‘يو في لاب‘: عندما يتعانق الفنّ والهندسة
مطعم "خان بار"، المشروع المتكامل الأوّل الذي نفذته "يو في لاب"
الهندسة فنّ، والتصميم فنّ، ولكنّ هندسة وتنفيذ التصاميم الفنّية ليست موهبةً يمتلكها الجميع. فلم يكن المصريون القدامى يمتلكون أجهزة الحاسوب ليصمّموا الأهرامات ومن ثمّ يبنوها، وكذلك لم يفعل الصينيون أثناء تشييد سور الصين العظيم. الهندسة والتصميم قديمان قدم معرفة الإنسان بالبناء، ولكنّ الوسائل والأدوات تتطوّر، وهكذا كان مع الحاسوب الذي بات أداةً تساعد في هندسة وتصميم وعرض ما يُعرَف بالتصاميم البارامترية (المتغيّرة) Parametric Design قبل أن تصبح واقعاً على الأرض.
لا شيءٍ يُبنى دون هندسته وتصميمه مسبقاً، فكيف إذا ساعدك العلم في إظهار موهبتك؟
التصميم البارامتري الذي بات يُعتَمَد في برامج للحاسوب تُستعمَل للهندسة، يسمح للتعديلات في أيّ جزءٍ من أجزاء التصميم بأن تظهر آلياً في باقي الأجزاء، مختصراً الوقت والجهد الكبيرَين الذي يتطلّبهما تنفيذ وتجربة هذه التعديلات يدوياً. وبواسطته، يستطيع المهندسون المعماريون أن يدرسوا العلاقات بين الجوانب الأساسية لبناءٍ فعليّ، بما في ذلك المواد المُراد استعمالها وتقنيات التصنيع والخصائص الهيكلية في عملية التصميم.
فيديو يُظهر كيفية عمل التصميم البارامتري على الحاسوب
وفيما كان المهندس المعماريّ الكنديّ فرانك جيري من أوائل الذين استغلّوا التكنولوجيا التي وُضعَت أصلاً لصناعة السيارات والطائرات في الهندسة المعمارية، بات يُستفاد من تقنيات التصميم البارامتري في تصميم وتنفيذ أشياء من الحياة اليومية والارتفاعات والهياكل ومخطّطات الشقق والتنظيم المَدَني، وفي رسم خرائط البيانات data mapping وعرض تصوّراتٍ مسبقة للنماذج. (أشهر الأبنية التي نفُذَّت باستخدام التصميم البارامتري).
ومن هذه التقنيات التي تعلّمها أثناء دراسة الهندسة في جامعة دمشق، استفاد خالد الورِع، مؤسِّس "يو في لاب" UV Lab، محاولاً تقديم حلولٍ متطوّرةٍ للتصاميم الفنّية التي تتميّز بالفرادة، عبر استخدام التصميم البارامتري والأدوات الهندسية الرقمية الأخرى.
"الفنّ والهندسة المعمارية يُستخدَمان لتشييد المباني، ولكنّ دورهما يكمن في إظهار الجمال." يقولها خالد الذي يشير إلى الجهد الذي يبذله وفريقه في إنجاز العمل وتركيب التصميم المنجَز، لافتاً إلى أنّهم يعتمدون على مواد رخيصة ولكن خلّاقة."
الليل أجمل بالألوان، مشروع "جرين شيب".
لا يبني خالد وفريقه العمارات، ولكن ما الذي يفعلونه؟ يجيب هذا الرياديّ السوري الذي لا يزال في مراحله الأولى وأسّس عمله بالمجهودات الشخصية، أنّهم يركّزون على تنفيذ التصاميم التي ترافق الفعاليات والاحتفالات والحفلات الموسيقية، "لأن التصاميم تتفاعل أكثر مع الموسيقى ويكون لها تأثير أكبر، خاصّة إذا ما ترافقت مع المؤثّرات الضوئية."
وحتّى الآن، كان لخالد وفريقه خمس تجارب في هذا المجال الجديد نسبياً، هي؛ "خان بار" Khan Art Bar (تصميم كامل لمطعم في شارع "مونو" Monot البيروتي)، "شاماش" Shamash (التصميم الأوّل للفريق وكان أثناء مخيّمٍ صيفيّ)، "باين ميتريك" Pine-metric، "بنزين وسخ" (تصميم منصّةٍ لحفلة)، و"جرين شيب" Green Sheep (تصميم مع إضاءة لحفلة).
يقول خالد إنّ معظم هذه المشاريع "كانت مشاريع رخيصةً جداً،" ذاكراً أنّ مشروع "بنزين وسخ" كان مهمّاً "لنا من ناحية التسويق، حيث أتينا بفرقٍ موسيقيةٍ سوريةٍ ومغنّي ‘راب‘ Rap سوريين، وصمّمنا المسرح لهم، وكانت الحفلة لجمع التبرّعات لبعض اللاجئين المحتاجين."
حينما تتلاقى الفنون على مسرحٍ واحد، حفلة "بنزين وسخ".
الفكرة، المعاناة، الفريق، والإبداع
بعد تخرّجه من قسم الهندسة المعمارية، لم يشأ المهندس الشاب أن يجلس في المكتب طوال الوقت، ولذلك قرّر العمل في الخارج وابتكار "شيءٍ مسلٍّ وخلّاق."
وفيما بعد، لم يقف النزوح إلى لبنان عائقاً بوجه خالد، الذي تعرّف إلى زميله في الفريق حالياً، مايك شنشو الذي. ويشير إلى أنّ العضو الآخر في الفريق، زينة عبد الله، صديقته، رسّامة بارعة للرسوم الثلاثية الأبعاد، ولا ينسى أن يذكر ساندي قسطون أيضاً. "فاجتمعنا في مخيّم شحتول نتبادل خبراتنا ونحاول أن نندمج كفريقٍ سوياً أكثر. وبالتالي عملنا على نموذجنا الأوّليّ، فأنجزنا ‘شاماش‘، وهو عبارة عن مجسّمٍ لوجهٍ ضخمٍ مصنوعٍ من القصب."
عيون "شاماش" حزينة على الرغم من جماله
لا يجني الفريقُ المالَ بعد، ولكنّ أعضاءه يتطلّعون لمراكمة الخبرة وبناء سيرتهم المهنية، وبالتالي الخروج بنموذج عملٍ يناسبهم. ويشرح خالد الأمر قائلاً: "بميزانيةٍ صغيرةٍ، ننجز هذه الأعمال التي تنال استحسان الناس ودهشتهم." وفي حين أنّهم ما زالوا في مراحلهم الأولى، لكنّهم يمتلكون طموحاً كبيراً. فبالرغم من العمل في لبنان على صعيدٍ ضيّق، يطمحون لاستهداف السوق العالمية، "لأنّنا نعرف أن هذا القطاع الذي نعمل فيه جديدٌ وغير مستنزفٍ بعد، لا في العالم ولا في المنطقة،" بحسب خالد الذي يشير إلى استخدام التقنيات الهندسية ضمن تصاميم منصّات الحفلات والعروض.
وعن المنافسة، يشير إلى أنّ قطاع التصميم الإبداعيّ في العالم العربيّ لا يزال صغيراً، "ولذلك لا يوجد منافسون فيه، ولكن يمكن أن نرى ذلك في المستقبل."
"باين متريك" يُلبِس الصنوبر ثوباً مغرياً
من جهةٍ أخرى، بالإضافة إلى التحدّيات التي تواجههم كنازحين سوريين في لبنان، بحيث لم يكن لديهم جهات اتّصالٍ يعتمدون عليها في هذا البلد، يموّل الفريق مشاريعه من ماله الخاصّ ولم يلجؤوا بعد لأيّ مستثمر. وإلى جانب النقص في المال، يواجه الفريق عدم القدرة على الاجتماع طوال الوقت، إضافةً إلى "أنّنا في لبنان لا نملك مساحةً نضع أدواتنا فيها ونقيم ورش العمل وننفّذ تصميماتنا، كما أنّ العثور على هكذا مساحة في بيروت يعتبر من الأمور التعجيزية أيضاً،" كما يقول خالد.
أمّا عن فوزه بقسيمةٍ لـ"تحقيق الحلم" من "دريم ماتشر" Dreammatcher، يقول خالد إنّ صديقه أرسل له عنوان صفحتهم على "فايسبوك" Facebook، "فسجّلتُ وذهبتُ إلى الفعالية التي أقاموها، وشرحتُ فكرتي وربحتُ منحةً قرّرتُ أن تكون من ‘ومضة‘، وذلك لكي نحصل على تغطيةٍ إعلامية."
الصور من صفحة "يو في لاب" على
"فايسبوك".