الشرق الأوسط الجديد: المرأة في صلب البيئة الريادية - الجزء الثالث
اسأل أي إمرأة تنتمي إلى مجتمع الريادة في الشرق الأوسط عن التحدي الأكبر الذي تواجهه، ولن تسمع إلاّ أجوبة مألوفة لأي ريادي، مثل "هل أستطيع القيام بذلك؟ هل سيكترث أحد لأعمالي؟ كيف أختار من بين مئات الأولويّات؟ متى أجني المال؟ كيف أوظّف الفريق المناسب؟ أبإمكاني التقدّم بسرعة؟" ثم تعمّق في الموضوع أكثر وستكتشف مواضيع أخرى شاملة تواجهها أي إمرأة في العالم، مع بعض الفروقات المتغيّرة بحسب الخصائص الإقليمية.
قالت لي مرّة مؤسِسة موقع فيديوهات إلكتروني "أن تكون المرأة ريادية يعني عامّةً أنّها مدعوّة لتخطّي أنماط ثقافية كثيرة تنطبق على الزوجات والأمهات والبنات. ومن السهل جدًّا، نتيجةً لطريقة تربيتنا، أن نشعر بالذنب إزاء عدم وجودنا المستمرّ إلى جانب أولادنا بسبب كميّة الأشغال الهائلة". تضيف ريادية أخرى أنّ "التوازن دقيق وحسّاس، فإن حدث وفشلتِ في مسعاكِ، يحكم عليكِ المجتمع بقسوة."
ليس من باب المفاجأة إذًا أن تقدّم الشركات الناشئة المهمّة منصّات تعزّز المحافظة على التوازن، وتوفّر موارد مرجعيّة صلبة للعالم العربي ولبلدان أخرى من العالم.
لا ياسمين المهيري ولا شريكتها زينب سمير لهما أولاد. تفاجأت الرياديتان الساكنتان في القاهرة عندما اكتشفتا من زوجة أخ ياسمين الحامل، أنّه ما من موارد متوفّرة على الإنترنت للأمّهات باللغة العربية. قالت ياسمين "إنّني أنتمي إلى عائلة أطبّاء، بحيث نجد المعلومات الطبيّة باللغة الإنكليزية مألوفة جدًّا، لكنّنا تساءلنا عندها كيف تعثر المرأة العربية التي لا تفهم لغة أجنبيّة على معلومات طبية على الإنترنت."
بعد أن فشلت الصديقتان في إطلاق مشروع لخدمات متخصّصة في تكنولوجيا المعلومات، قرّرتا البحث عن فكرة جديدة، ووجدتا فرصة سانحة في ابتكار البوّابة الأولى الموجّهة حصرًا إلى الأهل، فأطلقتا من دون تردّد، وبتعاون فريق من 10 أشخاص، موقع "سوبر ماما" (Supermama)، وقد أصبح من سنة إلى اليوم مرجعًا إلكترونيًّا للأهل والأم بشكل خاصّ.
بعد تكريس سنة للبحوث والتقصّي على المجال الإلكتروني، إستنتجت ياسمين وزينب تحديات ثلاثة أساسية تواجهها الأمّهات الشابات: إيجاد المعلومات الضرورية، تنظيم حياتهنّ، والإدارة المالية. أصبح موقع "سوبر ماما"، من جهة، مصدر معلومات مرجعيّة شامل، ومن جهة أخرى، مدوّنة تفاعليّة للأمّهات اللواتي "مررن بتجارب مماثلة"، تلامس مواضيع وتساؤلات جوهريّة حول الحمل والأمومة، الإعتناء بالمنزل، وصَفات الطعام السليم والسريع، فضلاً عن التعاطي مع الأمور الكثيرة التي تهيمن على وقتهنّ.
تؤكد ياسمين أنّ "الأمّ العصريّة تتصفح الإنترنت في جميع الأوقات، لكنّ المعلومات باللغة العربية نادرة، أضف إليها المعلومات غير المستحدثة أو غير الدقيقة باللغات الأخرى."
حازت ياسمين شهادة في علوم الكمبيوتر من إحدى أهمّ الجامعات في القاهرة. "بدأت بالمشروع إيمانًا منّي بأنّ التكنولوجيا تحقٌّق الكثير. لذلك أمضينا جميعنا سنة كاملة نعمل من المنزل وندير الأعمال عبر الرسائل الإلكترونية والأدوات المتوفّرة على الإنترنت، ما سمح لنا ببناء شبكة واسعة من الأمّهات المدوّنات الخبيرات اللواتي يعشقن التعاون معنا، لأنّهنّ غير مضطرات للجلوس في مكتب كلّ يوم."
سرعان ما حصد المشروع إنتباه المجتمع الريادي المصري، ووصلت الشابتان إلى نهائيّات مسابقة معهد ماساشوستس التقني MIT للأعمال الريادية السنة الفائتة، من أصل حوالي 4000 متنافس. لكنّ ما غيّر حياتهما رأسًا على عقب كان مخيم تدريب الشركات الناشئة الأوروبي، "حيث تواصلنا مباشرةً مع مرشدين خبراء أجابوا عن كلّ سؤال خطر في بالنا. تعلّمنا كيف ننظر إلى الأخطاء، وعلاوةً على ذلك، أدركنا أنّ الفريق لم يكن ناجحًا على المستوى المصري فحسب، بل على صعيد الفرق الإقليمية والعالمية أيضًا."
بعد إكمال النسخة النهائية في الربيع المنصرم، واستقطاب آلاف الأمّهات اللواتي يشاركن تجاربهنّ على الموقع، إتّفق المستثمرون على تخصيص أوّل دورة تمويل تأسيسي هذا الأسبوع، قيمته 350 ألف دولار. على لائحة المستثمرين، إحدى المؤسسات المستثمرة المحليّة الكبرى وهي "مشاريع أم بي سي" MBC Ventures. تصرّح ياسمين بأمل وحماسة: "نرى قدرة نجاح عالميّة في هذا المجال مع وجود مئات الملايين من النساء العربيات حول العالم، غير أنّنا نطمح إلى المحافظة على تركيزنا وتنويع الخدمات في موضوع الأمومة، ثمّ الإنطلاق والتوسّع من تلك النقطة."
على غرار مؤسستي "سوبر ماما"، ركّزت كلّ من رما كيّالي جردانه وشريكتها لميا طبّاعه بيبي على التوسع في المنطقة وفي العالم. رما أردنية ولميا أردنية - سعودية الجنسية، أكملتا دراساتهما الجامعية وحصلتا على ماجستير من المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
أخبرتنا لميا "أنّنا لم نعتبر يومًا أنفسنا رياديتين. عملنا بعد الجامعة بدوام حرّ في مجال إنتاج الفيديو الوثائقي ومحتوى الأخبار. وبعد أن أنجبنا الأولاد، لاحظنا نقصًا هائلاً في المنتجات التعليمية العربية المسؤولة وذات النوعية العالية، فأردنا بكلّ بساطة أن نردم هذه الهوّة." وانطلاقًا من هذا الهدف، نشأت "المفكّرون الصغار" (Little Thinking Minds)، وهي الشركة الأولى المتخصّصة في الموادّ السمعية والبصرية باللغة العربية، والموجّهة إلى الأطفال ما دون السابعة من العمر.
بدأت الشريكتان بالتخطيط للأعمال على الإنترنت. كانت لميا مستقرّة في لندن ورما في عمّان، كلّ واحدة منهما مع أطفالها تشتكي من كثرة توفّر حلقات قديمة لـ"الديناصور بارني" أو رسوم متحرّكة لـ "ديزني" مدبلجة بشكل رديء. بالتزامن مع ذلك، كان برنامج "بايبي أينشتاين" Baby Einstein أي الطفل أينشتاين من إنتاج ديزني يحقّق شعبيّة عالميّة، وأحبّ أولادهما المسلسل. وعندما أتت لميا لزيارة رما في عمّان، شرعتا إلى التفكير سويًّا في إمكانيّة إنتاج نسخة عربية للبرنامج الناجح.
لم تتردّدا في تشارك شغفهما المشترك وبدأتا بالعمل على بلورة نصوص القصص الأولى التي ما زالت محبوبة إلى اليوم بعد عرضها التجريبي الأول عام 2005. في تلك الأيام، نظّمتا عروض صغيرة على شاشات سينما لأطفال بعمر 3 سنوات وكانت ردّات فعلهم إيجابية من دون منازع. بدأ الناس يتوافدون بكثرة إلى العروض الدورية، فقامت الشريكتان برفع عدد العروض الإختبارية من واحد إلى ستة.
"تراءى لي عندئذ أنّ إنجازنا حقًّا ثوري، وأنّنا أوّل من يوفّر هذا النوع من المسلسلات على منصّة رقميّة، ما سيجعل منّا قادة في السوق"، وفقًا للميا.
باشرتا بالعمل بوقت جزئي، فتولّت رما الإشراف على الإنتاج وعلى توزيع الأقراص المدمجة DVD، فيما وضعت لميا النصوص من مقرّها في لندن وتشاورت مع أخصّائيين في تعليم الأطفال وتابعت صفقات التوزيع. وبالرغم من أنهما استمرتا في تأمين فيديوهات على DVD وعلى VHS حتى، إلا أن النفاذ الرقمي قام بتغيير الوضع كاملاً.
"لا يبغي الأهل سوى منح أولادهم موادًّا تعليمية تراعي الخصوصيّات الثقافية وتعكس القيم العربية، وهم، كأهل، مستعدّون لتحمّل التكلفة. بانتقالنا إلى الوسائل الرقمية، اكتسبنا حضورًا وظهورًا أوسع في الأردن وفي المنطقة، وكذلك على مستوى المغتربين العرب حول العالم."
يعرض اليوم الفريق أدواته والمحتوى المتطوّر بأشكال مختلفة على أقراص مدمجة على DVD أو CD تباع على الإنترنت، ونقاط البيع منها "فيرجين ميجاستور" Virgin Megastore الشرق الأوسط. أمّا التطبيقات والموسيقى وأفلام الفيديو والألعاب على الإنترنت فتتوفّر على "آب ستور" App Store و"آي تيونز" iTunes و"يو تيوب" Youtube. أضف إلى أنّ المفاوضات جارية حاليًّا مع مطارات وخطوط جويّة إقليمية لاعتماد العمل المبتكر وتجريبه على صعيد العائلات المسافرة.
من جهة أخرى، تعلن رما باندفاع: "ننوي تطوير بوّابة تعالج كلّ المواضيع التي تتعلّق بتعليم الأطفال ما دون السابعة باللغة العربية، وكذلك تتطوير لوازم تعليم للمدارس التي ستتصل بمنصّتنا الرقمية/الإلكترونية بغية تعزيز التعليم باللغة العربية للأهل والأطفال."
كانت سارة جلال مديرة تنفيذية في مجال الفنادق والسياحة، قبل أن يمنعها نظام سفرها الكثيف من التحلّي بالقدرة والوقت لكي تتواصل عن قرب مع مولودها الجديد. فقرّرت حينها أن تشغر وظيفة في قسم الموارد البشرية لدى شركة تكنولوجيا المعلومات، ما بدلّ مجرى حياتها، إذ تعلّمت في الوقت عينه كيف يمكن أن تخدم التكنولوجيا كأداة قويّة من أدوات التواصل، وكيف يمكن أن تشكّل ثقافة شركة مفتاحًا لنجاح الأعمال. طرحت حينئذ على نفسها السؤال التالي: ماذا الأمر الذي قد تبتكره لتجمع بين شغفها للتطوير وبين ممارسة أمومتها على أتمّ وجه؟
قرّرت جلال حضور "مسابقة ستارتب ويك أند" Startup Weekend المعروفة والتي تستقطب أكثر من ألف مشارك من جميع أنحاء الشرق الأوسط.
"ينتمي أكثر من 90 في المئة من المتنافسين إلى مجالات وخلفيّات ذات أفكار تقنية متطوّرة، وقد دفعني ذلك إلى التفكير مليًّا في طريقة استخدام التكنولوجيا من أجل تعزيز العلاقة بين الأهل والأطفال وتقويتها. مع هذا، كان الأمر محرجًا ومخيفًا نوعًا ما بالنسبة لي، حتى أنّي دوّنت على فايسبوك، مقتبسةً أغنية: "هل أرحل، هل أبقى، هل أعود في يوم آخر؟" وهي وجدت الجواب الذي يعكس التوازن الذي حقّقته نساء عاملات كثيرات، ألا وهو: "كنت في صميم قلبي أشعر أنّه عليّ إثبات قدرة المرأة العاملة على أن تكون أمًّا صالحة وزوجة صالحة في الوقت نفسه."
نشأ عن تجربة سارة جلال بعد حضور "ستارتب ويك أند" موقع "سويتي هيفن" (Sweetyheaven) بنسخته التجريبية حاليًّا، وهي منصّة على الإنترنت والجوّال تساعد الأهل والأطفال على تحديد التوقّعات السلوكية، بحيث يتعلّم الأطفال أمثولات مثل "حافظ على نظافة غرفتك"، "أدرس واكتب فروضك" و"احترم الآخرين"، كلّ ذلك في بيئة شبيهة بلعبة تتابع وتسجّل النجاحات المحرزة. ويحدّد الأهل وأولادهم الإطار الزمني والأهداف، ويضعون نظام مكافآت خاصّ بالسلوك الحسن، وقد تشمل المكافآت لعبة أو هدية تصل إلى المنزل أو هبة تقدَّم إلى جمعيّة خيريّة محليّة.
"الفكرة بسيطة للغاية، وهي ما يقوم به الأهل كلّ يوم على أي حال، غير أنّ هذه المنصة تجمع فعليًّا بين الأهل والأطفال بشكل وثيق يعمّق العلاقة ويجعلها أسعد (على الإنترنت)، حتى ولو كان أحد الأبوين مضطرّ للسفر من وقت إلى آخر."
تفاجأت جلال لحماس بعض المستثمرين إزاء المشروع في بداية الطريق، إلاّ أنّ بعضهم شجّع أيضًا على نقل فكرة الشركة الناشئة إلى "وادي السيليكون" أو أي مكان آخر في الغرب. لكنّ جلال تعتبر أنّه "رغم كلّ التغيرات في مصر، أجد نفسي مضطرّة لضخّ الطاقة الإيجابية في بلدي، في نفسي وفي إبنتي. أنا متفائلة حيال مستقبل مصر، والفرص كثيرة في سوق الشرق الأوسط." وتضيف بثقة: "أعتقد أنّ الأهل والأولاد قد يودّون استعمال منصّتنا أينما تواجدوا في العالم."
تمامًا مثل سارة، تخلّى زوج سارة، محمد بادره، عن وظيفته والتحق بالمشروع كمدير المسائل التقنية ومدير المشروع، بصفته مهندس في تكنولوجيا المعلومات. بنيا سويًّا فريقًا من سبعة مهندسين وأخصّائيين في المنتجات، وتؤكد سارة أنّ "الزوج الداعم هو كقبلة الحياة. عندما تكون محبطًا فاقد الأمل والعزيمة، وهو شعور يخالج كافة الرياديين في مرحلة ما، يأتي شريكك في الحياة ليبعث فيك روحًا ترفع من عزيمتك بطريقة سحرية. نحن نكمّل بعضنا البعض."
سارة تتكلّم باسم كلّ امرأة في المنطقة وحول العالم عندما تقول "صدقني أن تكون المرأة ريادية لأمر صعب، فهو يضع تحديات شائكة أمامها وهي تحاول التوفيق بين الإعتناء بالمنزل، والإهتمام بالزوج والأولاد والعمل خارجًا حتى. والكثير من الرياديين لا يمكنهم بكلّ بساطة التنازل عن "وظيفتهم اليومية" لأسباب مالية. وإذا كنت تتساءل عن سبب فعلنا ذلك، فالجواب هو أننا لا نملك خيارًا آخرًا. لن أستطيع أن أجعل عائلتي سعيدة إن لم أكن أنا سعيدة. وجدت سعادة كبيرة في شركتي الناشئة. والآن تستطيع المرأة أن تشعر أنّها على تواصل دائم، وربما أنّها تملك الوقت لابتكار أفكارها الخاصّة، بفضل استخدام منصّاتنا."