تقنيات روّاد الأعمال تساهم في تطوير الزراعة في مصر
لثمانية آلاف عام، شكّلت منطقة الدلتا الخضراء والأراضي المحيطة بنهر النيل مصدرَ دعمٍ لسكّان مصر المتنامين، عبر المحاصيل الوافرة والقطعان.
وفي سبيل تقديم أفكارٍ جديدة، راحت الابتكارات تتوالى بسرعةٍ واحدةً تلو الأخرى. أمّا اليوم، فالتغيير يأتي عبر حفنةٍ من روّاد الأعمال، الذين يحاولون الاستفادة من طفرة قطاع الشركات الناشئة التكنولوجية كمنصّةٍ للتغيير.
في مصر، تعمل ربع القوى العاملة في البلاد في قطاع الزراعة. ولقد ذكرت آخر إحصاءاتٍ متوفّرةٍ عام 2012، أنّ 15% تقريباً من الناتج المحلّي الإجمالي تأتي من 3,6% من مساحة الأراضي.
وإلى ذلك، يهدّد هذه الأراضي عددٌ كبيرٌ من المشاكل، أبرزها التوسّع المدني والتغيير المناخي، إضافةً إلى تملّح الأرض والماء. وفيما تحتلّ مصر صدارة معدّلات التصحّر، قال منسّق برنامج الجمعية الألمانية للتعاون الدولي - القاهرة GIZ Cairo، آريان بورجستد Ariane Borgstedt، خلال محادثات القاهرة للمناخ Cairo Climate Talks، إنّه لم يعد هناك ما يكفي من الماء لهذا القطاع لدعم السكّان الذين يقدّر عددهم بـ93 مليوناً بشكلٍ كامل.
هذه الإحصاءات المثيرة للقلق، تدفع روّاد الأعمال للنظر أبعد من سوق صناعة التطبيقات المزدحمة. وهذا ما يحثّهم على الالتفات إلى التأثير الاجتماعي، الذي ينتج من خلال معالجة بعض هذه المشاكل.
وفي هذا السياق، نجد شركاتٍ ناشئةً مختصّةً بالمياه وبالزراعة المائية السمكية "أكوابونيكس" aquaponics، التي تقول إنّ تقنياتها يمكن أن توفّر 90% من المياه التي تتطلّبها طرق الزراعة التقليدية؛ مثل "أجريماتيك فارمز" Agrimatic Farms و"بستان أكوابونيكس" Bustan Aquaponics و"شاضوف" Schaduf. وتوجد شركاتٌ أخرى لإنتاج أجهزةٍ عالية التقنية تساعد على حلّ المشاكل في قطاع الألبان والأجبان، مثل "كوبي سيستيمز" Cubii Systems و"فارمينال" Farminal. بالإضافة إلى ذلك، توفّر شركات أخرى تكنولوجيا الطاقة المتجدّدة لأغراضٍ زراعية، مثل "بايوجاس بيبول" BioGas People و"كرم سولار" KarmSolar.
وبينما يصف مسؤول الزراعة في "إم سي إيجيبت" MC Egypt، بنيامين سيل، إمكانيات الشركات الناشئة الزراعية بالكبيرة، يقول لـ"ومضة" إنّ "خطوط الإمداد مليئةٌ بالأفكار العظيمة." ويتابع قائلاً، "يوجد في هذا البلد عشراتٌ من الأفكار والابتكارات المدهشة، والعشرات من أفضل الباحثين."
من الجلباب إلى السترة السوداء
من جهتها تقول يارا عيد زميلة بنيامين سيل، إنّ تغيير الموقف تجاه الشركات الناشئة الزراعية لم يحصل إلّا خلال العام المنصرم. إذ اتّجه عدد من مشاريع التكنولوجيا الزراعية من مرحلة الفكرة إلى بناء النماذج الأوّلية، أو إلى البدء في تسويق منتجاتهم. فمفهوم الزراعة كقطاع أعمالٍ عائليةٍ ولا يحتاج للتقنيات، يتغيّر ببطء.
وتضيف عيد، إنّ "الفكرة السائدة كانت أنّ المستثمرين يرفضون الخوض في الزراعة، ولكنّ هذا يتغيّر الآن." وتشير إلى أنّ "الناس بدأوا يدركون قيمة امتلاك محفظة استثماراتٍ متنوّعة. إنّهم يتوجّهون أكثر نحو رؤيةٍ على المدى البعيد."
أمّا بالنسبة للمدير التنفيذي لـ"فلا6لابز" Flat6Labs، رامز محمد، الذي يرى أنّ قطاع الزراعة لا يعتمد كثيراً على التكنولوجيا كما ينبغي، ينظر إليه كإمكانيةٍ للأفكار المبتكِرة لتعيد تشكيل الزراعة في مصر. وفي بلدٍ حيث تُعتبَر الزراعة مهمّةً جدّاً، يعتقد أنّه يجب أن تظهر شركاتٌ ناشئةٌ زراعية أكثر ممّا هي عليه الآن.
في غضون ذلك، كانت الشركة الناشئة "فارمينال" باختراعها الأوّلي الذي يقوم بالكشف عن مرض التهاب أثداء الماشية، هي الشركة الناشئة لتكنولوجيا الزراعة الوحيدة التي اختارتها "فلات6لابز" لتنضمّ إلى حاضنتها لكسب الخبرة. ويقول عنها محمد، "إنّها كانت جيّدةٌ فعلاً، نريد رؤية المزيد."
ولكنّ التحدّي الحقيقي يظهر عندما يتعلّق الأمر باكتساب استثمارٍ، عبر إقناع الناس بأمورٍ غير صنع التطبيقات وتصميم البرامج. فغالباً ما يكون أمام الشركة الناشئة مرحلة من الأبحاث والتطوير لعامَين أو ثلاثة، وهذا ما يخيف الذين لا يملكون فهماً عميقاً للتكنولوجيا والقطاع الزراعي.
من ناحيته يقول مؤسِّس "بايوجاس بيبول"، هاني الخضري، "أحتاج أوّلاً للتأكّد من أنّ كلّ شيءٍ على ما يرام. لديّ شريك ولديّ فريق تقني، وسنرى كيف ستسير الأمور."
أمّا مؤسِّس "فارمينال" وليد سرور (الصورة)، فيقول إنّ برمجيّته التي توفّر للمزارعين نظام إنذارٍ مبكر للمشكلة الصحّية الأكبر التي يعاني القطيع منها، هي حصيلة سنةٍ كاملةٍ من تطوير النموذج الأوّلي، وتحتاج سنةً إضافيةً قبل أن تكون جاهزةً للإطلاق في الأسواق. وكلّ الأموال التي حصل عليها من "فلات6لابز" كاستثمارٍ تأسيسي، إضافةً إلى منحة "التعاون الأكاديمي لتكنولوجيا المعلومات" ITAC التي تقدّمها هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات ITIDA، ستذهب حتماً نحو تطوير المنتَج.
العقبات
بما أنّ المستثمرين يتحدّثون عن السنوات الصّعبة التي تسبق عملية التسويق، فإنّ على روّاد الأعمال المختصّة بالزراعة أن يكافحوا أيضاً بعض العقبات التي لا تواجه زملاء لهم في المدينة نفسها.
ويتحدّث مؤسِّس الشركة الناشئة التي تُعنى بالزراعة المائية (السمكية) "أجريماتيك فارمز"، مصطفى حسنين، ليشير إلى أنّ استخدام الأراضي والوصول إليها هما مشكلتان كبيران.
كما أنّ نظام تسجيل الأراضي المعقّد في مصر، يودي إلى "عدم معرفة" ما إذا كان الشخص يستأجر أو يشتري الأرض من مالكها الحقيقي. إضافةً إلى ذلك، يسعى حسنين للبحث عن قطعة أرضٍ في منطقة الدلتا للقيام بفحص مشروعه وإطلاقه، على الرغم من أنّ فريقه عقد شراكةً مع عائلةٍ مزارعةٍ قريبةً من القاهرة.
مزرعة للزراعة المائية السمكية
ويتوقع أن يصبح استخدام الأراضي مشكلةً، كلّما أرادت شركته "أجريماتيك" أن تتوسّع. وذلك لأنّ نموذج زراعة "أكوابونيكس" يجمع ما بين تربية الأسماك والزراعة، وهذا ما يمكن أن يودي إلى مشاكل بيروقراطية عدّة جرّاء استخدام الشركة للأراضي المحدّدة لكلّ قطاعٍ.
في قطاعٍ "مشوّش" كما يصفه روّادُ الأعمال المختصّة بالزراعة، فهم يعتبرون أنّه من الصعب العثور على مزارعين مهتمّين يمكن تجربة المنتجات معهم أو بيعها لهم. وذلك بسبب الحاجة إلى تحديد الذين يمكن أن يعتمدوا التقنيات الجديدة، وحتّى بسبب الحاجة إلى الأكاديميين الذين يمكن أن يتواصلوا معهم لتبادل المعلومات أو التوسّع بمشروعٍ ما ليكون عملاً قائماً.
أمّا أشرف الشرقاوي، مؤسِّس شركة رأس المال المخاطر "إنّوفينتشورز" Innoventures، فيقول إنّ الكثير يقع على عاتق الحكومة أيضاً. ونظراً لانخفاض احتياطي النقد الأجنبي في مصر وارتفاع فاتورة استيراد الغذاء، يقول إنّه ينبغي على سياسات الحكومة التركيز على تطوير الزراعة الوطنية، وذلك للحفاظ على مستوى الأوّل وتخفيض الثاني. ويقول لـ"ومضة" متحسّراً، "لا أرى أيّة استراتيجية."
الأبحاث
الأبحاث هي أساس الزراعة في مصر. فالمشاريع التي يقوم بها "مركز بحوث الصحراء" حول تحويل الأرض المتملّحة إلى أرضٍ صالحةٍ للزراعة، أو الدراسات التي يجريها "مركز البحوث الزراعية" عن علم وراثة الحبوب، ما هي إلّا جزء بسيط ممّا يحويه الميدان الأكاديمي الواسع في مصر.
ومع ذلك، فإنّه من الصعب الحصول على هذه المعلومات.
وفيما يقول سيل إنّ الكثير من الأبحاث "تعلق في الممرّات المظلمة" للحكومة والأوساط الأكاديمية، يشكو حسنين من الباحثين الذين لم يعتادوا نشر نتائج الأبحاث ولا يرغبون في مشاركة أفكارهم.
ومن جانبه، كان سرور قد عثر على حلّ. فجزءٌ من منحة "آيتيدا" ITIDA التي فاز بها في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر، والتي رفض الكشف عن قيمتها رغم أنّ ميزانية مشروعه تصل إلى 140 ألف دولار، كانت بالتعاون مع جامعة القاهرة. فشريكه الدكتور محمد رشدي، يدرّس في الجامعة ويقوم ببعض الأبحاث فيها، كما يتشاركون الخبرات والمعلومات.
في غضون ذلك، فإنّ المستثمرين والمنظّمات الداعمة مثل "إم سي إيجيبت" MC Egypt و"آيس كايرو" Ice Cairo و"نهضة المحروسة" Nahdet el Mahrousa، يراقبون هذا القطاع عن قرب ويتوقّعون أن تبرز بعض النجاحات في المديّين المتوسّط والطويل.
يقول الشرقاوي، "إنّ التكنولوجيا المصنوعة في مصر هي ما نبحث عنه، وهناك مصلحة في ذلك." كما يضيف، "إنّنا نبحث عن الابتكار في الزراعة لأنّنا نؤمن أنّها ذات إمكانياتٍ."