لأيّ شخص، نقول له أبقِها لنفسك لعشرين أو ثلاثين عاماً وسوف تعيش معك."
كما قال إنّ هناك 37 شركة ناشئة في "حاضنة قطر للأعمال" حالياً، وقد خضعَت كلّها لبرنامج "ريادة الأعمال الانسيابية (المرنة)"، وهي تتراوح بين شركاتٍ تصنع العطور وأخرى تصنع قميصاً يمتصّ الحرارة.
من جهتها، تعلّم "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" KAUST كلّ الشركات الناشئة لديها نموذج "الأعمال المرنة"، وذلك بهدف الحصول على أكبر قدرٍ ممكنٍ من موافقة العملاء خلال أسابيع الحضانة الستة إلى الثمانية الأولى.
ويقول سونميز: "نريد لشركاتنا الناشئة أن تبيع كي تحصل على بعض العائدات من أجل المنتَح رديء النوعية، لأنّهم دائماً يردون جعله مثالياً... ولكنّ العميل لا يهتمّ. وبالتالي، إذا حصلت الشركات على العملاء بشكلٍ أسرع سوف تحصل على استثماراتٍ بشكلٍ أسرع أيضاً."
من لا يستفيد منه؟
يشير سونميز (الصور أدناه) إلى بعض الحالات التي لم يكن فيها نموذج "الأعمال المرنة" مناسباً لتطوير المنتَج. بدوره، يوافق عبد الوهاب على هذا المر مشيراً إلى أنّ النموذج كان أسهل على المنتَجات البرمجية منه على الأجهزة، وذلك على الرغم من أنّ الأجهزة تتطلّب إجراء المزيد من البحوث على العملاء قبل البدء في بناء المنتَج.
في هذا السياق، تعمل "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" على توجيه الشركات الناشئة من داخل الجامعة. وهذا يعني أنّ المنتَجات التي تمّ تسويقها، والأفكار مثل التقنية النظيفة للأغشية والمعدّات الهندسية الثقيلة، قد يكلّف النموذج الأوّليّ الواحد منها حوالي مليون دولار.
والحكومات التي يمكن اعتبارها اللاعب الاقتصاديّ الرئيسيّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكنها أيضاً أن تكون عميلاً مستهدَفاً بالنسبة للمنتَجات المرتبطة بالطاقة أو الرعاية الصحّية على سبيل المثال. ويقول سونميز إنّ الحكومات غير معتادة على التعامل مع الشركات الناشئة على أيّ حال، وهي تريد حلولاً جاهزة.
وعلى عكس منتَجات الشركات التي تستهدِف العملاء مباشرةً B2C، حيث يمكن للشركات الناشئة أن تذهب إلى منصّةٍ مثل "إندي جو جو"Indiegogo للحصول على المال وقياس الفائدة، فإنّ العثور على المشاكل الحقيقية أو الحصول على المال بسرعة من أجل النموذج التجريبيّ، كان أصعب عند التعامل مع الشركات الكبرى والمنتَجات الموجّهة مباشرةً للشركات B2B.
وأضاف سونميز أنّه على الرغم من ذلك، فإنّ عامل منجمٍ مثلاً لن يستثمر مليون دولارٍ في قطعةٍ واحدةٍ جديدة المعدّات التي من شأنها أن تحلّ جميع المشاكل، إلّا أنّه قد يستثمر في نسخةٍ مصغّرةٍ أو جهازٍ من شأنه أن يحلّ جزءاً من المشكلة.
تحاول "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" مساعدة الشركات الناشئة التي تعمل في مجال "التكنولوجيا المتعمّقة" للعمل بنموذج "الأعمال المرنة"، كما يجري في حالة إيجاد العملاء.
ويقول سونميز إنّ روّاد الأعمال في المنطقة محظوظون، لأنّه في حين أنّ الجامعات المرموقة في الولايات المتّحدة ما زالت تعلّم خطط العمل والطرق التقليدية لتأسيس الشركة، فإنّ عدّة حاضنات اعمال في الشرق الأوسط قد تخطّت الطرق القديمة لتعتمد الحديثة منها.