كيف تتحوّل المنطقة العربية إلى مركز الابتكار؟
بيرن شين في "فلات6لابز" يرشد فريق شركةٍ ناشئةٍ تستهدف تعليم الأطفال.
جائزة الابتكار، مؤتمر أو قمّة الابتكار، مرحلة الابتكار…. غالباً ما يتردّد على مسامعنا مصطلح "الابتكار" في المنطقة العربية أو حتّى في كلّ أنحاء العالم. ولا شكّ أنّ الأهمية التي نوليها لهذا المصطلح تعود إلى أنّه المكوّن الأساسي للتألّق والنجاح، أو حتّى إلى مجرّد إطلاق خدمةٍ أو منتَجٍ في عالمنا اليوم. فكلّ شيءٍ يجب أن يكون "مبتَكَراً" من أجل الحصول على فرصةٍ لتحقيق الاستدامة والتوسّع، أو البقاء.
ومع تطوّر البيئة الحاضنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومع سعي العديد من دول المنطقة إلى وضع الابتكار في قلب سياساتها لدعم الشركات الناشئة، أردنا أن نكتشف المعنى الحقيقيّ للابتكار، وأن نجسّ النبض حول مكانته في المنطقة. لذلك، التقينا ببيرن شين Bern Shen الذي يتنقّل بين وادي السيليكون وأبوظبي، والذي يُعرَف بكونه مستثمِراً ورائد أعمال متخصِّصاً بتكنولوجيا الصحّة، وعضواً في مجلس إدارة "تك وادي" TechWadi التي تبني الجسور بين وادي السيليكون والمنطقة العربية، ومرشداً مع "أسترولابز" Astrolabs.
"ومضة": نسمع مؤخّراً بمصطلح ‘الابتكار‘ كثيراً وكأننا نفرط في استخدامه، كيف تعرّف عنه؟
بيرن شين: بالفعل، استخدم كثيرٌ من الناس مصطلح ‘الابتكار‘ بطرقٍ مختلفة، والأكيد أنّ الابتكار يكمن في تطبيق الأفكار وتحويلها إلى مشاريع حقيقيةٍ لمنتَجاتٍ أو خدمات. ويبقى المفهوم الرئيسي أنّ الأفكار رخيصة الثمن، وغالباً ما لا نقدّر المساهمة الفكرية للأكاديميين. ولكن أحياناً، لا تكون الفكرة مهمةً بقدر طريقة تنفيذها، لأنّ طريقة التنفيذ هذه ستحثّك على الابتكار. وقد قال أحدهم إنّ أكبر تأثيرٍ للابتكار يحصل متى يكون مدمجاً في خطّة الأعمال. فعلى سبيل المثال، نعتبر اليوم أوّل جهاز ‘آي بود‘ iPod ابتكرته ‘آبل‘ Apple من دون أهمّيةٍ، ولكن في حينها كان هذا الجهاز مبتكَراً لدرجة أنّه غيّر خطط الأعمال في قطاع الموسيقى وطريقة تحميل الأغاني…
"ومضة": بحسب خبرتك الطويلة، أين أصبحَت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في طريقها لتكون مركزاً للابتكار وريادة الأعمال؟
شين: تضمّ المنطقة مجموعةً من المكوّنات المهمّة، من بينها رؤية القيادة. فمثلاً، أعلنَت الإمارات العربية المتّحدة رسمياً عن أنّها تريد التحوّل إلى أكثر الدول ابتكاراً في العالم خلال بضعة سنوات، وأنّها تسعى إلى تعيين مدراء مبتكِرين في كلّ الأقسام، بالإضافة إلى تخصيص رأس مال هائل للتمويل. ولا يسعنا أن ننسى تضاعُف عدد حاضنات الأعمال ومسرّعات النموّ في المنطقة، كمؤسَّساتٍ تساعد المواهب الكثيرة، ممّا يعكس تضافراً في الجهود، حتّى لو أخذ الأمر بعض الوقت.
"ومضة": ما الذي ينقص المنطقة؟
شين: التجربة والخبرة. غالباً ما أسمع الناس يقولون إنّهم يريدون سماع المزيد من الأمثلة عن عمليات استحواذٍ ناجحة، في حين يفضّل آخرون رؤية عملياتٍ مشابهةً لعشرة شركاتٍ صغيرة ومتوسّطة الحجم عوضاً عن شركةٍ واحدةٍ عملاقة. أتعرفون السبب؟ لأنّ ذلك سيشجع روّاد الأعمال ويشكل مصدر إلهامٍ لهم كي يدركوا ما الذي يستطيعون تحقيقه وابتكاره.
إذا أردتُ أن أقارن بين الإمارات (حيث أقيم) وموطني وادي السيلكون، ألاحظ أنّ في تلك الدولة العربية ما زالت توجد مساحةٌ لتنمية البحث والتطوير R&D الأكاديمي والصناعي لتحقيق الملكية الفكرية، بالإضافة إلى وضع قوانين تساعد على تأسيس الشركات وتوفير رأس المال…
"ومضة": كيف تستطيع المنطقة التصدّي لهذا النقص إذاً؟
شين: لا توجد طرقٌ مختصرة، إذ لا بدّ من تجربة الأمر مراراً وتكراراً حتّى تتعلّم كيف تنجزه بشكلٍ مثاليّ، ولا بدّ من التعلّم من كلّ تجربة. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي تسريع الجهود الحالية لإيجاد إطار عملٍ قانونيٍّ شفّاف ومرن للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم، والتحفيز على ثقافةٍ إقليميةٍ لريادة الأعمال بين الوافدين والمواطنين. فالمواهب والأفكار غالباً ما تجذبها الظروف المواتية والأموال؛ ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تملك الإمكانية لئلّا تكون سوقاً فحسب، بل مصدراً متنوّعاً لابتكار القيمة.
"ومضة": رغم تضافر الجهود، كما قلتَ، لا تزال قصص النجاح في المنطقة نادرة. إلامَ يُعزى ذلك؟
شين: يعود السبب جزئياً إلى أنّ الأمور تأخذ الكثير من الوقت، والبيئة الحاضنة هنا ما زالَت فتيّةً وحديثة العهد. حتّى في وادي السيلكون، فقد بدأت ‘إنتيل‘ Intel كشركةٍ ناشئة صغيرةٍ واحتاجَت إلى 17 عاماً لتحقّق أوّل مليار دولارٍ من المبيعات. ولذلك، لا أعتقد أنّه يجب أن نكون بغاية القسوة في الحكم على الشركات الناشئة والمستثمِرين هنا إذا لم يحققوا نجاحاً عملاقاً في السنوات الأولى، لأنّ النجاح يستغرق وقتاً طويلاً.
"ومضة": في الختام، ما هي نصيحتك لروّاد أعمال المنطقة العربية؟
شين: أشعر بالطاقة والتفاني والسعي المبذولِين في سبيل تحويل هذه المنطقة إلى مركزٍ للابتكار، حتّى لو أنّ ذلك سيستغرق بعض الوقت. أنصح روّاد الأعمال أن يوسّعوا شبكات معارفهم، وأن يساندوا بعضهم البعض من خلال مختلف المنصّات كاللقاءات ومسرّعات النموّ، وأن يستغلّوا معرفتهم المحلّية بحاجات السوق وعلاقاتهم، وأن يتواصلوا بشكلٍ فعّالٍ مع أصحاب القرارات في القطاعَين الخاصّ والعام من أجل إيجاد ظروفٍ مواتية لشركتهم.