المسؤولية الاجتماعية للشركات في السعودية: الإيجابيات والسلبيات
عندما أخبر الناس بأنني أعمل في مساعدة الشركات في المملكة العربية السعودية لتتحمل مسؤوليات أكبر تجاه مجتمعاتهم المحلية والجمهور بوجه عام، يظن الجميع أنني في الغالب مجرد مثالي ميؤوس منه. الاعتقاد السائد هو أن الشركات في المملكة العربية السعودية لا تهتم بتحمل مسؤلياتها، حيث تتردد شائعات على نطاق واسع عن إساءة معاملة الموظفين الأجانب من قبل كفلائهم، واستغلال الشركات لموقعها الاحتكاري، وتجاهل الشركات للعملاء.
ولكن من واقع خبرتي مع الشركات السعودية على مدى السنوات الثلاثة الماضية؛ فأنا على علم بأن هذا ليس صحيحاً تماماً. صحيح أن ثقافة الشركات هنا أبعد ما تكون عن المثالية، ولكن بعض الشركات المحلية قد حققت انتقالاً مثيرة للإعجاب نحو تحقيق التنمية المستدامة على مدى السنوات القليلة الماضية. وفي هذا المقال سأعطي رأيي الصريح عن المسؤولية الاجتماعية للشركات في السعودية.
الإيجابيات
الخبر السار هو أن هنالك ثقافة عطاء قوية ومتأصلة في قطاع الشركات، لاسيما في الشركات المملوكة للأسر والتي تتضمن مؤسسات خيرية مستقلة ودساتير عائلية تحدد الكيفية التي سيتم بها استخدام الأموال من أجل رفاهية المجتمع. ويرجع ذلك أساسا إلى البنية التحتية الاجتماعية المدفوعة بأسباب ثقافية ودينية، والتي تعزز ثقافة مواتية لعمل الخير. وقد قامت إدارات الشركات بإنفاق مبالغ طائلة على المؤسسات الخيرية لفترة طويلة مما جعل الموضوع يتمحور أساسًا حول إقناع الشركات بتطوير خططهم التقليدية لتقديم مبادرات مجتمعية إلى خطط مسؤولية اجتماعية استراتيجية، وليس إقناعهم بإنفاق الأموال في المقام الأول.
تُعد الساحة السعودية جاهزة لاستقبال المسؤولية الاجتماعية الاستراتيجية للشركات، مع وجود شركات استشارية حريصة على المساعدة في اتخاذ هذه الخطوة، واستعداد القطاع العام لدعم انتشار المسؤولية الاجتماعية للشركات، والكثير غيرها من فرص الأعمال التجارية المسؤولة اجتماعيًا.
وفقًا لتقرير عن المسؤولية الاجتماعية للشركات في السعودية والعالم أعدته كلية كينيدي بجامعة هارفارد والهيئة العامة للاستثمار، فإن المملكة العربية السعودية قد أحرزت المرتبة 16 على الصعيد العالمي من أصل 181 بلدًا تواجدوا على قائمة البنك الدولي لعام 2009 والمتعلقة بسهولة ممارسة الأنشطة التجارية، وقد أحرزت المرتية 27 من أصل 134 اقتصادًا تواجدوا على مؤشر التنافسية العالمية لعامي 2008-2009 وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي. كما أنها الأعلى في العالم العربي فيما يتعلق باستقطاب جهات الاستثمار الأجنبي المباشر، وفقا لتقرير الاستثمار العالمي لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتجارة والتنمية.
السلبيات
لقد تم تفسير المسؤولية الاجتماعية للشركات بشكل خاطئ لفترات طويلة باعتبارها جمعية خيرية، مما أدى لتكوين صورة في ذهن الجمهور السعودي بعيدة كل البعد عن الواقع الفعلي لما ينطوي على الأعمال التجارية المسؤولة. وقد أخر هذا النقص في الفهم من انتشار المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث ركزت الشركات أكثر على المبادرات المجتمعية غير المتكررة في محاولة لاسترضاء الرأي العام. حيث لا تجد الشركات سبباً لقيامها باستراتيجية متكاملة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، عندما تستطيع بعض الشركات الأخرى الحصول على مثل هذه التغطية الإعلامية الإيجابية فقط عن طريق تنظيف الشاطئ مرة واحدة كل ثلاثة أشهر!
يبرز دور الحكومة في تشجيع المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث تقوم الوزارات المختلفة بمختلف المستويات الحكومية بالتعامل مع فكرة المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومن هنا تأتي الحاجة لمظلة حكومية استراتيجية تهدف لتشجيع ودعم الشركات التي تفكر في اتخاذ خطوات تجاه رفع مستوى المسؤولية الاجتماعية للشركات.
أخيرا وليس آخرا، هناك دور مفقود من المفترض أن يلعبه المستهلك في دفع المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث يجهل المستهلك في السعودية الآثار المترتبة على الممارسات التجارية غير المسؤولة، حيث تستند قرارات الشراء على السعر أو على أكبر قيمة مقابل أقل مبلغ من المال، وذلك باستثناء الرعاية الصحية والتعليم. ويشكل هذا في الوقت الراهن عائقا أمام انتشار المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث نجد العديد من الشركات لا ترى الفوائد التجارية الملموسة من كونها أكثر مسؤولية.
السلبيات البالغة السوء
من ألد أعداء الشركات ذات النية الحسنة هي الجوانب بالغة السوء للمسؤولية الاجتماعية للشركات في المملكة، ومن أهمها الفساد في مجال الأعمال. على الرغم من أن بيانات الفساد في مجال الأعمال في السعودية ليست متاحة للعامة، منحت منظمة (ترانسبرنسي إنترناشونل – Transparency International) المملكة العربية السعودية درجة 4.7 (على مقياس من 0 إلى 10 حيث 0 هو "فاسد جدا" و10 "نظيف جدا") في تقرير مؤشر مفاهيم الفساد لعام 2010. وهذا المؤشر لا يكشف فقط عن مستوى المخاطر التجارية ولكن يكشف أيضا عن القدرة المحدودة للسعودية في جذب الاستثمارات الأجنبية.
وتعتبر المعاملة السيئة للقوى العاملة من قبل الشركات المحلية من المسائل الهامة في ثقافة الشركات السعودية، فيما يتعلق بقضايا الصحة والسلامة، والأجور، وحقوق الإنسان الأساسية، حيث نرى في بعض الأحيان تجاهل تام لمعايير العمل المقبولة. ومع أن الحكومة قد لاحظت هذه النقطة واتخذت تجاهها إجراءات صارمة، وأطلقت تحقيقات رسمية على المستوى الحكومي، فإن المسؤولية تقع أيضا على عاتق الشركات نفسها، التي يجب أن تلعب دورًا هامًا في معالجة هذه القضايا، وتشجيع الشفافية.
وعلى الرغم من كل ما سبق ذكره فإن المملكة توفر إمكانات هائلة للمسؤولية الاجتماعية للشركات وممارسات الاستدامة. صحيح أن هناك تحديات تجعلها مهمة شاقة، ولكننا نرى شركات تقبل واقعها المحلي ولكنها في الوقت ذاته متحمسة لاستكشاف المسؤولية الاجتماعية للشركات في المملكة وخلق استراتيجية فعالة للمسؤولية الاجتماعية للشركات. ومن المرجح أن نشهد المزيد من الإيجابيات في السنوات المقبلة ومن ثم سيكون علينا العثور على مواضيع أخرى لمناقشتها على مائدة العشاء، لربما الحياة الزوجية؟