طريق الشركات الناشئة العربية إلى وادي السيليكون صعبة وليست مستحيلة
عندما تتحدث مع خالد نصر عن استثمارات رأس المال المخاطر وعن مشهد شركات التقنية الناشئة في كلٍّ من وادي السيليكون والشرق الأوسط، فمن الأفضل أن تكون قد انتهيت من واجباتك المنزلية أولاً. نصر، رائد الأعمال المخضرم الذي تحوّل إلى مستثمر مخاطر، نشط استثمارياً في المجالَين. وهو يعبّر عن استنتاجه بشكل واضح وصريح: "[كشركة ناشئة شرق أوسطية]، يبدو من الصعب الحصول على المال من صناديق رأس المال المخاطر في الولايات المتحدة الأميركية. وما يمكنك القيام به هو نقل مركزك الرئيسي أو القيادة العليا إلى الولايات المتحدة، ومن ثم الظهور كشركة أميركية." في الواقع، إن الانتقال إلى وادي السيليكون والاستفادة من المعرفة الواسعة والموارد المالية، هو خطة لطالما اعتمدتها شركات ناشئة عالمية بنجاح.
ولكن لماذا لا يمكنهم الحصول على تمويل في الشرق الأوسط؟" يجيب نصر بأنه "حسب أولويات شركات وادي السيليكون الاستثمارية، فإن التركيز عادة ما يكون على منطقة خليج سان فرنسيسكو أولاً، وكاليفورنيا ثانياً، ومن ثم بقية الولايات المتحدة. من جهة أخرى، معظم شركات رأس المال المخاطر في الولايات المتحدة ليس لديها تواجد أو حتى معرفة خارج حدود أميركا الشمالية. فعندما تخوض في الاستثمار، فإن أحد أهم الأشياء هي السوق؛ ولكن الشهية والاهتمام مفقودَين حتى بالنسبة لبعض الأسواق الكبيرة مثل الصين والهند والبرازيل." تختلف صناديق رأس المال المخاطر عن صناديق الاستثمار التأسيسي والممولين التأسيسيين، بأن لها أهدافاً مختلفة من حيث العائدات والجداول الزمنية. ففي حين يتطلّع المستثمرون التأسيسيون إلى إمكانية الربح من شركات ناشئة مع فرق واعدة، فإن رأس المال المخاطر "يبحث عن شركة بمليار دولار أميركي، وما يؤمّن مثل هذه الشركة عادة ًهو السوق الكبيرة."
إضافةً إلى ذلك، فصناديق رأس المال المخاطر في الولايات المتحدة الأميركية لا تبدو بعيدة عن السوق العربية وحسب، إلا أنها غالباً ما يكون لديها دلالات سلبية عنها، تعززها الأخبار الواردة كل يوم،" بحسب ما يضيف نصر.
"ما هي طريق وادي السيليكون يا جو؟"
لهذه الأسباب، فإن الشركات الناشئة وروّاد الأعمال العرب الذين يلتمسون المال من صناديق رأس المال المخاطر الأميركي، يمكن أن يضيعوا بعملهم هذا مواردهم القيّمة، إصافة إلى الوقت وما غير ذلك. "بقدر ما أعلم، لم يستطع أحدٌ من الذين جاؤوا لجمع المال الاستثماري أن ينجح بذلك في السنوات القليلة الماضية سوى عدد قليل منهم." يؤكّد نصر ذلك، مشيراً إلى عددٍ من روّاد الأعمال العرب واللبنانيين الذين يأتون إلى وادي السيليكون في سبيل الحصول على تمويل من شركات المشاريع الاستثمارية الأميركية. ويضيف أن "استهداف المستثمرين التأسيسيين كأفراد، وخاصة المغتربين منهم، قد ينجح. ولكن الاقتراب من مؤسسات المشاريع الاستثمارية، قد يكون تجربة محبطة."
ومع ذلك، يؤمن نصر بأنه على الشركات الناشئة وروّاد الأعمال العرب أن لا يتخلوا عن علاقاتهم بالمغتربين المنتشرين في وادي السيليكون. فالاستثمار المؤسساتي قد لا يكون متاحاً بسهولة، ولكن "النصيحة والإرشاد والعلاقات" هي في متناول اليد، بحيث يمكن القول أيضاً أنها متساوية القيمة. ويقول نصر إن "الناس يأتون إليّ لسببين: فإمّا أنهم يريدون النصيحة حول كيفية الحصول على المال من صناديق رأس المال المخاطر الأميركية، والذي أعتقد أنه صعب جداً. وإمّا أنهم يريدون أن يتعرّفوا بأشخاص ٍآخرين يستطيعون مساعدتهم في تطوير السوق أو المنتج، أو إلى أشخاصٍ يمكن أن يصبحوا مستشارين." أما نصر، فهو يؤمن بأن الأمر الأخير هو ما يجب أن يراكمه وأن يبحث عنه روّاد الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ونظرائهم في مختلف أنحاء العالم، وذلك بدلاً من التركيز دائماً على الجانب المالي.
ولد نصر ونشأ في لبنان، وأصبح فيما بعد عضواً ناشطاً في التقنية والمشاريع لدى المغتربين اللبنانيين والعرب المنتشرين في وادي السيليكون. هو واحدٌ من مؤسسي "ليب نت" LebNet، ومحاضرٌ دائم ومساهم في فعاليات "تيك وادي" TechWadi: الشبكتان المهنيّتان الرئيسيتان للّبنانيين والعرب في وادي السيليكون. وعن "ليب نت" LebNet، يضيف نصر أن "الفكرة الأولى كانت في جعلها مجموعة للترابط محلياً، وذلك لمساعدة الناس. وتطوّرَت بعد ذلك، بحيث بدأنا التفكير قبل خمسة سنوات بإعادة الترابط مع الحالة التقنية في لبنان." منذ ذلك الحين، راح نصر مع عددٍ من مواطنيه في الاغتراب بالتفرّغ أكثر وأكثر للارشاد والتواصل وتقديم المشورة لروّاد الأعمال في المنطقة مرّة أخرى، وحتى للذين يأتون لزيارة وادي السيليكون بحثاُ عن النصيحة والمعرفة.
خالد نصر يقول الحقيقة كما هي.
في وقتٍ سابق من هذا العام، قام بإلقاء خطاب أمام نحو 30 رائد أعمال عربي، خلال مسابقة الشركات الناشئة العربية المُقدّمة من منتدى مؤسسة معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا. تقوم هذه النشاطات بخلق وسائل خصبة لنقل المعرفة من أعضاء ناجحين في الاغتراب إلى روّاد أعمال شباب طموحين وتوّاقين للمعرفة. وهي أقنعت نصر وأقرانه في "ليب نت" LebNet و"تيك وادي" TechWadi بقدرتهم على تقديم الأفضل والمساهمة بالتالي في مشهد ريادة الأعمال في المنطقة.
تخرّج نصر من جامعة "كامبريدج" حاملاً شهادة في الرياضيات وأخرى في العلوم الاجتماعية والسياسية، ومن ثم انتقل إلى الجانب الاستثماري من ريادة الأعمال، فكان أن شارك في سبعة شركات ناشئة خلال 16 عاماً. وهو يذكر أن "الشركتين [الناشئتَين] الأولتَين فشلتا، فلقد كنتُ شاباً ولم أهتمّ كثيراً بالأمر. أما الثالثة في أواخر العام 1980، كانت ناجحة." لقد كان شريكاً في "إنتر ويست" InterWest منذ العام 2005، حيث تم التركيز على الاستثمارات في تقنيات المعلومات المتعلقة بالهواتف المحمولة وخدمات التخزين السحابية والبنية التحتية لمركز البيانات. قبل ذلك كان مع "ألفا بارتنرز" Alfa Partners، كما شغل أيضاً منصب تنفيذي في العديد من شركات تقنية المعلومات والشبكات والاتصالات.
ما الذي يسعى نصر وزملاؤه لتحقيقه على المدى الطويل؟ اللائحة تطول. فمساعدة عددٍ من الشركات الناشئة العربية واللبنانية، المعززة والمدعومة من صناديق رأس المال المخاطر المحلية وحاضنات الأعمال ومسرّعات العمل، وحتى الجامعات بمساعدة وإرشاد من قبل رأس المال المخاطر المغترب، إضافةً إلى روّاد الأعمال، كل ذلك يساعد على تحقيق اختراق ناجح في السوق العالمية. ويقول "إننا نحتاج إلى قصص نجاح كبرى." يمكن لهذا أن يحدد الاتجاهات وأن يسلّط الضوء على السمات الواعدة في المنطقة: رأسمالها البشري، والروح الريادية إضافة إلى موقف "يمكنني أن أفعل".