الحكومة الإلكترونية في مصر: شراكةٌ واعدة مع روّاد الأعمال
يقف مجمّع التحرير، البناء البيروقراطيّ المركزيّ في مصر الذي يُعتَبَر إرثاً حكومياً، كحارسٍ لميدان التحرير. ويرغب في تطوير هذا البناء الأثريّ بعض روّاد الأعمال الطموحين الذين تدعمهم وزارة الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات، مندفعين من خلال بعض الإصلاحات الصغيرة والمؤثّرة في العمل الحكوميّ في مصر.
تقول ماجدة حبيب، رئيسة الشؤون التجارية في منصّة الدفع الإلكترونيّ "فوري" Fawry التي أقامت شراكةً مع الحكومة المصرية، إنّه لا يوجد سببٌ كي لا تتمّ المعاملات الحكومية عبر الإنترنت، كتجديد رخصة السيارة للشركة أو دفع فواتير الكهرباء.
وبحسب ما أخبرَت "ومضة"، تقول حبيب إنّ "كلّ هذه التفاعلات لا يجب أن تتمّ في المكاتب الحكومية. التحديات التي تواجه الحكومة تجبرهم على التفكير بطريقةٍ مختلفة والنظر في استراتيجياتٍ بديلة ... إنّهم مضطرّون للنظر في حلولٍ غير عادية وغير تقليدية."
وكانت "فوري" في وقتٍ سابقٍ من الشهر الماضي قد أطلقَت منصّةً إلكترونية للحصول على رخص السيارات، تتبعها حملةٌ إعلانيةٌ هذا الشهر بعد تسوية مكامن الخلل فيها.
وبهذا، فإنّ هذه المنصّة الإلكترونية التي قصّرت العملية التي تتطلّب الحضور شخصياً لدفع الرسوم في وزارة الداخلية وفرز المخالفات المرورية مع وزارة العدل وشراء عقد تأمينٍ من شركةٍ معتمدةٍ من الحكومة، تأمل أن تضمّ كلّ هذه الخطوات في ملفٍّ واحدٍ يُقَدّم إلى وزارة النقل.
وتقول حبيب إنّ هذا الموقع جاء نتيجةً للـ"تكاملٍ مثاليّ" الذي أُوجِد بين الوزارات الثلاث وإدارات كلٍّ منها. ويعود هذا الأمر للدعم الثابت الذي قدّمته "فوري" للموظّفين الحكوميين التشغيليين الذي احتاجوا للتدريب، وأيضاً للضمان أنّ مكننة العملية لن تودي إلى خسارتهم لوظائفهم.
إيجاد تجربةٍ ضمن المؤسّسات
إنّ تعزيز المعرفة داخل الحكومة فضلاً عن وجود وعيٍ عالٍ لدى الشعب، يشكّل أمراً أساسياً لنجاح "فوري" في توفير الخدمات الحكومية إلكترونياً: عرضَت مصر فعلاً بعض الخدمات عبر الإنترنت لبعض الوقت، ولكنّ عدداً قليلاً يعرف بها وحسب.
بدوره، يقول محمّد أنيس من سكّن القاهرة، إنّه تقدّم بطلبٍ للحصول على نسخةٍ من شهادة ميلاده عبر الإنترنت عام 2007، فتفاجأ بتلقّيه لاتّصالٍ هاتفيّ من القسم يسأله ما إذا كان متأكّداً: سيُكلّف الأمر 40 جنيهاً مصرياً (5 دولارات أميركية) مقارنةً مع 8 جنيهاتٍ (ما يزيد قليلاً على دولارٍ واحد) إذا جاء بنفسه إلى المكتب الحكوميّ. وأشار أنيس الذي حاول مرّةً إقناع موظّفٍ حكوميٍّ بأنّه لا يمزح، إلى أنّ الخدمة كانَت سريعةً ومريحة. ولكنّ عملية مسحٍ سريعةٍ في مكان عمله الأسبوع الماضي، أوضحَت أنّ واحداً من زملائه فقط يعتقد بأنّ هذه الخدمة كانت موجودة حتّى في عام 2015.
من جهتها، استفادت شركة البرمجيّات التي تتّخذ من مدينة الإسكندرية مقرّاً لها، "إي سبايس" eSpace، من التجربة المؤسّساتية منذ عام 2010. وقتها، أتاحَت الثورة للمدير التنفيذيّ يوسف علي فرصةً لتوجيه جزءٍ من الجسم الحكوميّ نحو استعمال البرمجيّات مفتوحة المصدر والبدء في عملية تثقيف موظّفي الدولة.
ويقول علي إنّ الحكومة قبل عام 2011 لم تكن تستخدم البرمجيّات المفتوحة المصدر، ولم يكن أيٌّ من الموظّفين يفهمها حقّاً.
ولكن بعدما طُلِب منهم في آخر لحظةٍ بناءُ موقعٍ للمعلومات عن الناخبين، في الأسابيع التي شهدَت خروج حسني مبارك والاستفتاء يوم 19 آذار/مارس 2011، عرّف فريقُ علي وزارةَ التنمية الإدارية السابقة على نظام "لينكس" Linux، من أجل بناء قاعدةٍ وطنيةٍ لبيانات الناخبين.
وبعد أربع سنواتٍ، تعمل "إي سبايس" على تحضير موقعها الإلكترونيّ من أجل الانتخابات البرلمانية في آذار/مارس ونيسان/أبريل. ويقول علي عن هذا الأمر، إنّ الفائدة الأساسيّة هي أنّه لا يزال يعمل مع الفريق الحكوميّ نفسه.
"لقد كان الأمر صعباً قليلاً في البداية، ولكن لنكون منصفين فإنّ الشباب في وزارة التنمية الإدارية كانوا على درجةٍ عاليةٍ من الكفاءة،" يقولها علي الذي يمكن أن يلحظ المعرفة الإضافية التي استحقّت ضمن النظام.
في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، نشرَت وزارة الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات خطّة عملٍ استراتيجية للتشجيع على استعمال البرمجيّات الحرّة مفتوحة المصدر في كلٍّ من القطاعَين العامّ والخاصّ، داعمةً التوصية التي دعا علي إلى اعتمادها سابقاً.
التحوّل الثقافيّ
تستفيد شركات التكنولوجيا هذه من التحوّل الثقافيّ داخل الجسم الحكوميّ الذي بدأ مطلع الألفية الجديدة، حيث بدأت الحكومة بتحديث سياساتها تجاه الشركات الصغيرة وريادة الأعمال. تمّ تغيير القوانين لإعطاء الشركات الصغيرة ما لا يقّل عن 10% من جميع العقود الحكومية، وعام 2004 تمّ إنشاء "هيئة تنمية قطاع تكنولوجيا المعلومات" ITIDA لتعزيز قطاع تكنولوجيا المعلومات.
واليوم، يقود حملة الحكومة الإلكترونية في مصر وزيرُ الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات عاطف حلمي، الذي كان مديراً سابقاً في شركة "أوراكل" Oracle. ولقد نشط الوزير في سبيل إيجاد تواصلٍ بين شركات التكنولوجيا مثل "فوري" مع الدوائر الحكومية، بهدف مساعدة القطاع الخاصّ على المشاركة في المبادرات الخاصّة بالحكومة الإلكترونية.
وكما هو معلوم، فإنّ الحكومة عندما تريد القيام بمشاريع مع القطاع الخاصّ، عادةً ما تقوم بها مع شركاتٍ كبرى تملك معها علاقةً طويلة. ولهذا السبب، كانت المقدّمات التي قامت بها وزارة الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات بمثابة أمرٍ حاسم.
من ناحيتها، تُعتَبَر "نت كير" Netcare واحدةً من الشركات الناشئة التي مهّدت الوزارةُ الطريقَ أمامها من خلال العمليات البيروقراطية، وذلك بفضل الفكرة الجيّدة.
والمدير التنفيذيّ في "نت كير"، أمجد مرجان، كان قد أسّس "هوب" HOPE كمؤسَّسةٍ اجتماعيةٍ تعمل مع المركز الوطنيّ لنقل الدمّ NBTC للمساعدة في منع هدر الدمّ المتبرَّع به. والأمر يتمّ عبر تطبيقٍ يُظهِر بشكلٍ مجهولٍ مانحاً قريباً يتشارك فصيلة الدم مع المريض الذي يكون في حاجةٍ ماسّة إلى الدمّ، ومن ثم ينبّه المانح عن طريق الرسائل القصيرة.
امتلك مرجان هذه الفكرة منذ عام 2012، ولكنّه لم يُطلِع المركز الوطنيّ لنقل الدمّ عليها إلّا عام 2013، بعدما تواصل مع مستشارٍ وزاريٍّ من وزارة الاتّصالات. وخطّة التوسّع لهذا العام تشتمل على وضع أكشاكٍ في المستشفيات للتبرّع بالدمّ، كما وتزويدها بحواسيب "آي باد" iPad اللوحية كي يتمكّن الأطبّاء من التواصل مع المانِحين إلكترونياً في حالات الطوارئ.
تغيّرٌ إيجابيّ
يقول العضو في برنامج الزمالة لدى مركز "كارنيجي الشرق الأوسط" Carnegie Middle East، عمر عدلي، إنّه لا يجب النظر إلى شراكات الحكومة مع شركات التكنولوجيا الصغيرة على أنّها خروجٌ عن القاعدة. وذلك لأنّ هذه الأعمال التي تتمتّع بالمهارات المطلوبة، هي التي سوف تؤمّن تنفيذ الوعود بالتحديث.
ويقول عدلي لـ"ومضة"، إنّ "المسألة ليست في أنّ الحكومة تغيّرَت. إنّه فعلياً لأمرٌ جيّد أن تسمح الحكومة للشركات التقنية الناشئة بالاستفادة من هذه الفرص."
إنّها إيجابيّةٌ جدّاً، لأنّ الفوز بعقدٍ حكوميّ يستغرق وقتاً طويلاً، كما يُعتَبَر باهظاً جدّاً بالنسبة للشركات الصغيرة والناشئة.
ويضيف عدلي، أنّ انعدام الشفافية من قِبَل الجانب الحكوميّ يُعتَبَر مشكلةٌ رئيسيةٌ بالنسبة للشركات. ولكن في المقابل، يصعب على الحكومة اكتشاف قادة السوق بين الشركات الصغيرة.
وعلى الرغم من هذه التحدّيات، فإنّ إمكانية إحداث التغيير من خلال العمل مع الحكومة ما زال يجتذب شركات التكنولوجيا الصاعدة في مصر.
يُذكَر أنّ "فوري" وقّعَت للتوّ صفقةً مع صندوق التضامن الاجتماعيّ الذي سيوفّر قروضاً صغيرةً للناس في القرى الريفية، بهدف شراء خدمات "فوري" وإنشاء شركاتٍ صغيرة وتعزيز امتداد الشركة في الوقت نفسه. كما يتحدّث الفريق أيضاً إلى وزارَتَي الاستثمار والتخطيط حول إنشاء بوابّات دفعٍ إلكترونية لتسديد الضرائب عبر الانترنت.
أمّا مرجان، فهو يسعى من خلال "نت كير" للوصول إلى المستشفيات العامة. وبدورها، تقوم "إي سبايس" ببناء موقعٍ على شبكة الإنترنت لوزارة الشباب والرياضة، بهدف تشجيع الشباب على التصويت في الانتخابات المقبلة.