أقارن أو لا أقارن؟
عندما أطلق الويلزي جون ريتشاردز موقع "كومبارت4مي" Compareit4me.com لمقارنة الأسعار في الإمارات العربية المتّحدة عام 2011، سرعان ما وجد فجوةً في السوق.
بعد ملاحظة أنّ البنوك التي كانت تقدّم معلوماتٍ مهمّة عن منتَجاتها المالية للعملاء على مواقعها لم تتعدّى 20 إلى 30%، قرّر ريتشاردز وزميله وصديقه سامر شهاب تكريس نفسَيهما لمواجهة هذه المشكلة.
ولكن في السنة التالية، راحَت تنطلق الأعمال التي تمتلك الفكرة نفسها ودخلت مجال مقارنة الأسعار، مثل "ماني كاميل" moneycamel.com و"سوق المال" souqalmal.com و"بيزات" bayzat.com.
يعتزم موقع "كومبارت4مي" التوسّع ليشمل تأمين السيارات والبيوت.
لقد امتلك مؤسّسو هذه الشركات جميعهم الخبرة المصرفية والتسويقية عينها، بالإضافة إلى العزم على سدّ هذه الثغرة بين المصارف وعملائها. كما أنّ الشركات الناشئة كلّها، كان يمكن إمّا أن تحصل على الجوائز الكبيرة وإمّا أن تسقط في الفشل. ولكن في كلّ الأحوال، إنّ قطاع مقارنة أسعار المنتَجات المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد وُلِد.
سوقٌ ينبغي الدخول إليها
"أعتقد أنّ هذه السوق جذّابة للغاية،" تقول مؤسِّسة "سوق المال" ورئيستها التنفيذية، عمبرين موسى. وتضيف أنّه "بالمقارنة مع المملكة المتّحدة التي تضمّ 65 مليون نسمة وأربعة مواقع مقارنةٍ كبرى، فإنّ الموقع الرائد فيهم ‘ماني سوبرماركت‘ moneysupermarket.com تُقدَّر قيمته بنحو 1.2 مليار جنيه إسترليني [قرابة 1.9 مليار دولار أميركي] في سوق البورصة."
قد لا تبدو الأرقام كبيرةً من ناحية المستخدِمين، ولكنّها بلا شكّ أرقام كبيرة من المال. فالشرق الأوسط التي يشكّل عدد سكّانها خمسة أضعاف سكّان المملكة المتّحدة، تُعدّ سوقاً ضخمةً للمستهلِكين الذين يبحثون عن الصفقات الأفضل لتوفير المال، والذين تتزايد أعدادهم باستمرار.
قطاع صغير لكنّه واعد
كلّ موقعٍ من المواقع الأربعة المذكورة أعلاه يعمل على منتَجاتٍ ماليةٍ مختلفة متاحةٍ حالياً، من قروض السيارات إلى التأمين الصحّي وصولاً إلى بطاقات الائتمان. وهذه المواقع التي تعمل انطلاقاً من الإمارات تتشابه نسبياً ولكنّها تختلف عن بعضها البعض قليلاً.
الموقع الأشمل حالياً هو "كومبارت4مي" الذي أطلقه مؤسِّسوه بينما كانوا ما زالوا يعملون في وظائفهم. وهو يتيح حالياً مقارنة أسعار المنتَجات المالية في كلٍّ من الكويت وقطر ولبنان والبحرين والإمارات، ويخطّط للتوسّع نحو السعودية ومصر وفيما بعد إلى أفريقيا ومصر.
وفيما يعمل الموقع الآن مع 40 بنكاً في هذه الأسواق، يقول مؤسّسوه لـ"ومضة" إنّ البنوك التي وصلوا إليها في بادئ الأمر بين عامَي 2011 و2012 كانوا متحمَسين لهذا النموذج الذي يعرفونه، وبالتالي كانوا أكثر انفتاحاً على هذا المفهوم.
يقول ريتشاردز إنّ البنوك "لقد كانوا يعرفون أنّ عمليّات المقارنة ناجحة،" مصيفاً أنّه "في المملكة المتّحدة والهند وآسيا يوجد سوقٌ قويةٌ للمقارنات. ولكن كما هي حال أيّ منتَجٍ جديدٍ، فإنّ التحدّي يكمن في إقناعهم بأنّنا سوف نكون قناةً جيّدةً لهم."
في المقابل، يشير مؤسِّس "ماني كاميل"، بريتي بامبري Preeti Bhambri، إلى أنّه في البدايات كان من الصعب إقناع البنوك بتجربة منتَجِ جديد. ومن جديد، عدم توافر المعلومات التي يمكن للمستهلِكين الاطّلاع عليها، دفع المؤسّسات المالية قُدُماً.
احتساب القروض ومقارنتها من أكثر خدمات "ماني كاميل" شعبيةً.
من جهةٍ أخرى، أبقى "سوق المال" تركيزه على شريحةٍ أصغر من السكّان. وهو يعمل فقط في الإمارات ومؤخّراً في السعودية، ويقدّم خدماته للباحثين عن المعلومات هناك.
أمّا بالنسبة إلى عدد زوّار هذه المواقع، فإنّ الأرقام تختلف بينها. ففي حين يحظى اثنان منهما بما يتراوح بين 30 ألفاً و40 ألفاً، يحصل "سوق المال" على 350 ألف زائر. ولكن يمكن لهذه الأرقام أن ترتفع أكثر كما أنّه يوجد مجالٌ للنموّ بعد، خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ موقعاً من خارج المنطقة مثل "جو كومباير" gocompare.com يحصل على 40 ألف زائرٍ يومياً.
سوق تحتاج إلى إدارة
وفقاً لموسى، لا يتجاوز المحتوى العربي على الإنترنت نسبة 3%، وبالتالي فإنّ نسبةً قليلةً منه تركّز على عملية التثقيف المالي.
وهكذا بات جزءٌ من نموذج عمل "سوق المال" مخصّصاً للعمل كمنصّةٍ تثقيفية. وهذا الموقع الذي ينشط باللغتَين العربية والإنكليزية ("كومبارت4مي" لديه موقع بالعربية أيضاً)، لديه برنامج أسبوعي على إذاعة راديو في دبي لمناقشة شؤون المستهلِك، كما أنّه يتشارك مع هيئاتٍ حكومية من أجل توعية الناس حول شؤونهم المالية الشخصية.
"كيف أختار القرض الأفضل؟" يعمل "سوق المال" على تنمية المحتوى المالي.
إتاحة المعلومات مفيدةٌ وعمليةٌ للطرفَين؛ فبقدر ما يحصل المستهلِكون على المعلومات التي يحتاجونها لاتّخاذ قرارهم المناسب، فإنّ البنوك وشركات التأمين تحصل على معلوماتٍ حول ما تريده السوق منهم.
وعن هذا الأمر، يقول ريتشاردز إنّ "بعض البنوك تسألنا طوال الوقت عن معلوماتٍ يمكن لها من خلالها تطوير منتَجاتهم، وبالتالي يمكننا تزويدهم بمعلوماتٍ عن الأنواع الأكثر جاذبيةً لبعض السكّان."
ووفقاً لهذا الشريك المؤسّس، إنّ القدرة على نشر المعلومات وتشاركها سوف تصبح أكثر أهمّية، لكي ترى ما الذي يقدّمه الآخرون في سوقٍ تزداد التنافسية فيها. ويقول إنّه "في المملكة المتّحدة، إذا لم تكن موجوداً على موقعٍ للمقارنات فأنت لست موجوداً في السوق."
ما الذي يميّز أحد مزوّدي بطاقات الائتمان عن سواه؟ يشير ريتشاردز إلى أنّ مواقع المقارنة يمكن أن تصبح قنواتٍ إعلانية، ويتابع قائلاً إنّ "البنوك سوف تدفع المال لتحصل على الظهور والبروز في أوّل القائمة. ولكن إذا قام المستخدِم بتصفية البحث، يصبح هذا غير مهمّ."
المستثمِرون متفائلون
بعدما وضع المؤسِّسون أموالهم الشخصية للقيام بمشاريعهم،
حصلوا جميعهم على تمويلٍ إضافيٍّ من مستثمِرين.
ففي شهر كانون الثاني/يناير هام 2014، تلقّى "سوق المال" في جولة
التمويل الثانية استثماراً بلغ 1.5 مليون دولار أميركي بقيادة
"هامينجبيرد فينتشرز" Hummingbird Ventures البلجيكية. كما حصل "ماني
كاميل" على استثمارٍ تأسيسيّ عام 2014، ولكن لم يُكشَف عن المبلغ.
وبدورها، بعد نتائج مواقع مقارنة أسعار المنتَجات المالية وتوسّعها في المملكة المتّحدة، رأت شركة الاستثمار "ميلفرهيل أسوشيتس"Mulverhill Associates التي تستقرّ في دبي هذا القطاع الذي ينمو في المنطقة كنموذجٍ يمتلك إمكانية النجاح.
ويقول المدير العام للشركة، جوناثان هول، "إنّنا نعتقد أنّه يوجد إمكاناتٌ هائلةٌ للنموّ." وبعد الإشارة إلى أنّ 60% من المنتَجات المالية في المملكة المتّحدة مصدرها مواقع المقارنات، لفت إلى اعتقاده بأنّ الرقم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "يجب أن يكون أقلّ من هذا بـ5% وحسب، وهذا هو حجم الفرصة."
ولكن... الحذر واجب
"الرأسمالية في أفضل حالاتها،" هذا ما ورد في مقالةٍ للـ"إيكونوميس" Economist حول مواقع مقارنة الأسعار، وذلك في إطار التحذير من التكاليف العالية المحتملة التي قد يتحمّلها كلٌّ من المستهلِكين والبنوك جرّاء استخدام هذه المواقع.
وقد يبدو موقع "بيزات" كمثالٍ محتملٍ عن هذا التحذير،
وهو الذي حصل على تمويلٍ بقيمة
مليون دولار من شركة الاستثمار المُخاطِر في المنطقة "بيكو
كابيتال" BECO Capital، في حزيران/يونيو من هذا العام.
وفي هذا الشأن يقول المدير التجاري في "بيزات"، طارق بياع، "إنّنا لم
نعد موقعاً لمقارنة الأسعار بالمعنى التقليدي، بل شركةً
تكنولوجيةً تساعد العملاء على مقارنة وشراء واستخدام التأمين
الطبّي الخاصّ بهم." وبعدما حثّتهم المنافع المتأتّية من التأمين
الصحّي للتركيز عليه أكثر من منتجاتهم الأخرى، فإنّ العاملين على موقع
"بيزات" يسعون أيضاً للاستفادة من الفرصة الناجمة عن القرار الذي
يلزم الشركات بتوفير التأمين الصحّي لكلّ العاملين فيها.
وبدوره، يقول أمير فرحة من "بيكو كابيتال" إنّه "عندما تنظر إلى مواقع لمقارنة الأسعار مثل ‘ماني سوبرماركت‘ moneysupermarket وتجد أنّها مربحة، أنظر أيضاً إلى ميزانيات التسويق لديها." هذه الأخير ضخمة للغاي، وهذا ما حذّرَت منه مقالة الـ"إيكونوميست". ويكمل فرحة قائلاً إنّ "الخدمات المصرفية هي معاملات قليلة الحدوث، ولذلك يجب أن تعمل على جعلها مربحة."
في هذا الأثناء، بالرغم من صعوبة إتاحة المعلومات المالية للجميع، فإنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدأت بخطوتها الأولى.