"دليل أصحاب الشركات الناشئة": لنموذج أعمال مناسب لفكرتك
فليرفع يده كلّ من سمع أو شهد مؤخرًا في الشرق الأوسط فكرة شركة ناشئة لا تحظى بسوق حقيقية، أو لا تقتضي خطّتها ببساطة إلاّ على "تجميع مستخدمين كثر" بناءً على فكرة ربما لا يقتنع بها إلاّ المؤسسون بغياب منتَج قابل للبيع. نظرًا إلى أنّ الشركات الكبرى ذات نماذج الأعمال المتقدّمة تتعثّر إثر الصعوبات في المنطقة، الفرصة سانحة الآن أكثر من أي وقت مضى بالنسبة للشركات الناشئة لكي تبدأ بالعمل بجديّة على دراسة مجال العملاء. وأصبحت متوفّرة اليوم منهجيّة تدرّجية بفضل جهود صاحبي مبادرة مخضرمين من وادي السيليكون.
صاحبا هذه المنهجيّة، ستيف بلانك وبوب دورف، بلوراها في "دليل أصاحب الشركات الناشئة" (المتوفّر أيضًا على منصّة القارئ الإلكتروني "كيندل"). تساعد المنهجيّة، إن اعتُمدت، على توفير الوقت والمال للشركات الناشئة، ناهيك عن مشكلة اتخاذ القرارت الخاطئة. يفصّل الكتاب عمليّة (شائكة) خطوة خطوة، تهدف إلى ضمان نجاح أكيد عند الانطلاق، ويدمج الدليل أفكارًا مستوحاة من أعمال أخرى كـ"The Business Model Generator" (مولّد نموذج الأعمال) و"The Lean Startup" (الشركة الناشئة المرنة) و"4 Steps To The Epiphany" (4 خطوات إلى التجلّي). النموذج المطروح سهل الإستيعاب وصعب دحضه.
باختصار، يصف الدليل مقاربة علميّة للنجاح. لكن ما لا يعالجه هو تلك الديناميكيات المهمّة للعمل في فريق، كضمان اختيار أعضاء المجموعة المناسبين، أو كيفيّة تخطّي ‘الأيام السيئة’ التي يسيطر عليها الانفعال والعاطفة والتي تهدّد وجود المشروع بحدّ ذاته.
شعار الكتاب هو "اخرج من مكتبك"، دعوة واضحة إلى أصحاب المبادرة لكي يقلّلوا من التفكير ويزيدوا من الفعل، فيكفّون عن الافتراض أنّ في جعبتهم الأجوبة كلّ الأجوبة ويشرعون إلى الاستعلام عمّا يبغيه العملاء. من هنا، يشجّع الدليل على عمليات تحقّق واكتساب قاعدة عملاء، بهدف مساعدة أصحاب المبادرة على تحديد حاجة السوق وبلورة نموذج توزيع ملائم.
على غرار كتاب "الشركة الناشئة المرنة"، يرتكز "دليل أصحاب الشركات الناشئة" على نظرية أنّ الاختبار الدقيق المكرّر ضروري من أجل ضمان اكتساب فكرتك سوقًا. لكن، خلافًا لما يقدّمه "الشركة الناشئة المرنة"، هو يُقرأ ككتاب تعليميّ يحوي توصيات عمليّة، قائمات مراجعة وتدقيق، أمثلة حالات، مقاييس وعمليات تطبيقيّة. المقاربة لا تنحصر على المؤسسات الناشئة الكنولوجية، إنّما تنطبق على أي مجال أعمال يبيع أي سلعة، من الألعاب الإلكترونية إلى الليمون. فيما قد لا تضمن المنهجيّة النجاح، إلاّ أنّها تضمن الفشل السريع غير المكلف البتّة، ما هو أمر مثالي.
المنهجيّة
تبدأ أوّل خطوة من عمليّة تنمية قاعدة العملاء بإتمام خارطة نموذج الأعمال، وهي كناية عن تمرين يستدعي تجزيء فكرة الأعمال إلى 9 مركّبات: تدفّق الإيرادات، فئات العملاء، قنوات التوزيع، العلاقة مع العملاء، قنوات الدخل، الموارد اللازمة، النشاطات، الشركاء وهيكليات التكاليف. على أصحاب المبادرات أن يطوّروا فرضيّة لكلّ عنصر من العناصر، كـ"سيدفع العملاء أكثر لنسخة شخصيّة مكيّفة" على سبيل المثال، ثم بلورة طريقة لاختبار تلك الفرضية.
يُبتكر نموذج أوّلي تجريبي يسمّى Minimum Viable Product (MVP)، أو النموذج بالحد الأدنى، بصورته الأساسية الجوهرية التي تساعد على فهم متطلّبات السوق. بعد ذلك، تجرى إختبارات وتسجَّل المعلومات والبيانات. وإذا تخطّت المركّبات مراحل الاختبار، يتابع الفريق إلى المرحلة القادمة. وإذا لم تفلح، يعاد النظر في خارطة نموذج الأعمال لإيجاد بدائل، ويعاد الاختبار من جديد. فالهدف يكمن في إيجاد قاعدة العملاء لديك لتحدّد المستهلكين المبكّرين في قبول المنتج الجديد.
ينبغي على المؤسسين التحقّق من مشكلة تحديد الفئة التي ينتمي إليها العميل، والتأكد من أنّها فعليّة حقيقية ضاغطة، قد تُحلّ حتى بواسطة منتج أسوأ من ذلك الذي قيد الابتكار. تمسي المسألة أكثر صعوبة إن كنت تعمل على ابتكار منتج ريادي عن حقّ، لكن يبقى من المهمّ التأكّد من أنّ العملاء محمَّسين كفاية على الشراء.
في مرحلة تحديد العميل، يتبلور منتج MVP أكثر واقعية ودقّة وتطوّرًا، ويجري اختباره بشدّة حتى في تفاصيله الصغرى. تحدَّد من جهتها استراتيجية البيع والتوزيع بناءً على المعلومات المرتجعة ومستويات الالتزامات من قبل الشركاء الأوّلين، كالموزّعين أو المؤسسات الشريكة أو الفرعية. يتبع وضع استراتيجية أخرى قائمة على حيازة العميل، تخضع هي أيضًا للإختبار والتفحّص لقياس مدى وقعها على ربحيّة الشركة. وعليه، يتمّ التوافق حول استراتيجية البيع الفضلى الممكنة، ويجري تحديث خارطة نموذج الأعمال من جديد.
وها يأتي وقت الحقيقة: يسجن الفريق الإداري نفسه في غرفة للتأمّل يومًا بأكمله، وللتناقش وللتقاتل وللمراجعة، وفي النهاية، لاتخاذ القرار: أنبدّل المسار... أم نتابع؟
من يستمرّ يدرك أنّ بين يديه المنتج الصحيح للسوق الصحيح، بالإضافة إلى استراتيجية لإيجاد العميل الملائم بتكاليف الحيازة الملائمة، عبر الشركاء الملائمين. يكون عندها قد أسس مجتمعًا من العملاء والداعمين والشركاء ومستشارين يريدون له النجاح. وأهمّ ما في الأمر، إدراكه أنّ الأعمال ستدرّ بالأموال الكافية الجديرة.
تطبيق دليل الشركات الناشئة
من بين أصحاب المبادرة الذين اختبروا فعلاً منهجيّة الدليل هو الحسن هليّل، فلسطيني أردني بريطاني الأصل، مستقرّ في وادي السيليكون، أسس شركته الناشئة الجديدة "ندج" Nudge بعد أن أكمل دراساته في جامعة ستانفورد إلى جانب المؤلّف ستيف بلانك.
شدّد الحسن على مقاربة المنهجيّة العلميّة وعلى مفهوم الاختبار المستمرّ المكرّر قائلاً "كان ستيف دائمًا يسألنا التالي: ‘إلى كم عميل تحدّثتم؟ ما هو عدد الشركاء الذين قاربتم؟ كم مرشد كلّمتم؟’ تمحورت العمليّة فعليًّا بالنسبة إلينا حول بناء مجتمع حول الشركة." يعكس مسار "ندج" الصداع والتعب الناشئن عن هذا العمل الشاقّ، كما المكافأة منه. ما حصل هو أنّ فريقه بدلّ وجهته 5 مرّات في فترة 8 أسابيع، ما أفضى إلى بناء مفهوم رابح يشتمل على اقتراحات عمل ملهمة وشخصيّة مكيّفة، وإسمه "ندج".
ينصح الحسن أصحاب المبادرة الجدد بالحصول على أقصى قدر ممكن من المعلومات المرتجعة من السوق، من أجل بناء مجتمع حول الشركة الناشئة، ومن أجل بناء الفريق الصحيح. يضيف الحسن "نحن نملك فريقًا متميّزًا وقد وصلنا إلى هذا الحدّ عبر التحقّق من المنتج. لا ريب في أنّ طريقة اندماج الفريق وتلاحمه أساسية. فإذا لم تفلح منذ البداية في جمع الفريق بطريقة سليمة، تحكم لنفسك بالفشل."
إنّ مقاربة علميّة لتطوير شركة ناشئة هي فكرة غير إعتيادية في مجتمع عالمي خاصّ بالشركات الناشئة يؤمن بأنّ الأفكار الرائعة لا ترى النور إلاّ عبر هبّات إلهاميّة تنفح بقادة شباب جذّابين. لكن، في الحقيقة، تتّجه عائدات الرأسماليين المغامرين إلى الانحدار، وأمسى بالتوازي مجتمع المستثمرين أقلّ حماسًا لزيادة تقييم الشركات الناشئة، أمّا هذه الأخيرة، فتواجه من جهتها منافسة شرسة حول التمويل والعميل.
ستمنع العمليّة المطوّرة في "دليل صاحب الشركة الناشئة" الهدر والأخطاء والفشل نتيجة انطلاق مبكّر أو عالي الكلفة. ولعلّ هكذا عمليّة هي بالتحديد ما يلزم.