اختتام فعاليات مسابقة منتدى أعمال معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لأفضل خطة عمل عربية
ركز المتحدثون في حفل إطلاق الجولة الخامسة لمسابقة أفضل خطة عمل عربية منتدى أعمال معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) على المثابرة والعمل الجاد حيث قدموا نصائح حكيمة لكلٍ من الحكومات ورجال الأعمال على حدٍ سواء.
انطلقت فعاليات المسابقة الخامسة لأفضل خطة عملٍ عربية يوم الخميس الماضي، لتشكل أسلوباً جديداً وهادئاً لريادة الأعمال في المنطقة. وعوضاً عن امتداح نجاحات الماضي، ناقش المتحدثون في هذا الحدث التنمية في المنطقة بشكلٍ رزين وثقةٍ حصلوا عليها بشقٍ الأنفس. وركّز أولئك الذين حالفهم النجاح على العمل الجاد والدؤوب، والتفاني في العمل. وتأصلت في الحدث روح التكافل الحقيقي في عملية دعم المشاريع الرائدة، في حين تلقى رواد المشاريع أنفسهم الكثير من النصائح الأساسية والهامة.
صاحب السمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس الكليات العليا للتكنولوجيا في الإمارات العربية المتحدة كان قد افتتح هذا الحدث بالتأكيد على التأثير التحويلي لمسابقة أفضل خطة عمل عربية، حيث قال "بوجود هذه الأفكار المبتكرة بيننا، كيف لنا ألا نتقدم اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً وأخلاقياً؟".
وأكدت هلا فاضل رئيسة منتدى أعمال معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في المنطقة العربية على التزام المسابقة بالتنمية، مشيرةً إلى السبل التي توسع من خلالها دعم رواد الأعمال بشكلٍ كبير منذ البدء بالمسابقة عام ٢٠٠٧. ولكن بينما تململ الصغار من الجمهور في مقاعدهم، أسرعت في الوصول إلى الفكرة التي تشرح فيها لماذا يجب أن يتقدموا بطلباتهم. حيث قالت "أولاً، ستبدأون مشروعكم، وثانياً ستتلقون التدريب على يد أفضل الأشخاص في المنطقة، لكون إنشاء المشاريع علمٌ أكثر منه فناً، وأخيراً، ستكوّنون علاقات مفيدة". وكان الحضور الذين اكتظت بهم الغرفة، وجُلّهم من رواد الأعمال المخضرمين، والمستثمرين، والمستشارين، أكبر شاهدٍ على مقولتها.
كما شاركت هلا الحضور أيضاً بثلاث نصائح للنجاح حيث قالت: "أولاً، كن شغوفاً بما تفعل. فخطط العمل التي تفوز هي التي يتم تقديمها بشغف. ثانياً، اعمل بجد، لا أدري من أين أتت خرافة أنه يمكنك أن تدير عملاً في هذه المنطقة بالعمل من الساعة التاسعة إلى الساعة الثانية، ولكن بحسب خبرتي فيجب أن تعمل وكأنك مستعبد لتنجح. والنقطة الأخيرة هي ألا تنسى شكر الأشخاص الذين ساعدوك".
تأسيس البنية التحتية وتثقيف السوق
ألقت اللجنة الأولى نظرة جادة على المشاكل التي تواجهها المنطقة. قام أعضاء اللجنة سامي خريبي من شركة إنفايرومينا، وإحسان جواد من شركة زاوية، ومروان شعار من فوجو للطاقة، وإيلي خوري من ديرماندار بالإجابة عن سؤال: " الريادة في المشاريع في العالم العربي: هل نحن في وضع جيد؟".
سلط مدير الجلسة، فريد سيكر من شركة أبراج، الضوء على فجوة هامة حيث قال: "تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة ٧٠% من العمالة، ولكنها تشكل ٣٠% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة. في حين يمكن في مناطق أخرى من العالم رؤية نسبة ٥٠/٥٠ من العمالة إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكلٍ أكبر. فما هو الشيء المفقود بالنسبة للإنتاجية؟"
والجواب العالمي هو البنية التحتية. واعترف إحسان جواد أن البيئة لم تكن داعمة دائماً فيما مضى. وقال "لكننا أصبحنا أفضل من هذه الناحية. وأصبحت الشركات الصغيرة والمتوسطة تشكل الآن عالماً مرغوباً للغاية".
وتحدث إيلي خوري بمزيدٍ من التفصيل عن التحديات التي يسببها النقص في البنية التحتية، حيث شبه ابتكار تطبيق آي فون باستخدام سرعة الانترنت اللبنانية بالتمرين لسباق ماراثون في كينيا (انظر الفيديو أدناه). فعمد إللى استنتاج أنه عندما تصبح البنية التحتية الملائمة في مكانها المناسب، فسيتفوق مطوري المشاريع العرب على الجميع.
ناقش سامي خريبي كيف يكون باستطاعة رواد الأعمال تأسيس بنية تحتية أكاديمية بأن يصبحوا معلمين، وخاصةً عندما البدء بإطلاق المشاريع في القطاعات الناشئة وقال "لقد أصبحنا شركات رائدة في السوق من خلال تعليم وتثقيف المستخدمين عن المنتجات، والبنوك وحتى عن موظفينا. وكان علينا أن ننظر إلى الخارج، ونحضر الموهوبين في ذلك المجال، وندرّب موظفينا".
وزيادة في توضيح الكيفية التي يمكن لرواد الأعمال بها تمكين وتقوية أنفسهم، سلط مروان شعار الضوء على الحاجة إلى القيام بالأبحاث والوظائف اللازمة وقال "إن السوق هنا أصغر بـ ١٠ مرات وأصعب بـ ١٠ مرات عما هو عليه في الخارج. وعليك أن تعرف سوقك جيداً. فنحن في شركة فوجو تنبأنا مسبقاً بأن كلفة الكهرباء سترتفع. يجب عليك أن تختبر وتجرّب ثم تستثمر: اختبر منتجك في سوقٍ أصغر لمعرفة فيما إذا كان النموذج الذي تطرحه فعالاً، ثم ابحث عن الاستثمار".
وأنهى إيلي خوري جلسة المناقشة بالدعوة إلى المثابرة حيث أكد: "ينبغي عليك أن تفشل 5 أو 6 مرات قبل أن تنجح"، مما حدا بمستثمرٍ كان يجلس بقربي أن يعلّق مازحاً "آمل ألا يحدث ذلك أبداً". ومع ذلك فإن فكرة إيلي خوري أوصلت فكرة لجنة المناقشة إلى مقصدها، أن النجاح ليس سهلاً، لكنه ممكنٌ في النهاية.
دور مجتمع الأعمال في التغيير المجتمعي
في الاستراحة الفاصلة بين جلسات النقاش، دعينا إلى حديثٍ شيقٍ جداً وهام مع عراب ريادة المشاريع فادي غندور، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكس، حيث أجرى معه المقابلة علي جابر، المدير العام لمجموعة MBC، والذي عرف عنه عدم رغبته في التساهل مع ودعم المتنافسين بشكلٍ لا داعي له في البرنامج التلفزيوني الشهير لاكتشاف المواهب العربية (Arabs Got Talent).
دخل علي في صلب مسألةٍ حساسة عندما قال: "لا يمكن للمرء ألا يلاحظ غياب مجتمع الأعمال الكامل عن التغيير المجتمعي الذي يحدث".
واعترف فادي، كونه ليس ممن يتهربون من الصراحة، "نحن خائفون. خائفون من أن نكون في طليعة التغيير أو التطور. وقد قمنا بالرجوع إلى الصفوف الخلفية خوفاً من أن يمسنا هذا الهجوم على مؤسسات الدولة في العالم العربي. إلا أن مجتمع الأعمال (ينبغي) أن ينشئ ثروته الخاصة المستقلة عن الحكومات، ليصبح بذلك قوة في المجتمع المدني في العالم العربي، وبالتالي جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية".
التكرار والمثابرة
تميزت اللجنة الثانية بعددٍ من الأشخاص الذين فازوا بالجائزة من قبل وهم: شريف مصطفى من "بي تي سكرين"، وشادي طبارة من "كابيتال أرابيا"، وعمر سمرة مؤسس "وايلد غوانابانا"، ورنا شميطلي مؤسسة مشروع المهندس الصغير، وحسام محجوب مؤسس شركة الخوارزمي للبرمجيات. بالرغم من أن كلاًّ منهم أعطي فترة زمنية قصيرة للحديث عن تجاربهم، إلا أنهم جميعاً اتفقوا على أن رواد الأعمال يجب أن يكونوا قادرين على التكرار السريع لنهجهم وعلى المثابرة.
شدد شريف مصطفى على الأهمية القصوى لأن يتسم المرء بالمرونة. وكرر شادي طبارة وجهة النظر هذه، مشيراً إلى أن خطته تغيرت تماماً، وكذلك صناعته، فور دخوله المنافسة.
رنا شميطلي، وهي قصة نجاح معروفة في لبنان، أعادت رواية القصة التي أصبحت الآن رمزاً للإبداع في الريادة النسائية للمشاريع في المنطقة: فقد بدأت برنامج المهندس الصغير الصيفي الذي يركز على الروبوتات والهندسة لتصرف انتباه ابنها عن الألعاب الالكترونية وقالت: "استثمرت في البداية من مالي الخاص، وتركت كل شيءٍ آخر لتحقيق حلمي" إلا أن نجاحها سيمكّن الأخرين ويقويهم. "لقد فزنا اليوم، ولكننا غداً سنضع استثمارنا في الآخرين" على حد تعبيرها.
وروى عمر سمرة كيف ترك مهنةً مستقرة في مجال التمويل لتأسيس أول شركة تخلو أعمالها من آثار الكربون في الشرق الأوسط، ناصحاً رواد الأعمال بوجوب الحصول على المشورة، ولكن الثقة بحدسهم وبصيرتهم أولاً وقبل كل شيء.
وبالحديث عن الدروس المستقاة من الفشل، أوضح حسام محجوب كيف أدى اختيار الشريك غير الملائم في العمل إلى انهيار مشروعه السابق، ومع ذلك فقد ألهمه فكرة ابتكار محرك بحث محسن للغة العربية، والذي فاز بسببه بالمرتبة الثانية في مسابقة العام الماضي.
في حين جلب كلٍ من الفائزين منظوراً مختلفاً للمشهد، إلا أن الصفات الأساسية التي يبدو أن مسابقة منتدى أعمال معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لأفضل خطة عمل عربية قد غرستها فيهم هي الخضوع المتواضع للتغيير وثقةٌ اكتشفوها حديثاً بأنفسهم في قدرتهم على الابتكار.
القوة المستمدة من كلمة "يلا"
حبيب حداد هو مؤسسس موقع ياملي والمدير التنفيذي الجديد لموقع ومضة (ورئيس كاتب هذا المقال في العمل)، اعتلى المنصة قبل جلسة المناقشة الثالثة، ليناقش أهداف ومضة باعتبارها بوابة مؤلفة من رواد الأعمال وموجهة أيضاً لخدمة رواد الأعمال. ثم أعطى ثلاث نصائح سريعة لأصحاب الأعمال.
أولاً، استمع إلى زبائنك، ومن ثم ابتكر لأجلهم. لا تكتفي بسؤالهم عما يريدون ويحتاجون، بل قم بابتكار ما هو جديد. ثانياً، قم بحماية التدفق المالي لأعمالك. وثالثاً، أسس فريقاً يحيط بك ويكون مكمّلاً لمهاراتك "وتذكر دائماً أن الأمر سيكون أشبه بركوب لعبة القطار الأفعواني (الرولر كوستر)". على حد قوله.
الريادة في جوهرها أمرٌ نفسي
اختتمت لجنة المناقشة الثالثة هذا الحدث، قام خلالها المتحدثون إيناس خيال من معهد مصدر، ونيفين الطاهري مؤسسة مجموعة دلتا المالية للاستثمارات في مصر، وعدنان سلطان من القدرة للاستشارات، وسلام يموت من منتدى أعمال معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في المنطقة العربية، بتوسيع نطاق النقاش حيث ناقشوا السبل التي تجعل من ريادة الأعمال في العالم العربي في يومنا هذا معركةً نفسية. وأكدت سلام يموت أن رواد الأعمال العرب بحاجةٍ للحصول على منظورٍ جديد وتقوية أنفسهم بما يمكنهم من أخذ المجازفة والتفكير بأهدافٍ أكبر.
ألقى زاهر منجد، وهو مستشار رئيس شركة عبد اللطيف جميل، الملاحظات الختامية بدون أن يرسم صورة مبالغة في التفاؤل للتحديات حيث قال: "إن روح الريادة تشع كمنارة أملٍ في المشهد العالم العربي القاتم في وقتنا الراهن. والتحديات هائلة. ونحن هنا نرى مثالاً مشرقاً على المشاركة الإيجابية الفعالة."
اختتمت تعليقاته هذا الحدث بدعوة للبدء بالعمل. ولم يكن ذلك التفاؤل الهادئ المستمر بفضل الطعام والشراب الذي كان ينتظر الحضور في الخارج، وإنما كان مبنياً على الصور التي قدمها المتحدثون، عن المثابرة والمرونة والالتزام بالمضي قدماً. وبهذه التوصية والدعوة للعمل، ننتظر الدفعة التالية من الفائزين.