اعادة احياء الوقفيات في مصر لتفعيل العطاء الاجتماعي
يبدأ التغيير بطرح المعتاد والمألوف للتساؤل، واعادة النظر والقرار بمعاكسة التيار، ومن ثم محاولة ايجاد اشكال وبدائل اخرى للقوالب التقليدية للعمل والتفكير بشأن مسألة معينة.
هنا تكمن بداية "مؤسسة وقفية المعادي الاهلية" Waqfeyat Al-Maadi Community Foundation حيث طرحت مؤسستها مروة الدالي الطرق المتبعة للعمل التنموي وتمويله في مصر، في اطار الريادة الاجتماعية، ومدى استدامته لاعادة النظر والدراسة، ومحاولة تغيير ذلك الى واقع للعطاء الاجتماعي والعمل التنموي اكثر استدامة وتأثيراً، حيث رأت مروة ان هناك فجوة بين اتجاهات العطاء الاجتماعي واولويات العمل التنموي في مصر.
"مؤسسة وقفية المعادي الاهلية" هي وقفية اهلية مستقلة غير هادفة للربح انشئت عام 2007 لاعادة تقديم مفهوم "الوقف" بشكل حديث، وكونها "مؤسسة مجتمعية" للعمل على ادارة العطاء الاجتماعي في منطقة المعادي بالقاهرة وتوجيهه لتحسين نوعية الحياة وإحداث تغيير جذري يستهدف المحتاجين في المنطقة عن طريق مشاريع تنموية مستدامة باستخدام الاوقاف واموال الزكاة والعشور.
وتعتمد الوقفية على المساهمات الاهلية ومشاركة المواطنين في تحديد اولويات الإنفاق التنموي وبذلك تحقيق التركيز على منطقة جغرافية محددة والعمل بناءً على احتياجاتها، في نفس الوقت التضامن بين ابناء المنطقة الواحدة وتقليل الفجوة بينهم، والتأثير الايجابي المستدام.
وتصف مروة الوقفية على أنها “قائمة على النظر في تراثنا وداخل المجتمع على مصادر قوتنا وبالتالي امكانية تحقيق الكثير، وايضا على فكرة المشاركة وخاصة الشباب ليستلهم تاريخه وتراثه ويبني مستقبلا اقوى منه".
خلصت مروة من دراساتها لانماط العطاء الاجتماعي ان التراث المصري يحمل مفاهيم مثل "الوقف" و"الزكاة" و"العشور" كأسس للعطاء الاجتماعي وانه من الممكن البناء عليها. وبالتالي الايمان بالقوة الداخلية للمجتمع وقدرته على توفير سبل لتمويل واقامة مشروعات تنموية تعالج مشكلاته وكون "مشاركة" الافراد والمواطنين ركن اساسي من العمل التنموي.
مشاكل العمل التنموي في مصر
يواحه العمل التنموي والعطاء الاجتماعي في مصر الكثير من التحديات، منها الاعتماد على التمويل الخارجي بشكل اساسي وما ينتج عنه احيانا من تحديد بوصلة المشاريع المقامة بناء على اولويات الجهات المانحة، وضبابية مفاهيم مثل "المجتمع المدني" ودوره وعدم مشاركة غالبية المصريين فيه.
ومن جانب آخر، فالجمعيات والمؤسسات ذات الطابع الاهلي توصف كثيرا بكونها "خيرية" تعمل بشكل أساسي على سد حاجات قصيرة المدى وان كانت تلقى اقبالاً كبيراً من المواطنين في التبرع والمساهمة. وكلا النموذجين تغيب عنهما الرؤية الاستراتيجية التي تحقق تغيير حقيقي على المدى البعيد، وآلية لتحديد أولويات العمل التنموي، بالاضافة الى القيود من جهة الدولة في عمل وتمويل ومدى استقلال المؤسسات الاهلية والمجتمع المدني.
شكّلت كل هذه التحديات الحافز للدالي، مؤسسة بان تبحث عن بدائل ونماذج مختلفة للعمل الأهلي والعطاء الاجتماعي، وانشاء الوقفية، وترى "ان العطاء المجتمعي يجب ان يحمل التمكين والتضمين للآخرين، وبالتالي يصبح اداة تعزيز وقوة للمجتمع، وان يكون ذات طبيعة مستدامة".
مفهوم الوقف واثره في تاريخ العمل الاهلي
"الوقف" كمفهوم هو مال يتبرع به الواقف (سواء أرض، عقار، مال..) ويوجه عائد هذا المال في مشاريع اجتماعية، على ان لا يتم المساس باصل المال اي ثبات الاصل وبذلك يضمن استمراراية واستدامة المشاريع الاجتماعية. وكمثال على ذلك فـ"جامعة القاهرة"، هي جامعة أهلية بالاساس قامت على وقف خيري، حيث اوقفت الاميرة فوزية ابنة الخديوي اسماعيل مجموعة من الاراضي وخصص عائدها للصرف على جامعة القاهرة. وهي الجامعة التي تخرج منها ملايين المصريين.
والاوقاف المستقلة الغيت قانونا في مصر منذ عام 1952 وتم ضم جميع الاوقاف الى "وزارة الاوقاف" وهو ما شكل اول التحديات التي واجهها انشاء "مؤسسة وقفية المعادي الاهلية".
واسفرت جهود الدعوة والضغط عن انشاء الوقفية في 2007. وهي جهود ما زالت مستمرة، حيث تعمل الوقفية حاليا على دعم تغيير الاطار القانوني للجمعيات الاهلية والمجتمع المدني، خاصة القيود على طرق تمويلها وقدرتها على خلق اعمال ومشاريع استثمارية توفر مصادر تمويل مستدامة لها. والمادة 212 في الدستور المصري الجديد، تعتبر خطوة للامام في هذا الشأن حيث تسمح باقامة اوقاف خاصة.
برامج
وكان اول برامج الوقفية هو مركز خان الفنون "فن خان" برنامج وقفي العائد المادي منه يغطي الاحتياجات الاساسية للوقفية ومن هنا بدأ رفع الاحتياجات التنموية للمناطق المحيطة لمنطقة المعادي بمشاركة الاهالي فيها وايضا معرفة الموارد والامكانات المتاحة التي من الممكن البناء عليها.
و"فتح باب الرزق" هو ثاني برنامج للوقفية ويعتمد بشكل اساسي على منح قرض حسن (اي بدون فوائد) دوار (ينتقل بعد سداده لشخص محتاج اخر) من اموال الزكاة للاشخاص والاسر المحتاجة لبدء مشروعهم الخاص. القروض كلها اموال محلية لأشخاص من داخل الاطار الجغرافي لعمل الوقفية للمساهمة في رفع مستوى المعيشي لغيرهم من الاهالي.
التحديات والاهداف
ومن هنا بدأت برامج الوقفية تتوسع لتشمل ايضا برنامج لرفع الوعي حول الوقف وطرقه، وبرنامج لمنح القروض لجمعيات اهلية اخرى لدعم تنفيذ مشروع القروض الحسنة، وغير ذلك من البرامج التي تضمن نشر فكر الوقفية وكذلك مشاركة مجتمعية اكبر في انشطتها وجهود التنمية داخل منطقة المعادي.
وتعمل الوقفية على دعم مبادرات الريادة الاجتماعية التي تسعى الى الاستدامة عن طريق تبني مفهوم الوقف او انشاء "مؤسسات مجتمعية" في مناطق مختلفة. وكذلك تفعيل مشاركة الشباب وجهودهم للريادة الاجتماعية من خلال برنامج تضمين الشباب "YEP" الذي تدعمه الوقفية.
في 2012 وكتكريم لجهود الوقفية في تحدي المفاهيم السائدة عن العطاء الاجتماعي وكونها اول "مؤسسة مجتمعية" في مصر، ومثال للريادة الاجتماعية منحت الوقفية جائزة العطاء الاجتماعي الافريقية African Philanthropy Award والوقفية اول مشروع للريادة الاجتماعية يحصل عليها.
قد يوحي اسم الوقفية بالتقليدية مع ذلك فالوقفية تعيد صياغة مفهوم قديم بشكل جديد لمواجهة التحديات الاجتماعية وهو العامل المشترك بينها وبين المبادرات الريادية التي تعمل على سد الفجوات بشكل مبتكر ومستدام. وفي حالة الوقفية استلهام الخبرة التاريخية يمثل القيمة المضافة وما يمكن ان تستفيد منه المبادرات الناشئة.
تعمل الوقفية بشكل اساسي على تغيير يستهدف الوعي والثقافة المجتمعية وطريقة تنظيم وهيكلة العطاء والعمل الاهلي في مصر من مساندة مشاريع قصيرة المدى الى تفكير تنموي يعمل على الاسباب الجذرية ويهدف لاحداث فارق، وهي امور تمثل تحديات للوقفية وتحقيق اهدافها وبالتالي بحاجة الى وقت وتتميز بالتغيير البطيء. ولذلك فاهداف الوقفية على المدى البعيد تتمثل في نشر واعادة انتاج نموذج الوقفية، وتطوير الاطار القانوني الذي يسمح للجمعيات والمؤسسات بانشاء اوقاف لاستدامة مشاريعها واعمالها.
مع الوقت نموذج الوقفية وما تمثله من قيم التمويل المحلي واسهام المواطنين واعادة احياء مفهوم "الوقف" في عملية التنمية اصبح يتكرر في مبادرات عديدة مثل مبادرة "منطقتي" لتنمية المناطق المحلية وان كانت منطقتي تعمل اكثر بشكل غير مؤسسي وكمبادرة شبابية.