تعزيز دعم الشركات الناشئة ببناء بيئة تضم منطقة البحر المتوسط كاملة
بهدف تسهيل تطوير أفكار جديدة تقود إلى إنشاء شركات صغيرة، من الأساسي خلق نظام بيئي لدعم الابتكار يكون قابلاً للحياة.
يشهد العالم من وادي السيليكون إلى أوروبا وآسيا ازدهار نظم حاضنة للريادة لدعم الشركات الناشئة تجمع الشركات الحاضنة وصناديق رأس المال المخاطر وشبكات داعمة للأعمال. ولا تشذ منطقة الشرق الأوسط عن هذه القاعدة خصوصاً في فعاليات مثل قمة عرب نت الرقمية الأخيرة في نيسان/أبريل. وحين بدأ أصحاب المصالح المجتمعين في عرب نت يناقشون معاً وضع الريادة في العالم العربي، أصبحت مقتنعاً أن المزيد من التضامن بين النظم الحاضنة في منطقة البحر المتوسط سيقدم دعماً أكبر للتطوير.
في إيطاليا، أنشأت شبكة أعمال تحمل إسم Startupbusiness ومجلة Innov’azione كما نظّمت سلسلة من الفعاليات، وجميعها مصممة لتساعد بشكل خاص الشركات الناشئة على التواصل مع بعضهما البعض ومع المرشدين والشركاء والمستثمرين المحتملين. قبل خمس سنوات، كان النظام البيئي الحاضن للريادة في إيطاليا مجرد حلم، ولكنه تحول إلى واقع بعد أن عملنا أنا وآخرين على بنائه. واليوم أصبحت عبارة "شركة ناشئة" من أكثر العبارات استعمالاً في إيطاليا. والروح التي نزرعها هي أن إنشاء شركة ناشئة ليس فقط مسألة تطوير فكرة ووضعها في السوق بل هي أكثر من ذلك، هي وسيلة لوضع الشغف والقيم موضع التنفيذ والمخاطرة واستخدام كامل طاقتك لتعيش الحاضر والمستقبل بهدف الابتكار وخلق شيء يفيد مجتمعك.
تنتشر هذه الظاهرة في منطقة البحر المتوسط على سواحله الجنوبية والشمالية والشرقية، من المغرب إلى لبنان ومن الأردن إلى تركيا ومن اسبانيا إلى اليونان. وإذا ألقينا نظرة أقرب إلى ساحة الشركات الناشئة في هذه المنطقة بشكل عام، نرى ان النظم الحاضنة للريادة تتشارك بعض العناصر المركزية بينما تختلف كثيراً في جوانب أخرى. وحين أقارن النظام الحاضن في إيطاليا الذي أعرفه جيداً، بالنظام اللبناني الذي أكتشفه من جهة نظراً إلى إرثي اللبناني ومن جهة أخرى بسبب نضجه النسبي في المنطقة، أجد الكثير من الأفكار الجيدة التي تطوّرها فرق تتمتع بالمهارات المناسبة. وصحيح أنك تجد أيضاً أن المقلدين ينتشرون في النظامين، إلاّ أن كمية الأفكار الجيدة تنمو بالتوازي مع تطوّر قدرات الرياديين الشباب سنة بعد سنة. وعروض الأفكار التي أراها اليوم أفضل بكثير من تلك التي رأيتها قبل سنتين أو ثلاث.
في إيطاليا، أرى أفكاراً جيدة تقريباً كل يوم مشابهة لبعض الأفكار العظيمة التي رأيتها في عرب نت خرج بها رياديون من لبنان والأردن والسعودية والمنطقة. ولكن تحتاج النظم الحاضنة إلى المزيد من الأفكار الجيدة والخطط الجيدة للأعمال وإلى شركات حاضنة التي هي حجار الأساس للنظم الحاضنة والجسر للعبور بالأفكار إلى السوق. وفي نهاية المطاف لا تأتي العائدات الحقيقية سوى من السوق نفسه والنجاح الحقيقي للشركات الناشئة يأتي حين تبدأ الشركات بيع بضائعها وخدماتها للزبائن. والشركات الحاضنة تقدم التدريب والإرشاد والشبكات التي تسهّل هذه العملية.
هذا العنصر أساسي في لبنان وإيطاليا. وعلى جبهة رأس المال المخاطر أيضاً، ليس هناك اختلافات كبيرة بين النظامين اللبناني والإيطالي. ففي الإثنين، هناك صناديق رأس مال مخاطر وشبكات داعمة وحتى مصارف تقدم منتجات مصدرها شركات صغيرة (وهو أمر يحصل بنسبة أقل في النظام الأميركي الحاضن). ولكن العناصر المقيّدة في البيئتين الحاضنتين هي أن المستثمرين في لبنان يميلون إلى الاستثمار فقط في الدول العربية كما أن المستثمرين في إيطاليا يستثمرون فقط في الشركات التي تتخذ من إيطاليا مقراً لها. وبالنتيجة فإن عدد الاستثمارات العابرة للحدود بين دول البحر المتوسط يقترب من الصفر. وهذا يحد من تطوّر النظامين، ببساطة بسبب تقليص مساحة انتشار الشركات الناشئة. وإذا كان الهدف النهائي للمستثمر هو الوصول إلى مرحلة الخروج عليه أن يعمل بأقل قيود ممكنة.
هذا أحد الاختلافات الرئيسية حتى الآن بين النظم البيئية بشكل عام. وفي إيطاليا، نلاحظ ازدياد اهتمام الصناعات التقليدية بالشركات الناشئة مع إدراكها أن الريادة يمكن أن تكون وسيلة قوية لتعزيز الابتكار في قطاعاتها. وهذا الاهتمام المتزايد يعني المزيد من عمليات الدمج والاستحواذ المحتملة التي بإمكانها أن تسهّل عمليات الخروج للمستثمرين. ولكن عمالقة الصناعة يحتاجون إلى شخص أو جهة لتساعدهم في العثور على الشركات الناشئة المناسبة التي تحتوي على التقنيات المناسبة والمنتجات والمهارات المناسبة ومن أفضل من الشركات الحاضنة للعب هذا الدور.
ومن منظور أوسع، فإن تسهيل الرؤية والشراكة الدوليين للشركات الناشئة بمنطقة البحر المتوسط سيخلق لها المزيد من الفرص لتحديد الشركاء الذين يمكن أن يساعدونها في التغلب على التحديات المحلية. بعض الأنظمة الحاضنة في أوروبا قد تكون مؤاتية أكثر للشركات الناشئة من العالم العربي حيث المنظمات الحكومية لا تزال المصدر الرئيسي لخلق الوظائف غير أن ثقافة الريادة لا تزال مشتركة لا سيما في إيطاليا ولبنان. والمهم هو تسريع التبادل الثقافي لدفع الابتكار قدماً. فأن يكون هناك روابط أقوى في نظام بيئي حاضن للريادة على مستوى منطقة البحر المتوسط قد يسرّع أيضاً التغيير على نطاق أوسع ويعزز التأثير الاجتماعي في أنحاء المنطقة.
ومن أجل تقوية الروابط، يجب على الشركات الحاضنة في دول البحر المتوسط أن تقيم قنوات ارتباط وأن تشكّل شبكة تغذّي التفاعل بين الشركات الناشئة في حين يقوم الشركاء المستثمرون بالبحث عن استثمارات عبر الحدود. وبإمكان النظام الحاضن في البحر المتوسط أن يبني على البرامج التي ساهم الاتحاد الأوروبي في إطلاقها من بينها Invest In Med التي تدعم التجارة المستدامة والاستثمار والمشاريع العابرة للحدود في أنحاء منطقة البحر المتوسط وبرنامج Erasmus لتبادل الطلاب حيث بإمكان هؤلاء أن يتابعوا دراستهم أو يخضعوا لبرامج تدريب في دول بالاتحاد الأوروبي. ومن الأمثلة التي يجب أن تكون نموذجاً يحتذى به، هو إنشاء بنك الاستثمار الأوروبي للمركز اليورو متوسطي للشركات المتوسطة والصغيرة والمصغّرة والذي سيتم افتتاحه في يونيو/حزيران المقبل في ميلانو.
أعتقد أن خلق نظام للتبادل في منطقة البحر المتوسط مثل Erasmus للشركات الناشئة سيعزز النمو في قطاعات حيوية مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا النظيفة والرعاية الصحية وصناعة الروبوتات في النظام الحاضن. وقد يكون هذا مجرد حلم ولكنه أساسي للريادة. ومن المعروف أن أي مسعى يكون في البداية حلماً. حلماً مبتكراً وبوابة إلى منظور جديد.