نصائح للريادييّن من لعبة الهوكي: أبقوا أعيُنكم على الهدف.
على الرغم من أني لست من المعجبين بلعبة الهوكي، إلاّ أني معجب بأسطورة هذه الرياضة واين غريتزكي. أشعر ببساطة بالإعجاب بأي امرأة أو رجل يبرزون في أي مجال كان، وكرياديّ فضوليّ إلى الأبد، يدهشني المنظار الذي يرون العالم من خلاله.
قرأت مؤخراً أنه حين سئل غريتزكي بماذا فكّر حين كان على الجليد، تريّث للحظات قبل أن يجيب "لطالما فكّرت إلى أين يتوجّه القرص وليس أين هو".
أدهشني هذا الكلام، فهو بسيط جداً وبديهي بشكل أو بآخر، ولكن حين نكون منكبّين على العمل لمدة 20 ساعة على مهمة يوميّة بين أيدينا، كم من الأمور تستوقفنا أو نتركها تستوقفنا كي نفكّر أين سيصل "القرص" الذي نلاحقه.
حين بدأنا أنا وفريقي في "HealthCentral"، المنصة الاجتماعية وبوابة المحتوى التي يشارك الناس عبرها تجاربهم الصحيّة وقصص شفائهم، بعث لي أحد أبرز الرياديين في وادي السيليكون ـ بمثابة غريتزكي في مجاله بالتأكيد ـ رسالة إلكترونية يقول فيها:
"تهانينا! أهلاً بك في عالمنا حيث هناك نوعان فقط من العواطف: النشوة المطلقة والخوف المدقع". وعلمت في آخر الأسبوع الأول ما الذي كان يعنيه.
من السهل وصف النشوة، ففي بعض الأيام تشعر بكل حواسك بأنك تبني ما لم يبنه أحد من قبل. كما أن الخوف المدقع سهل الوصف أيضاً، ففي إحدى شركاتنا الناشئة واجهنا في سنتين فقط ثلاثة أوضاع اقتربنا فيها من الإفلاس. والفشل أو خطر الفشل هو عرف سائد في عالم التكنولوجيا الذي لا يتوقف عن التغيّر وحين يقع الفشل يجب علينا أن ننتفض ونتعلّم ونحاول من جديد لأن هذا هو جوهر الريادة.
ولكن صديقي لم يكن يتحدث فقط عن الخوف من الفشل ولكن أيضاً من الانزعاج والتعب اليومي إضافة إلى عدم اليقين الذي يمكن أن يعمينا عن النظر ورؤية أين يتجه "القرص". والبعض منا، ولكن أقل بكثير مما يعتقد أحد في تجربتي، يزدهرون حقاً في حالة عدم اليقين اليوميّة. والأفضل بيننا، يريد الابتكار، ونحن نريد حل المشاكل المثيرة للاهتمام، ونريد أن يؤخذ رأينا في الاعتبار وبالتأكيد نريد الاستقلالية. ولكننا في كثير من الأحيان نرغب أن يقال لنا ما يجب القيام به و/أو أن نسعى للراحة من وراء خلق طريقة مثبتة وحقيقية لإجراء الأمور.
ومع هذا كله تأتي القوتان الأكثر إفساداً في أي منظمة ابتكار متنامية: الأولى هي الاعتقاد بأننا أذكياء لدرجة نعتبر أن الطريقة التي نجري بها الأمور هي الوحيدة الصحيحة، والثانية وهي قريبة منها جداً، الاعتقاد المتزايد "بأننا لطالما قمنا بالأمر على هذا النحو". وهناك إلى حد ما نزعة دفاعيّة في هاتين القوّتين تعتبر تحدّي نماذج موجودة وحتى مطوّرة مؤخراً، خيانة. وهذا يتضاعف حين تستعدّ الشركة للتوسّع. ويمكنك اختيار مثالك المفضل من بين عمالقة في الابتكار، مثل كوداك ونوكيا وسوني، استحوذ عليها إن لم نقل تغلّب عليها أشخاص ركّزوا ليس فقط على أين وكيف "يتزلجون" بل في أي اتجاه يذهب "القرص".
وفي الواقع، كلما كبرت الشركة كلما جازفت بالنظر إلى "مزلاجها" الخاص، ويمكنني أن أفكّر بشركتين فقط راجعتا بتمعّن الطريقة اللّتان تجريان بها الأمور وتغيّرتا 180 درجة. فشركة "أي بي أم" كانت تحقق 70% من عائداتها من إنتاج الحواسيب الكبيرة وبعد أقل من عامين خرجت من هذا المجال نهائياً. أما "إنتل" التي صنعت إسمها وقيمتها التي تبلغ عدة مليارات من الدولارات من الرقاقات، قررت ببساطة أن تنتقل إلى إنتاج المعالجات الأكثر تعقيداً.
والقصة المفضلة لديّ هي كيف قام مؤسس إنتل أندي غروف أمراً قمت به مائة مرة حتى في شركاتي الأولى. فهو والمؤسس المشارك معه نظرا إلى بعضهما البعض وقالا "لنذهب إلى الغرفة الأخرى ونعود ونتظاهر بأننا مجلس إدارتنا، ماذا نفعل عندها؟" وكان ذلك اجتماعاً قصيراً عرفا فيه الإجابة: ترك مجال الرقاقات. ولكن احتاج الأمر إلى إطار عمل بسيط ليساعدهما على رؤية "القرص" الذي كانا فقط يشعران به يتحرك بعيداً لسنوات.
وهناك ثلاثة عوامل في عالم الشركات الناشئة تمنح الفرق العالميّة التماسك:
- أن يكون لديها إيمان كامل وعلى نطاق الشركة بالمهمة على جميع المستويات وفهم كامل لها. فالشركات في وادي السيليكون ومدينة نيويورك أثارت الانتقادات لأنها وضعت كسب المال في أسفل سلّم الأولويات في الآونة الأخيرة. ولكن لا يمكنني أن أفكر بمثال واحد على شركة نجحت بناء على الشغف والرؤيا فقط (ولكن يمكنني أن أسمّي بعض الشركات الأخرى التي تعثرت بسببها). وفي الواقع ومن دون شك، تلك التي حققت النجاح المالي نجحت في ذلك كثمرة للشغف ولتنفيذ مهمتها.
- قد يبدو من المبتذل أن أقول إن الناس هم كل شي، ولكن هذا صحيح. يحتاج الأمر القليل جداً من الرافضين والمشككين ليكونوا سرطانات في المؤسسة. ولكن ثقافة الشركة يمكن أن تترسّخ بدءاً من القيادة منذ البداية إذا طبقت بشكل متوافق في السنوات التي تتبع. وأنا معجب بسياسة طوني هسيه وفريقه من زابوس وهو غريتزكي في الريادة، والتي تقوم على دفع المال للموظفين ليغادروا الشركة. فإن غادرتَ مقابل بضعة آلاف من الدولارات فهذا يعني أنه لم يكن يجدر بك أن تكون هناك من الأساس وكان يمكن أن تكون أحد تلك السرطانات الثقافية.
- طوني شخص نادر ـ وقلائل يرغبون في الذهاب إلى هذا الحد. ولكن المؤسسات العالميّة لديها أشخاص يعرفون وملتزمون بشدة بالمهمة، ويعلمون كيف يناسبون المهمة وكيف يؤثرون عليها وكيف يحققون الفائدة عبر مهاراتهم ومسيرتهم، ويشجعون على القبول بالفشل والمرونة في الانتقال إلى حقائق جديدة، مثيرين الفضول في جميع الأمور وساعين إلى إثبات القدرة على العمل الجماعي بالفعل وليس فقط بالقول. وفي إحدى الشركات التي استثمرت فيها اليوم لا يغادر أحد إلى المنزل قبل أن يتفقد زملاءه في العمل.
- أن تنظر إلى ما يسمّيه بيتر ثيل وزميله أورين هوفمان "صلات غير واضحة". إن الشركات الكبرى تعرف ما الذي يجب تنفيذه اليوم ولكن تواصل النظر إلى الصورة الأكبر ـ وتدفع الآخرين إلى مواصلة النظر أيضاً ـ علّها ترى ضرورة إحداث تغيير. فهي تسأل نفسها وتنفّذ بناء على ما يمكن أن يحصل لجهة الزبائن والمستهلكين الذين تبحث عنهم اليوم وحيث يمكن أن يأخذها خط الابتكار التكنولوجي المتكامل واللامتناهي.