انطلاق بورصة عالمية للشركات الناشئة، هل تصبّ في مصلحة الشركات العربية؟
انطلقت منذ أسبوع بورصة خاصة بالشركات الناشئة لمساعدة الشركات الصغيرة على الاكتتاب العام وبيع الأسهم للمستثمرين حول العالم.
إنّ بورصة الشركات الناشئة Startup Stock Exchange أو "أس أس أكس" التي تتخذ من كوراكاو مقرًّا لها وتعمل عبر بورصة الأوراق المالية الكاريبية الهولندية، تأمل بأن تصبح من بين أوائل وأبرز بورصات العالم المخصصة للشركات الناشئة.
ولكن هذه ليست أول بورصة تركز على الشركات الصغيرة، فقد أطلقت بورصة لندن عام 1995، "سوق الاستثمار البديل" Alternative Investment Market كسوق فرعي. ومنذ ذلك الوقت انضمت إليه 3000 شركة ناشئة. وفي الولايات المتحدة، تأمل بورصة كاليفورنيا، التي تقدم تمويلاً جماعياً ومسرعة نمو للشركات الناشئة، بأن تطلق بورصة أميركية للشركات الناشئة هذا الصيف.
ولكن "أس أس أكس" التي ستركز على جولات استثمار تتراوح بين 100 ألف و2.5 مليون دولار، ستكون الأولى المصممة حتى للشركات الناشئة التي ما زالت في مراحلها المبكرة، وهذا أمر لا تقوم به "سوق الاستثمار البديل".
عملياً، لن تكون البورصة الجديدة مختلفة كثيراً عن منصات الاستثمار التأسيسي، مثل "سيدرز" Seedrs البريطانية ومنصات "سيد إنفست" SeedInvest و"آينجل ليست" AngelList و"جولدن سيدز" Golden Seeds الأميركية. ولكن الفرق الوحيد هو أنه في "أس أس أكس"، سيفتح المستثمرون حسابات سمسرة لشراء الأسهم وتبادلها.
شركة ناشئة عربية طرحت أسهمها في الاكتتاب العام
قد تناسب هذه الفكرة المنطقة العربية، ففي نهاية المطاف ظهرت فكرة إطلاق بورصة للشركات الصغيرة والمتوسطة في سوق دبي المالي، وليس سرًّا على أحد أن الرأسمال الخاص بمراحل التأسيس صعب المنال في المنطقة.
والمفارقة أن أول شركة تطرح أسهمها للاكتتاب العام في "أس أس أكس" هي شركة عربية: "في آي بي أونلي" VIP-only.ma، وهو موقع موضة مغربي للعروض المحدودة المهلة، يأمل بأن يهيمن على شمال افريقيا. (حقل التجارب الآخر هو شركة "كومبلاينس أيد" Compliance Aid الاستشارية المسجلة في الجزر العذراء البريطانية).
ومن أجل زيادة النمو في المغرب والتوسع في تونس ومصر، تتطلع "في آي بي أونلي" إلى جمع 500 ألف دولار. وبعد أن فشلت في الحصول على استثمار من شركات رأسمال مخاطر إقليمية وعدم استيفائها شرط الحجم في "سوق الاستثمار البديل"، قرر المؤسس محمد عمّار تقديم طلب انضمام إلى "أس أس أكس". وبعد أن نجح الاختبارات، طُرِح الموقع للاكتتاب العام حيث عرض 250 ألف سهم بسعر دولاران لما مجموعه 25% من الأسهم.
أصبحت الشركة المغربية الآن جزءاً من المختبر العالمي، وإنّ قدرتها على تلقي تمويل في "أس أس أكس" أكثر منه عبر منصة الاستثمار الجماعي مقابل أسهم "أوريكا" Eureeca أو عبر التمويل الجماعي على منصة مثل "ذومال"، تعتمد على ثلاثة أمور:
ـ سواء يثق المستثمرون في "أس أس أكس"
ـ سواء تستطيع "أس أس أكس" إنتاج السيولة
ـ سواء تستطيع شركة ناشئة في "أس أس أكس" التسويق لنفسها بشكل فعّال أمام مستثمرين عالميين
الثقة بالاكتتاب العامّ العالميّ
سيرغب المستثمرون الذين يتطلعون إلى الاستثمار في شركات مدرجة على بورصة "أس أس أكس" أولا في الاطلاع على نتائج الدراسات الإعدادية التي أجريت على هذه الشركات. فالأمر ليس سهلاً، كما يقول إيان هيات الذي شارك في تأسيس البورصة إلى جانب براين نيسن القادم من خلفية في إدارة الشركات التكنولوجية. وتعتمد "أس أس أكس" أيضاً على فريق واسع من المستشارين لتقييم الشركات في مضمونها.
إليكم الخطوات:
1 ـ على الشركات الناشئة أن تقدِّم ملخصاً تنفيذياً مقابل رسم بقيمة 25 دولار (بإمكان أول 50 قارئ على ومضة مهتم بأن تخضع شركته للمراجعة، أن يستخدم رمز الترويج WAMDA1 لتجنب دفع االرسم الأولي).
2 ـ إذا تم قبول الشركة في الجولة التالية، عليها أن تقدم خطتها التجارية مقابل 500 دولار. وعندها تبدأ "أس أس أكس" في العمل على مساعدة الشركات الناشئة في تحسين خططها التجارية. ويقول هيات إنه حتى الشركات التي لا تنجح في الوصول إلى الجولة التالية تخرج بنصائح قيّمة وعملية.
3 ـ إذا تبيّن أن الخطة التجارية للشركة صلبة، تبدأ "أس أس أكس" بإجراء دراستها الإعدادية التي تكلّف 2500 دولار.
4 ـ بعد إجراء دراسات إعدادية مكثفة، تقدم الشركة نشرة مفصلة عنها لبورصة الأوراق المالية الكاريبية الهولندية، للحصول على موافقتها.
5 ـ إذا تمت الموافقة على الشركة، تدفع الأخيرة 2500 دولار أخرى لطرح أسهمها في الاكتتاب العام.
تكلّف العملية ما مجموعه 5525 دولار. ومن بين المتقدمين الأوائل، قد يصل قليلون إلى هذه المرحلة. ويقول هيات "نتوقع معدل قبول عام يتراوح بين 2 و3%". وبمجرد أن تطرح الشركة في الاكتتاب العام ويتم إدراجها في البورصة، يكون عليها أن تدفع 1250 دولار شهرياً كرسم وصاية ومراجعة كي تتمكن "أس أس أكس" من مواصلة مراقبتها للشركات المدرجة فيها. ولكن لا ننسى أن رسم الاكتتاب العام في هذه البورصة هو جزء بسيط من الملايين التي تدفعها الشركات لكي تُدرج في البورصات الكبرى.
وما يجعل البورصة هذه محط ثقة هو عملياتها الصارمة، وهو نتيجة خضوعها للقانون الهولندي، ولكن أيضاً بفضل ثباتها وتماسكها كما يقول هيات، فعلى الشركات المدرجة أن تصدر تقريراً مرتين في الأسبوع. ويشير أيضاً إلى أنه يتم اختيار المستثمرين بدقة والحرص أيضاً على أن يكون وضعهم المالي جيد وأن يكونوا قادرين على تحمّل المخاطر.
تعزيز الطلب
يقول هيات إن السبب وراء تفضيل المستثمرين لبورصة "أس أس أكس" على منصات الاستثمار الجماعي أو الاستثمار التأسيس، هو أن المنصة تَعِد بالسيولة. ويضيف "إذا استثمرت وأردت أن تبيع خلال ستة أشهر، سيكون لديك سيولة أكبر مما لو كان لديك أسهم".
تقدم البورصة أيضاً حقوقا محددة. ويشير هيات إلى أنه "حين تستثمر عبر منصة تمويل جماعية، لا تملك أية حقوق في الشركة ولا تحصل على أية تقارير عن وضع الشركة بل تنتظر لترى إن كان سيتم الاستحواذ عليها أم ستفشل".
ومن وجهة نظر شركة ناشئة، يوافق عمّار على أن استخدام هذه المنصة له فوائده الخاصة، ويقول "إذا أردنا أن نجمع أموالاً إضافية، ولدينا معايير شفافة جداً، سنكون قادرين على جمع المال مع تقييم مناسب من دون أن نخسر الكثير من الأسهم".
ولكن توليد هذه السيولة أساسي لنجاحها. وهذا يعتمد على تسريع النمو حول العالم. فإن لم يتمكن المستثمرون من بيع أسهم متى وجدوا ذلك مناسباً، فإن المنصة ستعمل كشركة استثمار خاصة.
وقد يكون تعزيز هذا الطلب في المنطقة العربية صعباً حيث من المعروف أن المستثمرين الذين يشترون أسهماً في بورصات إقليمية غالباً ما يفضلون الاستثمار في الشركات التي يعرفونها وغالباً ما يرونها في الحياة اليومية. والكثير من الأسهم المتبادلة بكثافة في المنطقة هي لمؤسسات مالية وشركات صناعية أو شركات اتصالات.
وأي طرح للأسهم في الاكتتاب العام يحتاج إلى تسويق مكثف وهذا يعني أن الشركات العربية التي تتطلع إلى الحصول على استثمار من منطقتها، عليها أن تسوق علاماتها التجارية أكثر من غيرها للحصول على المستوى ذاته من الاهتمام.
تسويق اكتتاب عام لشركة ناشئة
عند الوصول إلى مرحلة التسويق، تركز "أس أس أكس" على إذهال المستثمرين الدوليين. وبعد انتهاء عملية التحقيق، يقول هيات إن "أس أس أكس لا تتصرف كمستشار استثماري بل أنّ القرار في الاستثمار يعود إليك".
بهجف الوصول إلى المستثمرين، أطلقت "في آي بي أونلي" ثلاث حملات تسويق: إعادة الاتصال بالمستثمرين الذين تواصلت معهم سابقاً، والسعي للحصول على دعم صحافيين، وسأل أعضائها الـ200 ألف إن كانوا مهتمين بشراء أسهم. ونراهن على أن هيكليتها القانونية الجديدة، المتمثلة بشركة قابضة تربط بين أصولها البريطانية والمغربية، ستثير ريبة المشككين السابقين.
ومرة أخرى لا بد من القول إن هذا اختبار، وهو ليس منهجاً اتبعته مواقع العروض المحدودة المهلة مثل "ماركة في آي بي" أو "وسادة"، فالأول تلقى ما مجموعه 18 مليون دولار من مستثمرين أوروبيين وأميركيين والأخير أعلن للتو عن تلقيه جولة تمويل لم يكشف عن قيمتها، من "مينا فنتشر إنفستمنت" MENA Venture Investment التي تستثمر في الشركات خلال مراحلها الأولى.
ولكن العروض المحدودة المهلة هي تجارة تعتمد على السيولة. واليوم لا تنتظر الشركات الناشئة في الشرق الأوسط شركات رأسمال المخاطر لتعزز عملياتها، بل تقوم بإطلاق حملات تمويل جماعي ناجحة وتستخدم كافة الأساليب الممكنة للتوسع.
قد يكون التعامل مع مستثمرين تأسيسيين في العالم خطراً لأنه سيكون من الصعب أن يدققوا أو يتعلموا السياسات الصديقة للشركات الناشئة. ولكن قد يخفف توزيع المخاطر على عدة أطراف التأثير على الجميع.
هل برأيك منصة الاكتتاب العالمية للشركة الناشئة هي جزء من الحل لتمويل هذه الشركات في مراحلها الأولى؟ أم أن هذه الشركات أفضل حالاً مع الحلول المحلية والإقليمية؟